الشركات الأميركية في روسيا تنفست الصعداء... هل تبقى مع ترمب؟

لا تزال أكثر من 200 شركة تعمل في موسكو كيف ستغير نتائج انتخابات الرئاسة 2024 خططها؟

الشركات الأميركية في روسيا تنفست الصعداء... هل تبقى مع ترمب؟

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في سبتمبر/أيلول الماضي ردًا على سؤال عما إذا كان انتخابه سيحدث أي تغييرات في العقوبات الحالية المفروضة على روسيا: "كنت أستخدم العقوبات، لكنني كنت أفرضها وأرفعها بأسرع ما يمكن".

في غضون ذلك، وفقا لمعهد القيادة التنفيذية في كلية إدارة الأعمال بجامعة ييل، لا تزال أكثر من 200 شركة أميركية تواصل أعمالها في روسيا، دون أن يكون لها خطط واضحة لمغادرة البلاد.

فنظرا إلى ادعاءات ترمب أنه سينهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا "في غضون 24 ساعة من انتخابه" ونفوره الظاهر من معاقبة روسيا اقتصاديا، الأرجح أن الشركات تنفست الصعداء وتأمل في ألا يصبح الخروج من روسيا ضروريا في المستقبل القريب؟

روسيا تزيد "ضريبة الخروج" التي يتعين أن تدفعها الشركات التي تغادر البلاد، كما سنكون حاسمين أكثر تجاه الأجانب من 50 إلى 60%، وسيذهب ما يصل إلى 35% من كل صفقة خروج شركة إلى موازنة الدولة دفعة واحدة

وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف

في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إن روسيا تزيد "ضريبة الخروج" التي يتعين أن تدفعها الشركات التي تغادر البلاد. وأضاف: "سيزيد الحسم للأجانب من 50 في المئة إلى 60 في المئة"، وسيذهب ما يصل إلى 35 في المئة من كل صفقة خروج إلى موازنة الدولة دفعة واحدة.

هذه ليست إلا أحدث التعقيدات التي يجب أن تنظر فيها أي شركة راغبة في مغادرة روسيا، وبعض الشركات كانت تعمل على وضع خطة للخروج من روسيا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022. ويقول جفري سوننفيلد، قائد فريق "مراقبة الوضع" في كلية إدارة الأعمال في جامعة ييل: "هناك شركات كانت تمر بمراحل الخروج من البلاد وواجهت بعض الصعوبات في المغادرة. فهناك تعقيدات قانونية وترتيبات حقوق الامتياز وغيرها من الأمور التي صعّبت عليها التوصل إلى طريقة للخروج من روسيا". 

أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان، في 28 يونيو 2019.

ويقول دانيال تانباوم، من شركة "أوليفر وايمان للخدمات المالية"، إنه ليس هناك طريقة فعلية أمام أي شركة غربية لإنهاء أعمالها في روسيا واستعادة تكاليفها. "لا أحد يحقق مكاسب مالية فعلية من الخروج من روسيا لأنه يبيع بأسعار متدنية. أما الشركات التي لا تزال هناك وتخطط للخروج من البلاد، فإن بعضها يحاول تدبير الأمر بأقل تكلفة، إذا كان ذلك منطقيا - أي بأقل خسارة ممكنة للمساهمين".

لا تزال أكثر من 200 شركة أميركية تعمل في روسيا. كيف سيغير فوز دونالد ترمب خططها؟ 

مع ذلك، يبدو أن هذه التكاليف المتزايدة لم تشكل رادعا لبعض الشركات الأميركية. فقد أعلنت مجموعة "سيتي غروب"، على سبيل المثل، أن فرعها الأخير في روسيا سيُغلق في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مما ينهي خدماتها المصرفية للأفراد. وجاء في بيان لـ"سيتي بنك": "نحث عملاءنا على إيجاد خيارات أخرى لمواردهم وإنهاء معاملاتهم قبل تاريخ الإغلاق".  

