إيران... هل ينفذ الرئيس بيزشكيان وعوده الإصلاحية؟https://www.majalla.com/node/323025/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%86%D9%81%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D9%8A%D8%B2%D8%B4%D9%83%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%A9%D8%9F
قبل أن يكمل الرئيس الإيراني "الإصلاحي" مسعود بيزشكيان مائة يوم منذ استلامه لمنصبه، أصدر القضاء الإيراني حُكما بإعدام أربعة ناشطات مدنيات إيرانيات؛ ما يشكل تحديا سياسيا للرئيس وفريقه "الإصلاحي"، الذين شيدوا حملاتهم الانتخابية على وعود وتعهدات ببدء مرحلة من الانفتاح السياسي وزيادة الحريات المدنية والعامة، وكبح جماح كل مؤسسات كانت محل انتقاد شديد منهم طوال سنوات حُكم الرئيس الأسبق إبراهيم رئيسي.
المثير لدهشة المراقبين، أن أحكام الإعدام صادفت ذكرى الاحتجاجات التي انتشرت في مختلف أنحاء إيران قبل عامين، بعد اغتيال "شرطة الأخلاق" للمواطنة الكردية الإيرانية مهسا أميني، وكان بيزشكيان وفريقه الرئاسي ينتقدون سلوك القوات الأمنية تجاه المواطنين وحرياتهم المدنية وقتئذ، ويعبرون عن تضامنهم مع الضحية والاحتجاجات التي حدثت فيما بعد.
الحُكم على الناشطات الأربع صدر بتهمة "التمرد المسلح ضد الدولة". أما عن المحكومات الأربع فهنَ الناشطة العمالية الشهيرة شريفة محمدي والناشطة السياسية/المدنية فاريشة مرادي وعاملة الإغاثة بخشان عزيزي والمتظاهرة نسيمة سيمياري. ثلاث منهن، عدا الناشطة العمالية، ينتمين إلى الأقلية القومية الكُردية شمال غربي البلاد، حيث وقعت احتاجات مهسا أميني قبل عامين.
المنظمات الحقوقية الإيرانية في الخارج اتصلت بذوي المحكومات الأربع، حيث نفوا تماما التُهم الموجهة لهن، إذ قالت نجلة الناشطة العمالية شريفة محمدي إن والدتها لم تكن تزاول إلا العمل المدني العلني المباشر، في أوساط الطبقة العاملة الإيرانية، مضيفة أنها اعتُقلت أواخر العام الماضي وتعرضت لتعذيب شديد، وبقيت متروكة في غُرفة انفرادية منذ اعتقالها.
كذلك نفى محامو الناشطة الكردية الإيرانية فاريشة مرادي أن تكون عضوة ميدانية في حزب "الحياة الحُرة" (بيجاك)، المُقرب من "حزب العمال الكردستاني" كما قال الادعاء العام، ومثلها الناشطة الإغاثية بخشان مرادي، فالناشطتان فقط شاركتا في عملية تقديم الخدمات للنازحين والمرحلين إلى المخيمات، بعد الهجمات التي شنها تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق.
المحامون الإيرانيون عن قضايا النساء الأربع قالوا إن الادعاء العام فشل في تقديم أية أدلة أو براهين تثبت حيازة المتهمين لأي نوع من الأسلحة، أو حتى تحريض الآخرين على القيام بأعمال عنف سياسية. إذ قال المحامي في مجال حقوق الإنسان في إيران سعيد دهقان في تصريحات إعلامية: "الكل يعرف أن غرض الاتهامات والأحكام على هؤلاء المواطنين المدنيين، مثل غيرهم من قبل، هو قمع أية معارضة سياسية قبل بزوغها".
أحكام الإعدام ضد الناشطات النسويات تشكل تحديا لبداية حُكم الرئيس بيزشكيان، لأنها جاءت على العكس تماما من توقعات المراقبين، الذين طالما أشاروا خلال الأسابيع الماضية إلى أن "الاحتجاج النادر" داخل سجن إيفين لعشرات المعتقلات السياسيات، عقب مقتل الرئيس الإيراني الأسبق إبراهيم رئيسي في شهر مايو/أيار المنصرم، والتعامل غير القمعي من قِبل السلطات الإيرانية معهن، خصوصا بعد حصول الناشطة الحقوقية الإيرانية نرجس محمدي على جائزة نوبل للسلام أواخر العام الماضي، وفوز المرشح الإصلاحي مسعود بيزشكيان في انتخابات رئاسة الجمهورية؛ لكن الأمور تبدو وكأنها استمرت في السياق التقليدي نفسه.
