منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، كثّفت إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا، مستهدفة تدمير إمدادات أساسية من الأسلحة التي تصل إلى "حزب الله" من إيران. وقد أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذه المهمة، متعهدا بقطع ما سماه "شرايين الحياة" التي تمر عبرها الأسلحة إلى "الحزب" عبر سوريا، لمنع إعادة تسليحه. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، استهدفت القوات الإسرائيلية مستودعات الأسلحة وقوافل الإمدادات والبنية التحتية الاستراتيجية، بالإضافة إلى العناصر الرئيسة التي تلعب دورا حاسما في نقل الأسلحة عبر الحدود السورية.
تحقيق هذا الهدف يبدو معقدا. فعلى مدى أكثر من عقد، عمل "حزب الله" على ترسيخ وجوده داخل الأراضي السورية، حيث أنشأ شبكة سرية تتضمن مواقع التخزين وممرات التهريب وخطوط الإمداد المحصنة. وتستفيد هذه العمليات من التضاريس الوعرة في سوريا للتخفي عن الأنظار، ما يمثل تحديا كبيرا للقوات الإسرائيلية المكلفة برصد شحنات الأسلحة واعتراضها. والسؤال الملح الآن هو ما إذا كانت الموارد العسكرية الإسرائيلية، التي تعاني من الاستنزاف، قادرة على التفوق على شبكات "حزب الله" الراسخة وقطع حصوله على السلاح الإيراني بالكامل.
وبفضل قدراتها العسكرية والاستخباراتية المتفوقة، استهدفت إسرائيل مرارا أصولا يُعتقد أنها حيوية لإمدادات السلاح إلى "حزب الله". وقد ضربت القوات الإسرائيلية معابر حدودية رئيسة، من بينها معبرا المصنع- جديدة يابوس، وجوسية- القاع، ما أسفر عن إغلاقهما وتعطيل حركة السفر بشكل كبير. كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن قصف نفق يمتد بطول 3.5 كيلومتر تحت الحدود، يُزعم أن "حزب الله" يستخدمه لنقل وتخزين الأسلحة التي يتلقاها من إيران.
وفي عملياتها الأخيرة، زعمت إسرائيل أنها استهدفت مركبة محملة بالأسلحة كانت متجهة إلى "حزب الله"، أثناء محاولتها العبور من سوريا إلى لبنان، تحديدا بين منطقتي جديدة يابوس- المصنع. كما أعلنت إسرائيل عن تنفيذ غارات عدة على مستودعات أسلحة في مواقع استراتيجية، مثل منطقة القصير بمحافظة حمص، القريبة من الحدود السورية- اللبنانية، حيث يبدو أن الأسلحة تُخزن تمهيدا لنقلها إلى لبنان. وبالإضافة إلى الأسلحة التقليدية، استهدفت القوات الإسرائيلية شخصيات من "حزب الله" تتولى مسؤولية نقل الأسلحة والتقنيات المتقدمة الأخرى من سوريا.
وتُظهر العمليات الإسرائيلية الأخيرة تأثيرا ملحوظا على خطوط إمداد "الحزب" عبر الحدود السورية، حيث أدت إلى تدمير الكثير من المستودعات وتعقيد حركة نقل الأسلحة. ومع ذلك، يبقى القضاء الكامل على خطوط إمداد "حزب الله" عبر سوريا من خلال ضربات جوية محدودة أمرا غير مرجح، نظرا لعدة عوامل.
أولا، يُعد من الصعب بطبيعة الحال مراقبة الحدود السورية-اللبنانية الشاسعة والوعرة بشكل كامل، خاصة في ظل وجود "حزب الله" الراسخ ونفوذه القوي على جانبي الحدود. هذه المنطقة معقدة بشبكة من الطرق السرية والأنفاق، خصوصا في مناطق مثل القلمون وجنوب حمص، حيث تموضع "حزب الله" بشكل استراتيجي لدعم شبكة إمداده. وتُعد هذه القنوات السرية، التي أنشأها "حزب الله" وحلفاؤه ويشرفون على صيانتها، عاملا أساسيا يجعل من شبه المستحيل وقف شحنات الأسلحة عبر الغارات الجوية وحدها. كما أن اتصالات "حزب الله" الواسعة بشبكات التهريب المحلية تساهم في تفادي رصد شحنات الأسلحة، مما يزيد من تعقيد عمليات الرصد والاستخبارات الإسرائيلية.
على مدى أكثر من عقد، عمل "حزب الله" على ترسيخ وجوده داخل الأراضي السورية، حيث أنشأ شبكة سرية تتضمن مواقع التخزين وممرات التهريب
وتواجه إسرائيل تحديات متزايدة بسبب التزام إيران المستمر بتسليح "حزب الله". وقد أدى الوجود العسكري الإيراني الواسع في سوريا إلى تسهيل نقل وتخزين الأسلحة المتقدمة مقارنة بالماضي. فبالإضافة إلى مخازنها في سوريا، أنشأت إيران خطوط إمداد مرنة عبر العراق، حيث تسيطر القوات الحليفة على مناطق حدودية رئيسة مع سوريا. وتشير التقارير إلى أن إيران تصنع أسلحة داخل سوريا، مما يقلل من تأثير الخسائر الناجمة عن الضربات الإسرائيلية على الطرق المؤدي إلى لبنان، ويضمن تدفقا مستمرا للإمدادات العسكرية إلى "حزب الله".
ويزيد موقف النظام السوري من تعقيد مهمة إسرائيل، فبينما يحافظ بشار الأسد على درجة من النأي بالنفس عن المواجهات المباشرة مع إسرائيل، يبدو غير راغب في التدخل في نشاطات "حزب الله" على الأراضي السورية. وحظر شحنات الأسلحة إلى "الحزب" قد ينطوي على مخاطر كبيرة على الأسد، حيث يعتبر "حزب الله" حليفا رئيسا لدعم نفوذ نظامه. ومن المرجح أن يظل الأسد مصطفا مع إيران و"حزب الله"، مما يزيد من صعوبة جهود إسرائيل في قطع خطوط إمداد "الحزب".
ورغم أن إسرائيل أظهرت قدرة على تعطيل وتعقيد إمدادات الأسلحة إلى "الحزب"، فإن شبكاته الواسعة وبنيته اللوجستية المرنة تتيح له الاستمرار، بحيث لا يمكن للغارات الجوية وحدها أن تقضي عليه تماما. وطالما يسمح نظام الأسد بمرور الأسلحة وتستمر إيران في دعمها، فمن المرجح أن تظل "شرايين الحياة" الخاصة بـ"حزب الله" قائمة، ما يقوض طموحات إسرائيل في تحقيق نصر استراتيجي حاسم. ويجب أن يكون ذلك بمثابة تذكير واضح لإسرائيل بأن تحقيق الأمن في هذا السياق المعقد يتطلب ما هو أكثر من القوة العسكرية المفرطة.