وكان "سيتي بنك" ذات يوم أحد أكبر 20 مصرفا من حيث الأصول في روسيا، لكن أفيد بأنه كان يفكر في الانسحاب من السوق منذ سنة 2021، حتى قبل الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. وسيشمل الخروج انكشافا إجمالياً قدره 9,1 مليارات دولار، أكثر من 80 في المئة منها تتكون من أرباح الشركات التي لا يمكن تحويلها إلى خارج روسيا. وثمة اسم كبير آخر في القطاع المصرفي أيضا، "جي. بي. مورغان تشيس"، الذي دخل في معركة قانونية طويلة مع بنك "في. تي. بي." الروسي، وانتهى به المطاف إلى التخلي عن مطالبته بمبلغ 439,5 مليون دولار من أصوله التي جمدت في روسيا.

بنك "رايفايزن" و"بيبسيكو" و"مارس" تمول الحرب!

يبدو أن تلك الشركات الكبرى تمول الحرب المستمرة على أوكرانيا، سواء اختارت البقاء أو المغادرة. ففي أغسطس/آب 2024، أفادت وسيلة إعلامية أوكرانية بأن 10 شركات دولية كبرى دفعت للدولة الروسية نحو 1,78 مليار دولار بمثابة ضرائب أرباح لسنة 2023، منها 491 مليون دولار من بنك "رايفايزن"، و135 مليون دولار من شركة "بيبسي"، و99 مليون دولار من شركة "مارس". وكان بنك "رايفايزن" قد قرر تقليص أعماله بشكل كبير في روسيا، وأفاد بأن أرباحه الصافية السنوية ستنخفض بمقدار 16 في المئة نتيجة لهذا القرار.

تعارض الشركة الحرب، ومن المؤسف أنه ليس هناك حل بسيط حقيقي. لو كان وقف أعمالنا في روسيا سيوقف الحرب، لفعلنا ذلك بالتأكيد

الرئيس التنفيذي لشركة "مونديليز" الأميركية العملاقة

 فتعترض بعض الشركات على ما يقال بأن انسحابها من روسيا سيؤثر في الحرب على أوكرانيا. ففي مقابلة مع "بلومبرغ" في وقت سابق من هذا العام، أكد الرئيس التنفيذي لشركة "مونديليز" الأميركية العملاقة للحلويات أن شركته تعارض الحرب، ودافع عن قراره البقاء في روسيا، قائلا: "من المؤسف أنه ليس هناك حل بسيط حقيقي. لو كان وقف أعمالنا في روسيا سيوقف الحرب، لفعلنا ذلك بالتأكيد، لكن الأمر ليس بهذه السهولة للأسف. نعتقد أن الغالبية العظمى من مستثمرينا يفهمون ما نحاول القيام به – أخطار الخروج من روسيا وما قد يحدث لأعمالنا، وكيف يمكن استخدامه، أكبر بكثير من البقاء، والاستمرار في العمل محليا، وتقليص أعمالنا، وجعل أعمالنا أكثر استقلالية". ووصف ذلك بأنه من أصعب القرارات التي اتخذها بصفته رئيسا تنفيذيا، مشيرا إلى أن الموظفين و10 آلاف من المزارعين الموردين لا يزالون يعتمدون على الشركة في روسيا.

أ.ف.ب.

 وتقول ماريا شاغينا، الزميلة الأولى في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الصدمة الأولية للغزو الروسي قد تلاشت، وإن الشركات تواجه الواقع بأن هناك من سيحل محلها بسرعة إذا غادرت روسيا، مما يزيد صعوبة العودة في المستقبل. لذا فإن شركات المنتجات الاستهلاكية، مثل "مونديليز" و"بيبسيكو" و"مارس"، لم تسارع إلى مغادرة البلاد.

