سيواجه الرئيس المنتخب دونالد ترمب شرقا أوسط مختلفا عن ذلك الذي تعامل معه خلال فترة رئاسته بين عامي 2017 و2021، إذ تشهد المنطقة حاليا حربا مستعرة وتثار تساؤلات خطيرة حول مستقبلها. ورغم ذلك، تتاح له فرصة مهمة لاستكمال سياساته السابقة التي تهدف إلى احتواء إيران وبناء تحالف إقليمي مستقر يتطلب تدخلا أميركيا أقل. واستنادا إلى هذه الفرصة، ينبغي عليه إنهاء النزاع الحالي بشروط سلام تضمن عدم تكرار تهديدات مشابهة للهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والبناء على "اتفاقات أبراهام".
ولتحقيق ذلك، سيتطلب الأمر اتخاذ قرارات صعبة وتحمل بعض المخاطر، فقد لا تكون إيران ووكلاؤها جاهزين بعد لنمط السلام الذي تحتاجه المنطقة. كما أن تعزيز "اتفاقات أبراهام" قد يستدعي تغييرات في المواقف تجاه الفلسطينيين، سواء من قبل إدارة ترمب أو الحكومة الإسرائيلية الحالية، لكن يبقى تحقيق ذلك أمرا ممكنا.
قد يبدو هذا التفاؤل في غير محله، ليس فقط للمراقبين بل أيضا لشعوب إسرائيل وغزة ولبنان، الذين عانوا كثيرا في ما وصفته مجلة "ذي إيكونوميست" في أكتوبر/تشرين الأول بأنه "عام زلزل الشرق الأوسط". ومما لا شك فيه أن "ذي إيكونوميست" محقة، لكن لفهم المنطقة وإدراك الفرصة المتاحة أمام دونالد ترمب، من الضروري استيعاب طبيعة هذا "الزلزال" الذي لم يبدأ في السابع من أكتوبر 2023، بل قبل ذلك بعشرين عاما. فالمنطقة تعاني من مشاكل متعددة، بدءا من التوترات الدينية والعرقية بين اليهود والفلسطينيين، والشيعة والسنة، والأكراد مع الأتراك والعرب، والهندوس والمسلمين، وصولا إلى الإرهاب وتدخل روسيا والصين. إلا أن إيران تبقى اليوم المشكلة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، وللتعرف على كيفية تحولها إلى هذا التهديد، وكيفية مواجهته، علينا أن نعود إلى عام 2003.
صعود إيران... وسقوطها
في عام 2003، كانت إيران في وضع ضعيف، حيث لا تزال تتعافى من هزائمها السابقة، أولا في العراق ثم في حرب الناقلات. كان قادتها يميلون حينها نحو الاعتدال، وباستثناء عدد من الهجمات الإرهابية، مثل تلك التي وقعت في الأرجنتين وأبراج الخبر، لم تكن إيران قد مارست نفوذا يُذكر خلال العقد الماضي. كان لديها وكيل إقليمي وحيد، هو "حزب الله" اللبناني، وحليف واحد، هو نظام الأسد في سوريا، والذي كانت إيران المعزولة تعتمد عليه بشكل كبير. ومع ذلك، لم تتخلَّ إيران عن أهدافها في الهيمنة على المنطقة، والمتمثلة في تدمير إسرائيل، وطرد الولايات المتحدة، وتطوير برنامج نووي سري. لكنها، في ذلك الوقت، كانت تبدو في حالة احتواء.