ترمب الجديد... "وعود اقتصادية متطرفة" يتأهب لها العالم

الصين في طليعة المعارك التجارية وإنتاج النفط وإطاحة التعهدات البيئية

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
رجل الأعمال والتر لوندون يكشف عن قميص يحمل صورة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، في مقر بورصة نيويورك خلال إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 6 نوفمبر 2024

ترمب الجديد... "وعود اقتصادية متطرفة" يتأهب لها العالم

بعد معركة انتخابية رئاسية مريرة، حصد الرئيس المنتخب دونالد ترمب 301 صوت في المجمع الانتخابي، ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، ولولاية ثانية، بينما نالت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس 226 صوتاً. بين مهلل ومتشائم لفوز ترمب، تسود المخاوف من الوعود والقرارات المتطرفة الاقتصادية التي أطلقها، تحت شعار "أميركا أولا"، فالى أين يتجه الاقتصاد الاميركي والعالمي في ضوء هذ الفوز الكبير.

من المعلوم أن الاقتصاد الأميركي هو الأكبر حجماً في العالم لجهة الناتج المحلي الذي يُقدر بنحو 29,35 تريليون دولار (في نهاية الفصل الثالث 2024)، يليه الصين 18,54 تريليون دولار، ألمانيا 4,73 تريليونات دولار ثم اليابان 4,11 تريليونات دولار، الهند 3,94 تريليونات دولار.

والولايات المتحدة هي ثاني أكبر مصدر للسلع في العالم بعد الصين، بصادرات إجمالية قدرت بنحو 3,053 تريليونات دولار في عام 2023. في حين أنها أكبر مستورد للسلع بقيمة إجمالية بلغت 3,827 تريليون دولار في العام نفسه. كما أنها أكبر مصدر ومستورد للخدمات حيث بلغت قيمة صادرات الخدمات ووارداتها 1,003 تريليون دولار و714.5 مليار دولار على التوالي في 2023، بحسب مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA). وبلغ إجمالي صادرات النفط والمنتجات النفطية من الولايات المتحدة نحو 10,15 ملايين برميل يومياً في 2023، في مقابل واردات بنحو 8,53 ملايين برميل يومياً.

سيضغط دونالد ترمب لنقل مراكز الشركات والمصانع الكبرى إلى داخل أميركا، وسيعمل على خفض حجم المساعدات الخارجية

ويجتهد خبراء الاقتصاد والسياسة للإجابة عن سؤال: كيف سيتأثر الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي والأسواق المالية بنتائج الانتخابات الرئاسية، بعد فوز ترمب.

برنامج ترمب: مزيد من "التطرف الاقتصادي"

لشخصية دونالد ترمب كرجل أعمال، دور في العديد من قراراته، فهو يؤمن بضرورة خفض الضرائب على الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع، مما يشجع المستثمرين المترقبين الذين لجأوا إلى الذهب كملاذ آمن، على الاستثمار في سوق الأسهم، وهذا سيؤدي إلى مزيد من ارتفاعها. وهو سيضغط لنقل مراكز الشركات والمصانع الكبرى إلى داخل أميركا، وسيعمل على خفض حجم المساعدات الخارجية.

وتحت شعار مصلحة "أميركا أولاً"، وبهدف التعويل على الرسوم الجمركية لتعزيز خزينة الدولة وتعزيز الصناعات الأميركية والحد من الاعتماد على التجارة العالمية، تعهد ترمب بفرض الحماية الجمركية عبر رفع التعرفة والرسوم الجمركية على مجمل الواردات من جميع الدول، بنسبة 10 إلى 20 في المئة بحسب المنتجات، وصولاً إلى 60 في المئة للواردات الصينية، وحتى 200 في المئة للسيارات المصنوعة في المكسيك.

.أ.ف.ب
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يلقي خطابا في تجمع انتخابي في فالي، ولاية أريزونا، 13 أكتوبر 2024

ولطالما دعا ترمب إلى الحدّ من العمالة الإضافية عبر خفض عدد المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة ، وإغلاق الحدود وتأمينها واستكمال أعمال بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، بالإضافة إلى تأكيد ضرورة تنفيذ أكبر عملية ترحيل جماعية في تاريخ الولايات المتحدة.

وهو سيسعى إلى زيادة كبيرة في حفر آبار النفط والغاز في الولايات المتحدة من خلال توسيع التأجير الفيديرالي (للمساحات المرجح أن تحتوي على احتياطيات)، وإلغاء القواعد والتعهدات البيئية كلما أمكن، في سعيه إلى أن تظل أميركا أكبر منتج للنفط في العالم.