شوكولاتة "مارس" في المدارس الروسية

ووفقا لكلية كييف للاقتصاد، حققت أعمال شركة "مارس" في روسيا إيرادات في سنة 2023 تزيد بمقدار 295 مليون دولار عما حققته في سنة 2022 (التي فاقت بدورها إيرادات سنة 2021 بـ 20 في المئة). غير أن ذلك جاء مصحوبا بكثير من الانتقادات على صعيد العلاقات العامة، بما في ذلك موقف مرئي تمثل بتوزيع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ألواح شوكولاتة "مارس" على الأطفال في المدارس الروسية، مما أظهر منتجات الشركة بوضوح في التغطية المصورة التي حظيت بانتشار واسع على الإنترنت. كما أن الحكومة الأوكرانية وصفت شركة "مارس" رسميا بأنها "راعية للحرب" (وذلك من المفارقات لأن اسم الشركة مرتبط بإله روماني معين). وتواصل "مارس" أيضا التوظيف بنشاط في البلاد، إذ يحتوي الموقع الإلكتروني لأعمالها في روسيا على أكثر من مئة وظيفة شاغرة حاليا.

ارتبط ميل دونالد ترمب إلى "استخدام أقل قدر ممكن من العقوبات" بكون تلك العقوبات تضعف الدولار وتتيح الفرصة لدول أخرى، مثل الصين، أن تدفع بعملتها لتصبح لاعبا مهيمنا في التجارة العالمية

أما شركة "بيبسيكو"، فقد سارعت إلى إعلان إيقاف إنتاج مشروباتها وبيعها في روسيا، عقب الغزو الشامل في فبراير/شباط 2022. غير أن رقائق البطاطا الشهيرة مثل "ليز" و"دوريتوس" لا تزال منتشرة في الأسواق الروسية. وكانت وكالة الأنباء الروسية "تاس" قد أفادت في وقت سابق من هذا العام بأن "بيبسيكو" أطلقت مصنعا جديدا في نوفوسيبيرسك لإنتاج الوجبات الخفيفة محليا. وبناء على ملاحظات أحد المسؤولين المحليين، يفغيني لشينكو، فإن المصنع يعمل حاليا بنحو 20 في المئة من طاقته، لأن بعض المعدات لم تصل بسبب العقوبات.

مصير العقوبات ما بعد الانتخابات الأميركية

ارتبط ميل دونالد ترمب إلى "استخدام أقل قدر ممكن من العقوبات" بكون تلك العقوبات تضعف الدولار وتتيح الفرصة لدول أخرى، مثل الصين، أن تدفع بعملتها لتصبح لاعبا مهيمنا في التجارة العالمية. ففي مقابلة الـ"بودكاست" التي استغرقت ثلاث ساعات مع جو روغان قبل أسبوعين فقط من الانتخابات، كرر ترمب ادعاءه أن من "السهل" عليه إنهاء الحرب. وذكر مرات عدة أن رفع العقوبات قد يكون جزءا من الصفقة. من جهة أخرى، اتبعت كامالا هاريس سياسة أشد صرامة ضد روسيا في حملتها، وقد أخبرت ترمب في مناظرتهما الوحيدة أن بوتين "ديكتاتور يمكن أن يأكلك على الغداء".

أ.ف.ب.
مطعم ماكدونالدز في وسط العاصمة موسكو، بعدما علقت الشركة مبيعاتها في روسيا ضمن العقوبات الأميركية، 9 مارس 2022.

وكانت سياسة هاريس تجاه روسيا ستكون استمرارا لسياسة بايدن، بما في ذلك إبقاء العقوبات، ولكن الآن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، هناك سوق ضخمة يمكن إعادة فتحها أمام الشركات الأميركية. وقد تسعى إلى الصمود لبضعة أسابيع أخرى لمعرفة ما إذا كان لا يزال من المنطقي وضع خطة للخروج من روسيا، أم إذا كانت العقوبات على روسيا ستصبح شيئا من الماضي قريبا. ومع ذلك، لا تزال هيئة المحلفين غير متأكدة بشأن ما سيفعله ترمب. في ولايته السابقة، شددت إدارته العقوبات ضد روسيا ردا على احتلال شبه جزيرة القرم، والتدخل المزعوم في الانتخابات، وكذلك بموجب قانون ماغنيتسكي. فهل ستكون الأمور مختلفة هذه المرة؟

font change

مقالات ذات صلة