انتهت أزمة انتخاب رئيس مجلس النواب في العراق، بعد فراغ في المنصب لأكثر من 10 أشهر، بوصول الدكتور محمود المشهداني إلى كرسي رئاسة البرلمان، والذي بقي مصرا على الحضور بين الشخصيات المتنافسة منذ بداية الدورة الانتخابية الحالية، ولكن كما يقول المثل العربي "من صبر ظفر". وها هو المشهداني يعود رئيسا لمجلس النواب بعد أن قدم استقالة منه في عام 2009، والتي بررها في ذلك الوقت بأنها "للصالح العام"، رغم أن أسبابها كانت بدعوى "توجيه إهانات لأعضاء مجلس النواب".
المشهداني، الحاصل على شهادة البكالوريوس في الطب، ويحسب على تيار الإسلام السياسي، يعد من الجيل الأول، أو هو آخر من تبقى من الرعيل الأول للسياسيين السنّة بعد 2003. ولذلك هو يحسب على "الآباء المؤسسين" لنظام الحكم والدستور العراقي الحالي. وعودته إلى المشهد السياسي بعنوان "رئيس مجلس النواب" ربما يؤشر على بقاء ونفوذ هذا الجيل السياسي في منظومة الحكم، وأيضا رمزية هذا المنصب في العملية السياسية بصورة عامة، وعلى مشهد صراع النفوذ بين القوى السياسية السنية بصورة خاصة.
مفارقة مهمة تجتمع في خطابات الجيل السياسي التقليدي، والذي ينتمي إليه السيد المشهداني، إذ يتفقون على أنهم ساهموا في الخراب والفوضى التي تراكمت على مدى عشرين عاما. فالمشهداني قبل إعادته لمنصب رئيس البرلمان، يصف السياسيين الذين كانوا في المعارضة واستلموا الحكم بعد 2003 بأنهم "مقاولو تفليش". وكذلك السيد نوري المالكي رئيس "ائتلاف دولة القانون"، عندما كان نائب رئيس الجمهورية (2014-2018) يقول: "أنا أعتقد أن هذه الطبقة السياسية، وأنا منها، ينبغي أن لا يكون لها دورٌ في رسم خريطة العملية السياسية في العراق، لأنها فشلت فشلا ذريعا..". وهادي العامري رئيس كتلة "الفتح" في مؤتمر انتخابي عام 2018 اعترف بالتقصير والعجز بقوله: "إننا قصّرنا بحق شعبنا وعجزنا أن نقدّم له الخدمات المطلوبة والحياة الكريمة... التهينا بالصراعات الداخلية وتركنا شعبنا يتلوع من الجوع والفقر، ولذلك لا بد أن نعترف بذلك، وأنا أول من أعترف بذلك، وأعتذر للشعب عن كل قصور وتقصير..".