الفائزة بجائزة "بوكر" سامانثا هارفي لـ "المجلة": بفضل الكتابة صرت رائدة فضاءhttps://www.majalla.com/node/323051/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D8%A6%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%B1-%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%AB%D8%A7-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%B5%D8%B1%D8%AA-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1
أعلن أمس الثلاثاء عن فوز الكاتبة البريطانية سامانثا هارفي بجائزة "بوكر" العالمية للرواية، عن روايتها الأحدث "المدار". وكانت هارفي صنعت لنفسها اسما كبيرا في عالم الأدب من خلال أربع، وذلك بفضل رؤاها العميقة للحالة الإنسانية.
ولدت هارفي في "كينت" عام 1975 ودرست الفلسلفة بجامعة "يورك" ونالت درجة الدكتوراه في الكتابة الإبداعية من جامعة "باث سبا". حصلت على جائزة "بيتي تراسك" عن روايتها الأولى "البرية" الصادرة عام 2009 والتي تتناول تدهور القدرات العقلية لمريض زهايمر.
دخلت أعمالها الأدبية القائمة القصيرة لعدة جوائز مرموقة من بينها جائزة "أورنج" و"غارديان" للكتاب الأول. "المجلة" التقت الكاتبة وأجرت معها هذا الحوار بعد أن أدرجت روايتها الأحدث "المدار" ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر لعام 2024.
في روايتك "المدار"، دمجت موضوعات الزمن والتواصل الإنساني وهشاشة الأرض في السرد... حدثينا عن ذلك.
أعتقد أن كل هذه الأشياء ، إلى حد ما، كانت ضمنية في مشروع الرواية. إذا كنت تكتب عن الأرض كما نراها من الفضاء، فسوف تجد نفسك في مواجهة هشاشتها، ووحدتها، وجمالها، والتناقضات التي تنشأ، لأن الأرض، على الرغم من هشاشتها، ليست كذلك أيضا - إنها صخرة تدور حول نجم. تكمن هشاشتها فقط في ملاءمتها لاستمرار الحياة. ووحدتها ليست سوى مسألة نسبية، لأنها واحدة من مليارات لا حصر لها من الكواكب في الكون. أردت أن ألتقط في الرواية الإحساس بهذه التناقضات اللامحدودة التي تنشأ عندما نقيم مسافة صغيرة من كوكبنا الجميل.
كلّ مرحلة أصل فيها لفهم الشخصية تثير سؤالا جديدا يدفعني نحو طرح جديد وتقودني إلى أفكار مختلفة
أما بالنسبة إلى الزمن، فأعتقد أن بنية الكتاب تحاول التعبير عن شيء مما أردت نقله عن طبيعة الزمن عندما يكون في مدار أرضي منخفض، ويدور حول الكوكب 16 مرة في اليوم، وتشرق الشمس وتغرب باستمرار. وشعرت أنه من المناسب أن تكون هذه الطبيعة المتفجّرة للزمن قائمة في بنية الرواية لأنها أساسية للغاية.
كيف طوّرت شخصيات روايتك، وهم ستة رواد فضاء، رغم خلفياتهم المتعددة؟
إلى حدّ ما كان ابتكار هذه الشخصيات محدودا. فمن الواضح أن مركبتي الفضائية مبنية على محطة الفضاء الدولية، وهناك دائما رواد فضاء أميركيون وروس على متنها - لذا كنت بحاجة إلى عكس ذلك في شخصياتي. ثم أضفت رواد فضاء من دول أخرى. وقد اخترت اليابان وإيطاليا و- بشكل خيالي بعض الشيء ولأنني بريطانية – أضفت رائدة فضاء بريطانية.
بمجرد أن حصلت على هذه المعلومات الأساسية عنهم، قمت بتطويرهم كما أفعل دائما في تطوير شخصيات رواياتي، ليس من الخارج إلى الداخل بل من الداخل إلى الخارج، فكرة تلو أخرى، وشعورا تلو آخر. اكتشفت أن شون، رائد الفضاء الأميركي، كان مشتاقا إلى وطنه ويفتقد زوجته. وهذا بدوره أخبرني بشيء عن زواجه. اكتشفت أن تشي، رائدة الفضاء اليابانية، كانت حزينة لفراق والدتها، وأنها كانت واحدة من أوائل الطيارين المقاتلين الإناث في اليابان. كيف حدث ذلك؟ أي نوع من الشخصيات كان عليها أن تكون إذن؟ علمت أن نيل، رائدة الفضاء البريطانية، كان لها زوج في أيرلندا شعرت تجاهه بالغربة تماما ولكن لماذا؟ كانت كل مرحلة أصل فيها لفهم الشخصية تثير سؤالا جديدا يدفعني نحو طرح جديد وتقودني إلى أفكار مختلفة.
