مصر تفتح الأبواب لتوطين صناعة "السيارات الكهربائية" وخفض فاتورة الاستيراد

تمتلك 45% من المكونات المحلية الأساسية مما يؤهلها لتكون من المنتجين والمصدّرين الكبار

إدوارد رامون
إدوارد رامون

مصر تفتح الأبواب لتوطين صناعة "السيارات الكهربائية" وخفض فاتورة الاستيراد

شهدت مصر في الآونة الأخيرة تحركات واسعة للاهتمام بالصناعة التي تُعَدّ قاطرة لاقتصادات الدول الكبرى، واتخذت خطوات ثابتة لتوطين صناعة السيارات الكهربائية محلياً بالشراكة مع شركات صينية وعالمية لإنتاج مركبات صديقة للبيئة، باتت ضرورة ملحّة الآن أكثر من أي وقت مضى، ورغبةً من الحكومة في الاعتماد على الطاقة النظيفة من خلال استخدام المركبات التي تعمل بالكهرباء لتلبية احتياجات السوق المصرية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. تعتمد هذه الاستراتيجيا على الغاز الطبيعي كوقود للسيارات، إلى جانب استيراد السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية.

عانى قطاع السيارات في مصر خلال العامين المنصرمين من نقص المعروض، إضافةً إلى تراجع حجم الطلب بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، إلى جانب شحٍّ في العملة الصعبة تسبب في توقف الاستيراد محلياً، إذ وصلت تكلفة استيراد مصر للسيارات إلى ثمانية مليارات دولار سنوياً، بحسب تصريحات رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي.

لذلك بات من الضروري خفض فاتورة الاستيراد من خلال توطين هذه الصناعة، بما يلبي احتياجات المستهلك المصري في الحصول على سيارات بكماليات محددة، وبأسعار مناسبة وجودة تلبي المتطلبات، وإشراك القطاعين الخاص المحلي والأجنبي في صناعة السيارات الكهربائية واستخدام السيارات الهجينة.

تمتلك مصر 45 في المئة من المكونات المحلية اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية، مما يؤهلها إلى أن تكون من من كبار الدول المنتجة والمصدّره

يتزامن هذا التوجه نحو التوطين مع رؤية مصر 2030 الهادفة إلى تحول البلاد إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية، إذ تمتلك مصر 45 في المئة من المكونات المحلية اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية، مما يؤهلها إلى أن تكون من أكبر الدول المصنعة والمصدّرة لهذه السيارات. كذلك تضم مصر العديد من المهندسين المتخصصين في مجال الكهرباء، لكنهم يفتقرون إلى بيئة العمل المناسبة. وبدأت مصر في تأهيل الشباب لهذا الغرض وأغراض أخرى مشابهة في كليات ومعاهد الهندسة والتكنولوجيا، والعمل على جذبهم إلى عالم الصناعة.

التحول نحو المركبات الكهربائية

تعمل الحكومة حالياً على إشراك القطاع الخاص من خلال طرح حوافز لتسريع التحول نحو المركبات الكهربائية، بهدف خفض الانبعاثات الكربونية من قطاع النقل. تمتلك مصر 19 مصنعاً لشركات أجنبية ومحلية لتصنيع سيارات تعمل بالبنزين والكهرباء، وتشهد البلاد طفرة في عدد السيارات الكهربائية المستوردة التي تجوب شوارعها، ويتجاوز عددها 10 آلاف سيارة، تتركز مبيعاتها في الأقاليم بسبب سهولة تركيب نقاط الشحن. 

Egyptsat Auto
نماذج لسيارات كهربائية مُصنّعة في مصر.

وتبنت الحكومة، ممثلة بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، نهجاً تشاركياً بدأ بتعاون وزارة الإنتاج الحربي مع شركة "إم. سي. في." (MCV) لتصنيع أول حافلة كهربائية في البلاد تواكب التطور العالمي في استبدال الوقود واستخدام الكهرباء. ويحقق هذا التعاون هدفين: الأول هو توطين تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربائية، والثاني تحقيق عائد اقتصادي من خلال تنشيط الصناعة المحلية، يؤدي بدوره إلى زيادة تنافسية المنتجات المصرية.

يشار إلى ان الحكومة المصرية أبرمت أخيرا اتفاقا بين شركتي "بايك" الصينية و"ألكان أوتو"، إحدى شركات المجموعة المصرية العالمية للسيارات، لإقامة مصنع للسيارات الكهربائية في مصر. ويبدأ المصنع إنتاجه نهاية عام 2025، بهدف تلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير الى أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن المقرر أن ينتج المصنع في العام الأول 20 ألف سيارة، بحيث يصل حجم الإنتاج في نهاية العام الخامس إلى 50 ألف سيارة، كما تبلغ نسبة المكون المحلي للمشروع 48 في المئة ويستهدف زيادتها إلى 58 في المئة.

