يمنيات على وسائل التواصل... تحدي المجتمع

هناك قليل من التغيير

يمنيات على وسائل التواصل... تحدي المجتمع

دائما ما أقول إن الفتاة اليمنية التي نراها تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي باسمها ووجهها، دون أن تخفي حقيقتها، بل تُظهِر حياتها كما هي، هي بالتأكيد مرت بالكثير من الأحداث الصعبة التي تغلبت عليها، وبذلك استحقت حريتها. الحرية التي حُرمت منها أغلب النساء في اليمن. حيث إن الكثيرات لا يستطعن حتى أن يضعن صورهن بالحجاب، ويضطررن للاختباء وراء أسماء وصور وهمية، ولكن هناك قليلات من اليمنيات كسرن هذا الحاجز، وقررن أن يكنَّ في وجه المدفع، ويقلن للمجتمع: "نحن لسنا عوراتٍ"، ولكن الكلفة لم تكن سهلة.

مؤخرا تزايد عدد الشبان والشابات من اليمن على وسائل التواصل خاصة في "تيك توك"، وهناك زيادة لعدد الفتيات ربما ليس بقدر عدد الفتيات من دول عربية أخرى، ولكن هناك زيادة ملحوظة، وأغلبهن يعشن خارج اليمن. هُناك مثلا محتوى تعليمي لفتاة يمنية تعلم اللغة العربية (Arabic with Reem)، وهناك عدة حسابات تعرّف العالم بالتراث اليمني من أغانٍ، وملابسَ تراثيةٍ، ومطبخ، وهناك من تحدثت في السياسة وهي داخل اليمن، ودفعت الكلفة. لكنني سأركز هنا على النساء الشجاعات اللواتي كسرن الصورة النمطية عن المرأة اليمنية، ينشرن فيديوهات لهن وهن يتحدثن بكل صراحة وجرأة، وفي الوقت نفسه يعرضن محتوى مفيدا ومُسليا، ورغم أنهن يعشن خارج اليمن فإن جنسيتهن كيمنياتٍ تلاحقهن، فيتعرضنَ للإساءة فقط لأنهن رفضن إملاءات المجتمع.

نهلة عمر. امرأة جميلة بملامح يمنية تظهر على "تيك توك"، و"إنستغرام" بفيدوهات وهي تتحدث باللهجة اليمنية البيضاء التي يستطيع أي شخص من أي بلد أن يفهمها. تتحدث نهلة عن أشياء بسيطة تجعلك تتذكر اليمن، وذكريات الطفولة، والأيام الجميلة التي كان ينعم فيها اليمن بالسلام. لها فيديوهات تحكي عن مواقف، وقصص مضحكة، وأخرى تُظهِر التراث اليمني في الملابس التي ترتديها، والأغاني التي تختارها. استطاعت نهلة بفيديوهاتها البسيطة اللطيفة أن تحصل على عدد كبير من المتابعين والمتابعات من كل أنحاء الوطن العربي، ولكن أكثر ما أثار انتباهي وإعجابي هو الفيديوهات التي تتحدث فيها عن وجعها كامرأة يمنية، وحبها لحريتها، ورفض المجتمع الذي تتناوله كل مَن تختار طريق الحرية.

هناك فتيات اشتهرن على وسائل التواصل الاجتماعي، وكسرن حواجز كثيرة تتعرض لها النساء اليمنيات، ونلن شهرة على نطاق واسع