باعتبار " المدار" رواية أصوات، كيف تأكدت من أن صوت كل شخصية ومنظورها في الرواية كانا فريدين وأصيلين؟
ربما يكون التفرد مرتبطا بالعملية التي وصفتها. فأنا لا أحب اختيار شخصيات "جاهزة" رغم أن هذا في حد ذاته قد يكون مفيدا في بعض الأحيان، ولكني أفضل بناء شخصياتي قطعة قطعة. وعندما أكتب أهتم دوما بعقول القراء ـ فهل أستطيع أن أتخيل طريقي إلى عقلية لا تخصني؟ بالطبع، الشخصيات من اختراعي، وبالتالي فإن عقليتهم هي عقليتي. ولكن هذا نقاش واسع. ولا أعرف ما إذا كانت الشخصيات أصيلة، أي ما إذا كانوا رواد فضاء محتملين. وكثيرا ما كنت أشعر بالقلق من أنني لا أشبه رواد الفضاء من عدة نواح، فأنا مفكرة، وكسولة ، وأخاف المرتفعات، ولا أشعر بالراحة في الأماكن الضيقة، وجبانة، ولست بارعة في التكيف، ولست عملية إلى حد كبير، ولا أحب المجازفة، ولا المغامرة، إلى الحد الذي يجعلني أتخيل نفسي في هيئة رائد فضاء. لكن هذا أيضا كان تحديا مغريا، لأنه في أعماقي كانت لدي رغبة كبيرة في الذهاب إلى الفضاء، وهي رغبة لن أتمكن من تحقيقها أبدا. لذلك كانت الكتابة طريقتي الخاصة في الوصول إلى هناك.
كانت لديّ رغبة كبيرة في الذهاب إلى الفضاء، وهي رغبة لن أتمكن من تحقيقها أبدا. لذلك كانت الكتابة طريقتي الخاصة في الوصول إلى هناك
توازن وعزلة
كيف تمكنت من تحقيق التوازن بين الصراعات الشخصية التي يواجهها رواد الفضاء والموضوعات الأوسع للسرد، حيث تتعمق الرواية في تحدياتهم النفسية والعاطفية؟
رغم أن "المدار" عمل سردي، ورغم أن الروايات تبني نفسها عادة حول الشخصيات، إلا أنني لم أكن أريد أن تدور هذه الرواية حول الشخصيات. بل أردت أن تكون شخصياتي جزءا من التدفق الديناميكي الأوسع للسرد، بحيث نغوص داخل عقولهم وحياتهم وهمومهم ثم نخرج منها، تماما كما نغوص في أوروبا ليلا لنرى أضواء المدن أو في المحيط الهندي لنرى السواحل الفيروزية. أردت أن يكون هناك نوع من التكافؤ بين الناس والأشياء ــ أن نتوقف أمام حزن تشي، وكذلك أمام مشهد الشفق القطبي. فنحن البشر لسنا كل شيء. نحن جزء من شيء ما، ومن أشياء كثيرة، والعديد من الأشياء جزء منا.
كيف تمكنت من التعبير عن أثر العزلة على الحالة النفسية للشخصيات؟
لعل التركيز على أحداث يوم واحد يساعد في لفت الانتباه إلى حقيقة الحياة على متن محطة فضائية، على الأقل كما تخيلتها. فنحن نختبر الروتين اليومي المعتاد من العمل والتمارين الرياضية وتناول الطعام، ونكون معهم في أماكنهم الضيقة، ونراهم في حزنهم ووحدتهم، وكذلك في فرحهم. وعزلتهم هي ما يجعل أيامهم متكررة ورائعة؛ إنها عزلة مميزة، توفر الخبرة والمنظور الذي لن تتعرف عليه الغالبية العظمى منا. أردت أن أنقل التناقض في هذا، أن أيام حبسهم كانت عادية وغير عادية في الوقت نفسه.