اللقطات المصورة التي ينشرها الناشطون الإيرانيون تُظهر كيف أن "شرطة الأخلاق" لا تزال مستمرة في قمع غير الملتزمات بتعليماتها بشكل ميداني، كان الاعتداء والتعنيف الجسدي لفتاة تُدعى مريم عباسي أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، بأسلوب شبيه بما فعله ضباط المؤسسة نفسها مع الضحية مهسا أميني، قبل عامين، قد أثار رفضا شعبيا عارما على وسائل التواصل الاجتماعي. فالمقطع المصور أظهر كيف أن ضباط الشرطة ضربوا رأس المعتقلة بعمود كهربائي، ومن ثم استمروا بضربها داخل شاحنة الاعتقال التابعة للشرطة، وحينما أخلي سبيلها بعد توقيعها لوثيقة تتعهد فيها بـ"الالتزام بالزي الرسمي"، كانت عدة كدمات واضحة على وجهها ورقبتها، فيما كانت ثيابها ممزقة تماما.
يُقدر المدافعون الإيرانيون عن حقوق الإنسان بأن مؤسسات إيرانية تعمل بشكل "مستقل" عن الرئيس وبرنامجه وفريقه "الإصلاحي" ويتحدثون عن أحكام الإعدام نُفذت منذ وصول بيزشكيان إلى سُدة الرئاسة، رغم وعوده بالانفتاح على الأقليات القومية الكردية والعربية والبلوشية والأذرية، حيث ينحدر هو نفسه من والد أذري وأم كردية.
أصوات خجولة
بعد وصول بيزشكيان إلى منصب رئاسة الجمهورية، كان الناشطون الإيرانيون يتوقعون قيام المؤسسات القضائية بدور أكثر "اعتدالا"، مثل الاستجابة للشكاوى التي يتقدمون بها ضد الضباط التنفيذيين وآمري السجون ورؤساء الأجهزة الأمنية. لكن نادرا ما استجاب القضاء الإيراني خلال الشهور الماضية لمثل تلك الطلبات التي تُقدم بشكل شبه يومي، خلا بعض عمليات الاستعداء والتحقيق في أحيان قليلة مع الذين توجه إليهم تُهم موثقة ومصورة، مثل المجموعة الأمنية التي شاركت في الاعتداء على الناشطة مريم عباسي.
كُتاب وصحافيون وناشطون مرتبطون بـالتيار الإصلاحي، وذوو علاقة مباشرة مع الرئيس بيزشكيان، انتقدوا استمرار عمليات قمع الحياة المدنية بالوتيرة السابقة نفسها. فكتب الإصلاحي آزار منصوري في منصة "إكس": "لا يُمكن للدولة أن تستمر في فرض الحجاب وشكل الحياة على الناس، هذا يزيد الفجوة بين مؤسسات الدولة والشعب".
فالأعضاء المقربون والأكثر تأثيرا على الرئيس بيزشكيان ينتظرون منه اتخاذ إجراءات لتغيير "خطة النور"، التي أطلقها الرئيس الأسبق المتشدد إبراهيم رئيسي قبل شهر من وفاته، والتي على العكس من التوقعات والوعود عقب مقتل الشابة مهسا أمينيا، إنما وضعت مجموعة حازمة من قواعد اللبس والسلوك في الفضاء العام على الإيرانيات، ومنحت أفراد "الشرطة الأخلاقية" صلاحيات واسعة.
