ناصر الظاهري لـ"المجلة": القصة القصيرة عشق لا أبرأ منهhttps://www.majalla.com/node/323035/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D8%B4%D9%82-%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%A3-%D9%85%D9%86%D9%87
تنقل الكاتب والمخرج السينمائي الإماراتي ناصر الظاهري بين حالات إبداعية متعددة، فقد بدأ تجربته بكتابة القصة القصيرة وأصدر مجموعته الأولى "عندما تدفن النخيل" عام 1990، تلتها سبع مجموعات، كما أصدر روايته الوحيدة "الطائر بجناح أبعد منه"، وأصدر كتبا عدة في أدب الرحلة، وكتبا ضمت "العمود الثامن" الذي يكتبه يوميا في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية منذ نحو 24 عاما.
لم يكتفِ الظاهري بالكتابة بل شدته الكاميرا الفوتوغرافية والسينمائية، وأقام معارض شخصية عدة، عرض فيها صورا لما التقطته عيناه قبل أن تلتقطها العدسة. كما عمل على إنتاج وإخراج عدد من الأفلام أهلته للحصول على العديد من الجوائز العالمية مثل فيلمه "سيرة الماء والنخل والأهل" الذي حصل عند عرضه عام 2015 في الإمارات وخارجها على جوائز عدة. وخلال كل هذه التجارب يسعى الظاهري إلى التكامل بين تجاربه الأدبية والبصرية كما يؤكد في حواره مع "المجلة".
ما الذي يجعلك توازي بين التجربتين الأدبية والسينمائية في أعمالك؟
لدي ثلاثة أعمال ستظهر في 2025، فيلم اسمه "شمشون العرب" وهو حكاية بطل من الإمارات، ولديّ كتاب "حارسات الوقت والمدن" بثلاث لغات، العربية والإنكليزية والفرنسية، عن ساعات المدن في العالم، وحكاياتها، كما لديّ مجموعة قصصية "ورود على دموع المديح".
الأدب والسينما متكاملان بالنسبة إليّ، وأحيانا لا أستطيع التفرقة بينهما، لأنهما يمثلان النفس وما يعتلج في داخلي من شعور تجاه الأشياء والناس والقضايا الإنسانية. تجربة القلم والعدسة، كلاهما ناطق، فما يعجز عنه القلم قد تسعفه العدسة، فالأدوار واحدة ولكنها متبادلة، وحياتي كلها موزعة بين القلم سواء في الكتابة الصحافية أو الأدبية، والعدسة بين التصوير الفوتوغرافي أو السينما. لمن سأنتسب وانتصر في النهاية، تلك الروح وما تهوى، والجسد وما يقوى عليه.
الأسلوب الواقعي محاكاة لما تشتهيه النفس من أن تكون عارية من كل زيف
الاختزال الإبداعي
ما السر وراء إخلاصك لكتابة القصة القصيرة، رغم أنك بدأت الكتابة برواية لم تبصر النور؟
القصة القصيرة كانت قراري في البداية، وأميل لها كثيرا، وأجد نفسي فيها. نشرت لي رواية واحدة عن "دار رياض الريس" في بيروت، ولدي روايتان لم تكتملا بعد، وكثيرا ما يطيب لي أن أتباطأ في كتابة نهايتهما.
هل كتبت الرواية من منطلق أنها يمكن أن تستوعب الكثير من الأحداث والشخصيات؟
لا، فالقصة يمكنها أن تختزل رواية، وكتابة القصة عشق لا أبرأ منه، ولا أريد الهروب منه، ولكنه تجريب الأديب، ونوع الحكاية التي كثيرا ما تفرض عليك الشكل مثلما تفرض عليك النهاية وطريقة السرد.
لماذا طغت الواقعية على أسلوبك في الكتابة، وقلت إنك تكتب "في ظل معطف الأديب الروسي أنطون تشيخوف"؟
تشيخوف لم يترك للآخرين من القصاصين شيئا من الإنسانية وفيها إلا تطرق إليه وكتبه، فهو الأب الحقيقي للقصة كيفما تعددت أشكالها. أحب الأسلوب الواقعي، ربما هو محاكاة ما تشتهيه النفس من أن تكون عارية من كل زيف، وهو الأقرب لي حتى في الأفلام التسجيلية، تظهر الواقعية بطريقة تقول لك: ها... أنا! ولكن هذا لم يمنعني من التجريب في الأساليب، لديّ قصص فانتازية حالمة، ولديّ قصص تهكمية فيها سخرية طاغية، وقصص ذات كوميديا سوداء. أحيانا الموضوع ونفسية المبدع حينها يمليان عليه الشكل والأسلوب.
