وصفت وسائل الإعلام الفرنسية زيارة الدولة التي قام بها إيمانويل ماكرون للرباط نهاية الشهر الماضي، بأنها أكبر حدث بين باريس ودول المغرب العربي على امتداد السنوات الأخيرة. فقد أنهت الزيارة التي تمت بحفاوة غير مسبوقة لرئيس أوروبي الخلاف مع الرباط، وتعززت العلاقات بدعم فرنسا للمغرب في ملف الصحراء، عبر اعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد لحل مشكل النزاع الإقليمي في شمال أفريقيا.
في المقابل أثارت الزيارة والموقف الرسمي لصالح المغرب حفيظة الجزائر، التي وجدت في الدعم الفرنسي لغريمها في الغرب إضعافا لنفوذها الإقليمي، وخسارة ثاني عضو دائم في مجلس الأمن الدولي بعد الولايات المتحدة، التي أعادت انتخاب دونالد ترمب الذي سبق له الاعتراف بـ"مغربية الصحراء" قبل أربع سنوات. رد الفعل الجزائري جاء قويا ومنفعلا، نجم عنه شبه قطيعة مع باريس بسحب السفير وتقليص التجارة والمبادلات والتعاون الثقافي، وتنظيم استعراض عسكري ضخم استعادت فيه كل خطابات معاداة فرنسا والمغرب واعتبرت تقاربهما "حلفا استعماريا جديدا".
في الجانب المغربي جاء خطاب الملك محمد السادس في الذكرى 49 للمسيرة الخضراء قويا وحاسما بالإشارة إلى أن "قضية الصحراء حُسمت بتزايد عدد الدول الكبرى الداعمة للموقف المغربي وسيادة المغرب على صحرائه في إطار الحكم الذاتي". واعتبر من يتاجر بالمحتجزين في مخيمات "تندوف" في ظروف مأساوية، إنما "يغطي على صعوبات داخلية، ويبتز سياسيا بالسعي للوصول إلى المحيط الأطلسي". وقال الملك: "إذا كانت الواجهة المتوسطية، تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو أفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي".
ومن تابع خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون في البرلمان المغربي، يخرج بانطباع أن باريس في حاجة اقتصادية وبشرية إلى الرباط ربما أكثر من حاجة المغرب إلى فرنسا. صحيح أن المملكة تحتاج إلى دعم فرنسي (وأوروبي أيضا) لإنهاء نزاع شمال أفريقيا المتواصل والمستنزف (تنمويا) للمنطقة منذ نصف قرن، كونها المستعمر وتعرف تفاصيل الأشياء محليا.