ما أشبه الأمس باليوم، ترمب 2017-2021، سحب أميركا من معاهدة التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ، وضغط على الشركاء في الـ"نافتا" من الأوروبيين وأميركا الشمالية لتعديل بعض أحكام الاتفاقية، واستبعاد مصطلح "التجارة الحرة" منها

وفيما كان برنامج نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس يركز على معالجة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية من طريق زيادة الإنفاق الاجتماعي، والتركيز على الاستثمار في البنية التحتية، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، وتوسيع ائتمان الضريبة للأطفال وزيادة الدعم للتعليم، تلتقي العديد من أفكار ترمب الاقتصادية الجديدة مع تلك التي طرحها في ولايته الرئاسية الأولى (2017 -2021). آنذاك، سحب ترمب الولايات المتحدة من معاهدة التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ، وضغط على الشركاء في الـ"نافتا" من الأوروبيين وأميركا الشمالية لتعديل بعض أحكام الاتفاقية، واستبعاد مصطلح "التجارة الحرة" منها.

وسبق أن عانت الشركات من زيادة الرسوم الجمركية التي أقرها ترمب خلال ولايته السابقة، وهو أشار إلى أن زياداته الضريبية السابقة لم يكن لها تأثير على التضخم، لكن كايل هاندلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، اعتبر أن الضغوط التي تسببت بها الزيادات الضريبية على سلاسل الإمداد توازي في نهاية المطاف ما نسبته 2 إلى 4 في المئة في الرسوم الجمركية على الواردات، وأقرت شركات عدة بأنها اضطرت إلى زيادة أسعارها نتيجة لذلك.

وعلى الرغم من تعهد ترمب خلال حملة 2016 الرئاسية أنه سيقضي على الدين الوطني في ثماني سنوات، إلا أنه وافق خلال ولايته على زيادات كبيرة في الإنفاق الحكومي، فضلًا عن الخفوضات الضريبية لعام 2017، مما دفع عجز الموازنة الفيديرالية إلى الارتفاع بنسبة عالية. ولم يستجب عام 2018 لرغبات المصارف بتخفيف القيود التنظيمية، واختبارات الضغط المصرفي (Stress Test)، ومتطلبات رأس المال للمصارف التي تقل أصولها عن 250 مليار دولار.

عودة ترمب بين متفائل ومتشائم

كيف قرأت الأسواق فوز ترامب؟ فور إعلان النتائج ارتفعت أسهم المصارف الأميركية، وفي مقدمها "سيتي غروب"، و"جيه بي مورغان"، و "غولدمان ساكس"، فيما بدا رهان المستثمرين على أن ترمب سيفي بوعوده بخفض الضرائب وتخفيف القواعد التنظيمية لهذا القطاع. كذلك، وصل مؤشر الأسهم الأميركية (S&P 500) إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

أوروبا تتوجس من الرسوم الجمركية وضررها على التجارة العالمية

وتشير تقديرات "غولدمان ساكس" إلى أن خطة ترمب لخفض معدل ضريبة الشركات من 21 في المئة إلى 15 في المئة، من شأنها أن ترفع المؤشر بنحو 4 في المئة. وشهد الدولار أكبر ارتفاع له منذ مارس/آذار 2020، بحسب "بلومبرغ". 

وقفز سهم "تسلا" التي يرأسها إيلون ماسك، أحد أبرز مؤيدي ترمب، الى ما يفوق الـ13 في المئة وتخطت قيمة الشركة تريليون دولار. وكذلك قفزت العملات المشفرة إلى أعلى مستوى في تاريخها وتخطى سعر البيتكوين 75 ألف دولار، في حين تراجع الذهب. 

ضغوط على أسهم الشركات الأوروبية

وعشية صدور نتائج الانتخابات، كانت الـ"فايننشال تايمز" قد أشارت إلى أن احتمالات فوز ترمب تضغط على أسهم الشركات الأوروبية المصدرة للسلع مثل شركات صناعة السيارات ومجموعات السلع الفاخرة، مع توقع فرض ترمب حزمة تعريفات جمركية جديدة. إلا أن مكتب "تاكس فاونديشن" للدراسات حذر من أن هذه الرسوم الجمركية المزمعة قد تبدد فوائد خفوضات ترمب الضريبية من غير أن تعوض الخسائر على صعيد العائدات الضريبية. فيما حذر خبراء اقتصاديون من أن فرض الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين وسينعكس ذلك سلباً على التجارة الدولية، من غير أن تجني الولايات المتحدة فوائد مؤكدة.