إلى جانب الركود الشديد الذي تعاني منه سوق السيارات، الجديدة والمستعملة، يُعَدّ النقص في البنية التحتية وعدم توافر محطات الشحن الكهربائية من أبرز العوائق التي تحول دون نمو السوق

وبدأ مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة في تطوير "البرنامج القومي لتعميق التصنيع المحلي" لدعم الصناعات الواعدة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تعوق انتشار صناعة السيارات الكهربائية في مصر، إذ، إلى جانب الركود الشديد الذي تعاني منه سوق السيارات، الجديدة والمستعملة على حد سواء، يُعَد النقص في البنية التحتية وعدم توافر محطات الشحن الكهربائية من أبرز العوائق التي تحول دون نمو السوق، وفق خبراء الاقتصاد في قطاع السيارات.

وتسعى مصر حالياً إلى إشراك القطاع الخاص في تقديم الحوافز، مثل إعفاء المكونات والمواد الخام المستوردة اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية من الجمارك. بالإضافة إلى ذلك، تعمل البلاد على تطوير منصة إلكترونية تشمل البيانات المتعلقة بمواقع محطات الشحن وتكاليفها على مستوى المحافظات المصرية كلها.

نقص الشراكات التكنولوجية

يواجه قطاع السيارات الكهربائية في مصر العديد من التحديات، أبرزها وفق الدكتور عمر السمدوني، سكرتير شعبة النقل الدولي واللوجستيات في غرفة القاهرة التجارية، "ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية وضعف وعي المستهلكين بأهمية هذه السيارات". إضافة إلى ذلك، "لا توجد حتى الآن شراكات مع شركات تكنولوجيا متقدمة في صناعة السيارات الكهربائية، مما يجعل الحكومة تواجه صعوبة في تغيير المعتقدات السلبية المنتشرة حول هذه السيارات. 

ولا تزال مصر في المراحل الأولى من تطوير الصناعة، إذ بلغ عدد المركبات الكهربائية عام 2020 نحو 226 سيارة و68 حافلة، في حين بلغ عدد محطات الشحن نحو 154 محطة، وهو عدد يُعتبَر منخفضاً نسبياً نظراً إلى نقص الطلب على المركبات الكهربائية ومشاكل الترخيص والتشريعات المتعلقة بها".

ثمة خطة لإنشاء نحو ثلاثة آلاف محطة شحن مزدوجة بالتزامن مع التوسع في استخدام السيارات الكهربائية وتصنيعها، ويُعتبَر قطاع النقل في مصر من أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة

واستجابةً لهذه التحديات، وضعت الحكومة المصرية سياسات عدة على مدار العام المنصرم تستهدف إنشاء سوق للسيارات الكهربائية، كذلك نظمت العمل للشركات الراغبة في الاستثمار في محطات شحن السيارات الكهربائية، وحددت التعرفة المقترحة من قبل جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك في سبتمبر/أيلول 2020، وتضمنت الخطة عدد المحطات المقرر تنفيذها على مستوى البلاد وشكل العلاقة التعاقدية بين شركة الكهرباء والمستثمرين.

وتمثل قلة عدد محطات الشحن أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع السيارات الكهربائية في مصر، لكن ثمة خطة لإنشاء نحو ثلاثة آلاف محطة مزدوجة بالتزامن مع التوسع في استخدام السيارات الكهربائية وتصنيعها. كذلك اتخذت الحكومة خطوات صحيحة لتحفيز الطلب من خلال تقديم إعفاءات جمركية مشروطة على واردات السيارات الكهربائية الجديدة والمستعملة.

تاريخ عريق ومستقبل مشرق

يُعتبَر قطاع النقل في مصر من أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة، إذ يتحمل مسؤولية 28 في المئة من الاستهلاك الإجمالي النهائي للطاقة وفق تقرير صادر عن وزارة البيئة المصرية، مما يجعله أحد أكبر القطاعات مساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري. ولهذا السبب، ظهرت الحاجة إلى البحث عن وسائل لاستخدام الطاقة البديلة، وكانت السيارات الكهربائية هي الخيار الأمثل.

Shutterstock
محطة لشحن السيارات بالطاقة الكهربائية في القاهرة، مصر، 9 يونيو 2023.

في المقابل، أشار الخبير الاقتصادي محمد عبد العال إلى أن صناعة السيارات في مصر بدأت عام 1961 عندما أسست الحكومة "شركة النصر لصناعة السيارات". وبعد العديد من الإخفاقات والنجاحات، أصبحت هذه الصناعة أكثر تركيزاً على عمليات التجميع بدلاً من التصنيع. وعام 2010، وصل إنتاج السيارات إلى نحو 116 ألف سيارة سنوياً.