تقول: "أنا إنسانة أحب مجتمعي جدا جدا، ولكنني أحب حريتي أكثر أكثر أكثر، لو اخترت حريتي على حساب مجتمعي سأكون وكأنني بترت يدي، ولو اخترت مجتمعي على حساب حريتي سأكون وكأنني بترت يديّ الاثنتين، ورجليّ الاثننين. مؤسف هذا الطرد من المجتمع بسبب اختيار المرأة اليمنية لحريتها". في فيديوهات أخرى تخلط الفكاهة مع الانتقاد الساخر وتتحدث عن التعليقات المسيئة، أو التنمر الذي تتعرض له من قبل أشخاص لا يجيدون حتى الكتابة، وتستغرب ثقتهم الكبيرة، وإصرارهم على كتابة تعليقات متنمرة رغم صعوبة قدرتهم على الكتابة. ما يميز نهلة هو أسلوبها، وطريقة كلامها، فهي تشعرك بتمسكها بهويتها كيمنية، ورغم أن محتواها مسل فإنه أيضا يحمل عمقا دون تكلف، وتنقل لك شعورا خاصا بالحنين للوطن تشعر به وأنت تشاهدها.
تعرف نهلة نفسها في إحدى المقابلات أنها "أم، وامرأة من مجتمع عربي متزمت نوعا ما"، وتقول إنها حاولت أن يكون لديها فكر مختلف عما هو سائد في المجتمعات العربية المتزمتة، وكانت رحلة طويلة وشاقة. تقول نهلة إن السوشيال ميديا هي تعريف عن الذات، وهي كصحيفة خاصة يمكنك أن تقول فيها آراءك. تحلم نهلة بأن تصبح إعلامية، فهي درست الإعلام، ولكنها لم تمارسه كمهنة بعد.
هناك أيضا فتيات أخريات اشتهرن على وسائل التواصل الاجتماعي، وكسرن حواجز كثيرة تتعرض لها النساء اليمنيات، ونلن شهرة على نطاق واسع. مثل سمية جمال الرحالة التي تسافر بكل حرية حول العالم، وهذا مستغرب في مجتمع يعتبر سفر الفتاة وحدها بهذا الشكل عارا كبيرا. لم تكتفِ سمية بذلك، بل إنها غيّرت اسمها ليصبح "سمية جمال بلقيس"، متحدية فكرة أن اسم الأم ما زال عارا في هذا المجتمع، ويتم إخفاؤه واستخدام أم فلان، وأم علان. سمية تعيش بالطريقة التي تحبها، تسافر، وترتدي ما تحب، وتعبر عن حبها لذاتها، وفلسفتها الخاصة. ويبدو أن التعليقات المسيئة التي تعرضت لها، وصعوبة طريق الحرية لم يثنياها عن الاستمرار في رحلة استكشافها لذاتها.

كل خطوة تخطوها امرأة في طريقها لتحرير نفسها هي في الوقت نفسه تساعد الكثير من النساء الأخريات

تعرّف سمية نفسها على "يوتيوب" قائلة: "اسمي سمية جمال بلقيس، فنانة متعددة الشغف، تكتب وترقص وتصنع محتوى مرئيا وصوتيا، وتصمم رحلات على الكرة الأرضية، وفي داخل النفس البشرية لتحكي قصصا عن تجربتها كإنسان، وتعبر عن دهشتها المفرطة تجاه هذا العالم المدهش. بدأت قصتي على مواقع التواصل الاجتماعي كأول رحالة يمنية، ولكني اليوم أتحرر من كل التسميات والألقاب.. وفقط بفضول أرقص مع الحرية، وأعانق الشمس.. وأحكي قصصا مستوحاة من تجربتي الإنسانية، فأهلا بك صديقا حرا نلعب معا في هذه الحياة".
هؤلاءِ النساء وغيرهن يتعرضن لانتقادات مسيئة، وضغوط مجتمعية كبيرة ليس لأي سبب جوهري، وإنما فقط لأنهن اخترن أسلوب حياة يختلف عن غيرهن. أنا أيضا- كاتبة هذا المقال- أتعرض لهذا التنمر، والترهيب منذ 13 سنة، ولكن يؤسفني أن ما زال هناك من يتعرض لهذه الصعوبات إلى يومنا هذا. لكن لكي أكون متفائلة، فهناك القليل من التغيير. هذا يعني أن كل خطوة تخطوها امرأة في طريقها لتحرير نفسها هي في الوقت نفسه تساعد الكثير من النساء الأخريات، وكما تقول ميا آنجلو: "في كل مرة تقف فيها المرأة من أجل نفسها، دون أن تعرف ذلك ربما، ودون أن تدعي ذلك، فهي تقف من أجل كل النساء".

font change
مقالات ذات صلة