.أ.ف.ب
الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترمب، يصافح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال اجتماع في نيودلهي، 25 فبراير 2020

وأورد "معهد بيترسون" أن تدابير أخرى في خطة ترمب، مثل إلغاء قانون "العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة" الذي حظيت به بكين عام 2000، قد تؤدي إلى زيادة التضخم 0,4 نقطة مئوية. ورأى خبراء اقتصاديون أن خطته قد تتسبب، في حال تطبيقها، بتقليص حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة 70 في المئة، مع إعادة توجيه مئات مليارات الدولارات من المبادلات أو إلغائها تماماً.

تداعيات برنامج ترمب "أميركا أولاً"

ويرتقب خفض فواتير الطاقة إلى النصف منذ عامه الأول في البيت الأبيض، وهو موضوع يتصدر اهتمامات الناخبين، ويقتضي بإزالة المزيد من التنظيمات التي تضبط قطاعي النفط والغاز الأميركيين. كما يعتزم ترمب خفض تكاليف قطاع المواد الغذائية، من خلال فرض قيود صارمة على واردات المنتجات الزراعية، فيما يحذر خبراء الاقتصاد من أن مثل هذا الإجراء سيؤدي إلى رد مماثل، مما سيضر بشكل كبير بالقطاع الزراعي الأميركي الذي يعول على التصدير.

خلال عام 2022، كانت الصين رابع أكبر شريك تجاري للسلع الأميركية بإجمالي يبلغ نحو 690 مليار دولار، ورابع أكبر سوق للصادرات الأميركية بقيمة 154 مليار دولار

ويتوقع أن يؤدي تطبيق سياسات برنامج ترمب "أميركا أولاً"، إلى زيادة الدين الوطني بشكل كبير، حيث تشير التقديرات إلى تكلفة تصل إلى 4 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، وأن يرتفع الدولار ويزيد التضخم، وسيكون بنك الاحتياطي الفيديرالي أقل ميلاً إلى خفض سعر الفائدة بسرعة، وحتماً سيتأثر الاقتصاد العالمي بالتضخم الأميركي.

الدين العام الفيديرالي أول الضحايا

توقعت لجنة الموازنة الفيديرالية الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم أن يؤدي تنفيذ الخطط الاقتصادية التي يطرحها ترمب، إلى زيادة الدَّين الفيديرالي بنحو ضعف الزيادة المتوقعة للخطط الاقتصادية المقترحة من قبل منافسته كامالا هاريس. كما رجحت أن يتضخم الدين الفيديرالي بحلول عام 2035 بمقدار 7,5 تريليونات دولار إذا نفذ ترمب تعهده بخفض الضرائب على الأفراد والشركات، وطبّق تعريفات جمركية كبيرة على السلع المستوردة ورحّل ملايين المهاجرين، مع إجراءات أخرى يعتزم تطبيقها.

القلق الصيني السياسي الاقتصادي

وبالإضافة إلى هاجس التضخم في أميركا، تتوجس الصين والاتحاد الأوروبي الخشية من سياسات ترمب الاقتصادية، كما أن الناتو قد يعاني مرة أخرى ما عاناه أثناء ولاية ترمب الأولى.

ففي عام 2022، كانت الصين رابع أكبر شريك تجاري للسلع الأميركية بإجمالي تجارة يبلغ نحو 690 مليار دولار، ورابع أكبر سوق للصادرات الأميركية بقيمة 154 مليار دولار، وثاني أكبر مصدِّر للواردات الأميركية بقيمة 536,3 مليار دولار. وقد تراجع الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة بنحو 170 في المئة حتى أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 حيث سجلت الواردات الأميركية من الصين انخفاضاً من 462 مليار دولار إلى 357 مليار دولار. 

أما صادرات الولايات المتحدة إلى الصين فلم تتراجع كثيراً حيث سجلت 125 و122 مليار دولار خلال عامي 2022 و2023 على التوالي. وقد بلغت الصادرات الأميركية إلى الصين 16,7 مليار دولار في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023. كذلك سجل الميزان التجاري مع الصين عجزاً في الربع الثالث من عام 2023 بنحو 63,8 مليار دولار، وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي. وقد بلغت قيمة التبادل التجاري للبضائع بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نحو 368,76 مليار يورو في عام 2023. كما بلغت ما يقارب 180 مليار دولار في عام 2023 مع دول مجلس التعاون الخليجي.

لا بد أن يدفع فوز ترمب بالعديد من المتغيرات الجديدة في أنحاء العالم، سياسياً واقتصادياً ومالياً وعسكرياً، مما سينعكس تأثيرها حتما على الاقتصاد الأميركي والعالمي، وتاليا سنشهد ترجمة لنتيجة الخيارات السياسية للناخب الأميركي، على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية في السنة المقبلة.

font change

مقالات ذات صلة