تستهويني الكتابة عن روح المدن والساكنين فيها وأماكنها التي هي جزء من أحداثها الشاهدة
جنة النخيل
نتيجة لأسفارك الكثيرة أصدرت كتابا بعنوان "لليل طائره وللنهار المسافات"، إلى جانب كتاباتك مقالات كثيرة عن السفر، فما أكثر ما حرصت على إبرازه من ذاكرة السفر؟
أحب أدب الرحلة، وأصدرت فيه ثلاثة كتب، "ما تركه البحر لليابسة"، "على سفر نذهب بعيدا.. نذهب عميقا"، و"لليل طائره.. وللنهار المسافات" ولديّ كتابان آخران جاهزان، الأول بعنوان "تأبط سفرا"! والكتاب الثاني مصور من خلال الكاميرا، وصحبتي لها خلال الأربعين عاما، اسمه مشترك بالإنكليزية والعربية "Eye 2 Eye" أو "خلف ظلالهم البيضاء". تستهويني الكتابة عن روح المدن، والساكنين فيها، أماكنها التي هي جزء من أحداثها الشاهدة، أحب المدن التاريخية وأكره مدن الإسمنت والحديد والألمنيوم والزجاج العاكس.
تكرّس النخيل والبيئة المحلية ثيمة في أعمالك الأدبية والسينمائية، ما السبب؟
نشأت بينها، وفي واحاتها، وربما النخل أول ما أبصرته، واعتقدت أن الجنة هي النخيل، وكانت من طقوس عاداتنا الاجتماعية قديما أن يدفن شعر الطفل الرضيع تحت ظل نخلة، وتتسمى باسمه، وتكبر معه، لذا كانت حاضرة في البدء والختام، فكانت المجموعة القصصية الأولى، "عندما تُدفن النخيل"، وكان الفيلم الأول الطويل، "في سيرة الماء.. والنخل والأهل".
تحديات سينمائية
أفلامك الخمسة متعددة الأفكار، فمتى تتبنى فكرة ما وتقرر العمل عليها سينمائيا؟
إن كنت تقصدين العمل السينمائي الروائي، فأنا أعكف على فيلم يجمع بين التسجيلي والروائي اسمه "حارس قبر الولي"، بالإضافة الى استمرار العمل في مشروع العمر السينمائي الذي بدأته قبل عشر سنوات، ويعنى بـ"الذاكرة البصرية" للإمارات، وهو جهد شخصي تام، أعده من الواجب، وطرح الشكر والثناء لوطني.
ليس لدينا مؤسسة سينمائية وطنية واعية لدور الثقافة والسينما في النهوض بالمجتمعات وأناسها
بالفعل جاء مشروعك السينمائي بمجهود فردي، وكذلك معظم المشاريع الإماراتية، فلماذا لم تستطع الجهات المعنية إيجاد صناعة سينمائية حتى الآن؟
الحديث يطول في شأن هذا الموضوع، ما قدم حتى الآن هي تجارب سينمائية فردية، وما ننشد صناعة سينمائية إماراتية، وهناك فرق، إذ ليس لدينا مؤسسة سينمائية وطنية واعية لدور الثقافة والسينما في النهوض بالمجتمعات وأناسها، لدينا مؤسسات سينمائية لا نسمع عنها إلا في المناسبات المتفرقة، ونلمح مسمياتها على أفلام أجنبية، كثير منها ليس بالمستوى الإنتاجي العالمي، أفلام عادية لو صرفت ميزانية ما دفع لتلك الشركة المنفذة الأجنبية على أربعة مخرجين إماراتيين جادين، لظهرت لدينا أربعة أفلام قوية في السنة، ويمكن أن نصدرها للمهرجانات الدولية، ورفع اسم الإمارات في تلك المحافل السينمائية الدولية.
تكتب العمود اليومي منذ سنوات طويلة، كيف استطعت الاستمرار كل هذه السنوات دون أن تكرر نفسك؟
اليوم وصل عمر هذا العمود اليومي، "العمود الثامن"، إلى أربعة وعشرين عاما، هو عمود للوطن والناس ولقضاياهما، خارج حسابات المدح، والتكرار اليومي، والكتابة السطحية، هو يذهب عميقا في الوطن، وبعيدا بالإنسان، هو عمود ملتزم الحياة والحق والخير والجمال، لا ينسى أحدا قدم المعروف، وتعب هنا أو كانت حياته من أجل الناس وفرحهم. "العمود الثامن" يكفيه أن يسرق ضحكة أو أقله بسمة صباحية من الناس، ذاك شكره الوحيد، ودافعه لكي لا يكون مكررا أو مملا أو ثقيلا مع فنجان القهوة الصباحي.