الناشط الحقوقي الإيراني زانار عزيزي شرح في حديث مع "المجلة" ما سماه القدرات والسلطات الموضوعية لأي رئيس إيراني، مهما كانت نزعته الأيديولوجية وتطلعاته المستقبلية، مضيفا: "العبارة الأساسية التي أراد الرئيس بيزشكيان أن تكون عنوان فترة ولايته كانت (مرحلة الوحدة الوطنية)، قاصدا من طرف جسر الهوة بين الطبقات الاجتماعية الأصغر عمرا والأفضل تعليما وحداثة وعلاقة مع العالم الخارجي وبين مؤسسات وهيكل الحُكم، فالنفور بين الطرفين كان قد وصل أشده في مرحلة الرئيس الأسبق إبراهيم رئيسي، ومن طرف آخر فإنه كان يقصد منح مزيد من الحقوق الثقافية واللغوية والاقتصادي للقوميات في البلاد، العرب والأكراد والأذر والبلوش. في كلتا الحالتين، كانت أجندة حملة الرئيس بيزشكيان خالية من أية برامج تفصيلية عن إمكانية فعل ذلك، ولو بالحد الأدنى، فهي كانت مجرد خطابات وشعارات انتخابية لدفع القواعد الاجتماعية الأكثر حيوية للمشاركة في الانتخابات، وهو ما حدث، دون انتباه لما يجب عليه- مع فريقه الرئاسي- أن ينفذه فيما بعد".
يُقدر المدافعون الإيرانيون عن حقوق الإنسان أن مؤسسات القمع تعمل بشكل "مستقل" عن الرئيس وبرنامجه وفريقه "الإصلاحي"
يضيف الحقوقي عزيزي متحدثا أنه ربما لم تسمح الفترة القصيرة التي حدثت فيها الانتخابات الرئاسية عقب مقتل الرئيس السابق حدوث ذلك، فالتيار الإصلاحي كان مشتتا منذ سنوات، وتفاجأوا بقبول "مجلس صيانة الدستور" لترشح بيزشكيان، مثلما تفاجأوا بفوزه فيما بعد.
إلا أن عوامل جوهرية أخرى يجب أن تضاف للمشهد. فالقوانين والجهاز الحاكم فعليا، أي القضاء والجيش والأجهزة الأمنية وحتى البرلمان، خاضعة تماما لسلطتي التيار المتشدد والمرشد الأعلى.
وحصلالرئيس بيزشكيان على 53.6 في المئة من أصوات الناخبين، متجاوزا المرشح المتشدد سعيد جليلي بفارق كبير، قال المراقبون إن الأغلبية المطلقة من أصوات بيزشكيان جاءت من القواعد الاجتماعية الشابة والمتطلعة لإحداث تغيرات سياسية وإصلاحات اقتصادية دون مواجهة مع "مؤسسات القمع"، لكنها أيضا الطبقات الأكثر جهوزية للنزول إلى الشارع لو تطلب الأمر ذلك، مثلما فعلت ذلك قبل عامين، وفي أصعب الظروف.
أعضاء الفريق الرئاسي المقربين جدا من بيزشكيان، مثل وزير الخارجية عباس عراقجي ونائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، يعدون القاعدة الشعبية بتجاوز مرحلة "الاستياء العام" التي تراكمت خلال مرحلة حُكم إبراهيم رئيسي، متعهدين أن يكون ذلك من خلال ثلاث آليات متكاملة، هي زيادة مستويات الحريات المدنية، تحديدا من خلال إقرار قوانين وتشريعات برلمانية تحمي الطبقات الشبابية من حملات القمع، وإلى جانبها الانخراط في حوارات جادة مع المجتمع الدولي، تحديدا الولايات المتحدة الأميركية، بغية إخراج إيران من مرحلة القلق العسكري والأمني ورفع العقوبات عليها. ومع الأمرين تنفيذ مجموعة من الإجراءات الرامية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام، من خلال مواجهة الفساد والحد من تدخل مؤسسات السلطة في النشاط الاقتصادي وخلق مناخ سياسي وأمني يدخل إيران ضمن شبكة التنمية الإقليمية.
على الدفة الأخرى، يطالب الناشطون الإيرانيون الرئيس بيزشكيان وفريقه المقرب باتخاذ إجراءات مباشرة وواضحة، تتلاءم مع وعودهم الانتخابية، مثل التخفيف من السيطرة والمراقبة على شبكة الإنترنت، ومنع عمليات المراقبة المشددة على النشاط الاجتماعي، والسماح بعقد الندوات والمناسبات الثقافية والاجتماعية دون تدخل الأجهزة الأمنية، وعدم تصنيف المواطنين والتعامل معهم بناء على مواقفهم السياسية.