نظراً إلى الظروف السياسية التي تمر بها مصر منذ عام 2011، أوقفت معظم الشركات المنتجة خطوط إنتاجها، وانخفض الإنتاج بنسبة 30%، ولا سيما مع ضعف الجنيه المصري والنقص في العملة الأجنبية

لكن نظراً إلى الظروف السياسية التي تمر بها مصر منذ عام 2011، أوقفت معظم الشركات المنتجة خطوط إنتاجها، وانخفض الإنتاج بنسبة 30 في المئة، واستمر في الانخفاض ولا سيما مع ضعف الجنيه المصري والنقص في العملة الأجنبية.

ومع ذلك، تدرك الدولة المصرية أن توطين صناعة السيارات يمكن أن يجلب إيجابيات كبيرة على الاقتصاد من خلال جذب الاستثمارات وتوليد فرص عمل في مجال تصنيع السيارات والصناعات المغذية لها. فمصر تمتلك بالفعل 19 مصنعاً لإنتاج السيارات، بالإضافة إلى المناطق الاقتصادية الحرة في منطقة قناة السويس التي توفر مرافق مهمة لدعم الصناعة. ويقلّل توطين صناعة السيارات الاعتماد على الاستيراد ويوفر العملة الصعبة، مما يدعم السياسة النقدية ويعزز استقرار الجنيه المصري. 

وتسعى مصر إلى تحقيق هدف توطين صناعة السيارات الكهربائية بالنظر إلى العديد من العوامل الإيجابية مثل الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وتوافر العمالة الشابة، وزيادة عدد السكان الذي يمثل سوقاً كبيرة. لكن هناك تحديات مثل البيروقراطية والتحديات التكنولوجية واللوجستية. ومع وجود رؤية واهتمام واضحين من الحكومة لجذب المستثمرين وتطوير البنية التحتية، يمكن لمصر تحسين فرصها في تحقيق هذا الهدف.

في مايو/ أيار الماضي، وقعت مصر اتفاقية مع ثاني أكبر شركة صينية لإنتاج السيارات الكهربائية، "إف. إيه. دبليو" (FAW)، بهدف تصنيع سيارة كهربائية بأسعار مناسبة، مع توقعات بزيادة الإنتاج المحلي في الفصل الأول من العام المقبل. وتهدف مصر من الاتفاقية إلى رفع نسبة المكونات المحلية في هذه السيارات إلى 65 في المئة لتسويقها محلياً وخارجياً.

تتوقع وكالة الطاقة الدولية بيع 17 مليون سيارة كهربائية عالمياً بحلول نهاية 2024، وبحلول عام 2035، يُتوقَّع أن تكون السيارات المبيعة عالمياً كلها كهربائية

مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء المصري

وفي سياق مرتبط، أشار علاء السبع، وهو عضو آخر في شعبة السيارات، إلى أن حجم مبيعات السيارات الكهربائية في العالم "لم يصل إلى التوقعات". وأضاف أن ضعف البنية التحتية للشحن الكهربائي يُعَدّ أحد التحديات الرئيسة، "فمن الصعب على غالبية السكان المقيمين في المباني السكنية المرتفعة الاستفادة من محطات الشحن البعيدة عنهم، في حين أن سكان الفيلات والقصور قادرون على الشحن بسهولة لقربها منهم، ولن تستطيع الدولة توسيع البنية التحتية إلا بعد زيادة عدد السيارات الكهربائية لتجنب الخسائر". لافتا الى أن المنفعة الحقيقية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر لن يتحقق "إلا في حالة التصدير".

سوق عالمية واعدة للسيارات الكهربائية

ووفق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء المصري، تتوقع وكالة الطاقة الدولية بيع 17 مليون سيارة كهربائية عالمياً بحلول نهاية عام 2024، مقارنة بـ14 مليون سيارة بيعت عام 2023. وبحلول عام 2035، يُتوقَّع أن تكون السيارات المبيعة عالمياً كلها كهربائية. وتعكس سوق السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط مشهداً متنوعاً، إذ تقدم مجموعة من السيارات الكهربائية من مختلف الشركات المصنعة. كذلك يتزايد اهتمام المستهلكين ليس فقط بسبب الوعي البيئي، بل أيضاً بسبب الكفاءة التشغيلية للسيارات الكهربائية والتوفير في التكاليف.

وتعمل الحوافز الحكومية والإعفاءات الضريبية على دفع نمو السوق في شكل أكبر. وتسعى دول المنطقة مثل مصر والمملكة العربية السعودية والمغرب وقطر وسلطنة عُمان إلى الدخول في عالم تصنيع السيارات الكهربائية، عبر شراكات عالمية لإنشاء مشاريع مشتركة في هذا الإطار.

font change

مقالات ذات صلة