الاعتراف والعملية الإبداعية
تدور أحداث رواية "الريح الغربية" في قرية صغيرة في عام 1491 ما الذي ألهمك ذلك؟
أردت الكتابة عن الاعتراف أولا وقبل كل شيء ـ أي الاعتراف الكاثوليكي الذي يتم فيه تمثيل مسرح الحياة البشرية بالكامل بين شخصين في حجرة الاعتراف. يبدو لي هذا الأمر غامضا وقويا. لم يكن المقصود من الرواية أن تكون تاريخية على الإطلاق، ولكن بطريقة أو بأخرى، في تتبع مكان اعترافي، عدت إلى الوراء في الزمن حتى وصلت إلى أواخر العصور الوسطى، ثم قررت أن عام 1491 هو تاريخ رمزي جيد ـ قبل عام من اكتشاف كولومبوس للأميركيتين، والعام الذي ولد فيه هنري الثامن. بشكل دقيق يمكنني أن أقول إن هذا التاريخ، قبل أن يتغير كل شيء في العالم الغربي، وقبل أن يولد ما نسميه اليوم "العصر الحديث".
طرحت في هذه الرواية موضوعات الإيمان والذنب وحرية الاعتراف. حدثينا أكثر...
إن الإيمان والشعور بالذنب والحرية كلها أمور مرتبطة ارتباطا وثيقا بالكتابة عن الاعتراف. ويتولى السرد كاهن اسمه جون ريف، وهو رجل يكافح هو نفسه للحفاظ على شعوره بأهميته وقوته داخل رعيته، خاصة عندما يواجه تساؤلات صديقه نيومان. ويمثل نيومان، إذا شئت، هذا التحول النموذجي الذي تحدثنا عنه سابقا، والذي بدأ فيه الناس يشككون في الحاجة إلى كاهن كوسيلة اتصال بين الفرد والله. وهذا هو ما تدور حوله الرواية بشكل أساسي. فإذا كنت كاهنا في القرن الخامس عشر، وكان شعورك بذاتك وهدفك قائما على علاقتك الخاصة مع الله، فماذا يحدث عندما يتم التشكيك في هذا؟ لم أكن أريد أن أكتب بسخرية عن الإيمان. بل أردت فقط أن أستكشف ديناميكيات قوته داخل مجتمع صغير متخلف في مكان وزمان معينين.
هل يمكنك مشاركتنا بعض الأفكار حول عملية الكتابة الخاصة بك، بما في ذلك تحقيق البنية الفريدة والسرد الشعري الموجود في رواياتك، بالإضافة إلى روتين الكتابة؟
أعتقد أن طريقتي في الكتابة واضحة للغاية في بعض النواحي. فأنا أكتب أثناء النهار، وأحاول الكتابة كل يوم إن استطعت، فهذه وظيفتي وتحتاج إلى الوقت والانضباط. ولا أعتقد أن الروايات تُكتب في نوبات من الإلهام العاطفي.نعم، تأتي هذه اللحظات، لكنها نادرة والباقي عبارة عن محاولة وخطأ وصبر وتحمل عنيد.
أنت على حق في أن أسلوب السرد وبنيته ربما يكونان من الأشياء التي تحدد كتاباتي. اعتدت أن أعتقد أنهما أمران مختلفان تماما، وأن الجمل نفسها هي الأشياء التي تأتي إليّ بسهولة أكبر، وأن البنية شيء كان علي أن أعمل بجدية أكبر من أجله ويبدو أكثر صعوبة وأقل غريزية.
ومع مرور الوقت، أدركت أن الاثنين متماثلان. يمكن العمل على جماليات الجملة بالإضافة إلى جماليات البنية. هل هناك شيء يمكنني فعله ببنية الرواية للتعبير عما أحاول القيام به على مستوى الجملة؟ هل يمكنني الجمع بين الشكل والمحتوى؟ هل يمكنني جعلهما يتحدثان بعضهما مع بعض؟ أن يصنعا نوعا من السيمفونية المشتركة؟
كتابة الروايات هي عمل الحياة، ولو عشت حياة أخرى، لظل بوسعي أن أواصل البحث عن الأشياء التي أرغب في الكتابة عنها والأساليب الجديدة التي أرغب في استكشافها وهذا ما يجعل هذه المهنة رائعة. إنها صعبة من بعض النواحي، ولكنها في بعض النواحي أيضا سلسة وطبيعية، مثل الحلم.