لبنان بين الحرب والفتنة

إما بسط سلطة الدولة وإما الفوضى

لبنان بين الحرب والفتنة

في وقت يطالب فيه المجتمع الدولي والحكومات العربية لبنان الدولة بفرض سيادتها على كامل أراضيها، كما نص الدستور اللبناني وكما نصت القرارات الدولية، تعلو أصوات في لبنان تعتبر أن هذا المطلب هو تآمر على المقاومة ويصب في مصلحة إسرائيل، ففرض سلطة الدولة يعني حكما حصر السلاح بيدها.

منذ عام وشهرين بدأت المعارك بين "حزب الله" وإسرائيل، ومنذ شهرين توسعت المعارك وصارت حربا إسرائيلية على لبنان، راح ضحيتها نحو 3000 مدني لبناني بينهم أطفال حسب إحصاءات وزارة الصحة اللبنانية، إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بقرى وبلدات لبنانية، عشرات القرى الجنوبية دمرت عن بكرة أبيها، كذلك في البقاع، ضاحية بيروت الجنوبية معقل "حزب الله" شبه مدمرة بالكامل كما تنقل الصور، أكثر من مليون نازح اضطروا إلى ترك منازلهم هربا من القصف الإسرائيلي وتنفيذا لتحذيرات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الذي يكتب على منصة "إكس" مطالباً سكان بعض المناطق بالإخلاء.

ويجمع كثيرون أن الحرب الدائرة في لبنان هي حرب إيرانية إسرائيلية على أرض لبنانية، ومن يدفع ثمنها هم اللبنانيون، حرب لم تعد أسبابها المعلنة مقنعة لأحد، فالقول بأنها حرب لإسناد غزة سقط، أما القول بأن إسرائيل حتى لو لم يكن "حزب الله" يسيطر بسلاحه على لبنان وحتى لو لم يعلن أمين عام "الحزب" السابق حسن نصرالله دخوله الحرب في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنها كانت ستشن حربها كونها لا تحتاج إلى ذرائع هو أمر افتراضي، دون أن يخفى على أحد أطماع إسرائيل التوسعية في المنطقة، ولكن ألم يحمي اتفاق الهدنة الموقّع بين اللبنانيين والإسرائيليين عام 1949 برعاية الأمم المتحدة لبنان؟ وألم يتوصل لبنان قبل نحو عامين إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لحماية ثرواته البحرية من الأطماع الإسرائيلية؟

لا يبدو أن إيران قادرة على إعادة بناء "الحزب"، فما بنته خلال أكثر من 40 عاما دمرته إسرائيل في أيام

هي الدولة إذن القادرة على حماية لبنان، الدولة صاحبة السيادة، هو القانون الذي يحمي المواطنين إن أراد القيمون عليه طبعا.
وبينما كان الجميع يعترف بالتفوق العسكري الإسرائيلي لا على الجيش اللبناني فحسب بل في المنطقة أجمع، وفي الوقت الذي لا توجد فيه أوهام بأن إسرائيل تحظى بدعم غربي وتحديدا أميركي لا متناهٍ. واليوم أضيف عامل التفوق التكنولوجي الهائل الذي تتمتع به إسرائيل وكيفية استغلالها للذكاء الاصطناعي في حربها، وهو ما ظهر في عملية تفجير أجهزة "البيجر" بكل تفاصيلها، من اللحظة الأولى التي علمت فيها إسرائيل بنية "الحزب" إجراء صفقة شراء هذه الأجهزة إلى لحظة ضغط أحدهم على زر فتسبب في اللحظة نفسها بمقتل وإصابة أكثر من 5000 عنصر في "الحزب" كانوا في أماكن مختلفة.
اليوم يمكن للسياسيين اللبنانيين إعطاء عشرات الحجج للقول إن هذه الحرب كانت ستقع حتى لو لم يبدأها "حزب الله"، ولكن تبقى هذه الحجج افتراضية، الحقيقة هي أن ما حصل قد حصل، وأن لبنان كل لبنان يدفع الثمن.
في الأيام الاولى للحرب ساد اعتقاد بأن المسؤولين اللبنانيين سيضعون مصلحة لبنان أولا، وأن همجية الحرب ستجعلهم يضعون مصالحهم الضيقة جانبا ولو قليلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن عاد بعضهم للعب على عامل الوقت، فالوقت كفيل بأن تعيد إيران بناء قدرات "حزب الله"، في وقت يعيش فيه لبنان تحت وابل القصف الإسرائيلي.
لكن لا يبدو أن إيران قادرة على إعادة بناء "الحزب"، فما بنته خلال أكثر من 40 عاما دمرته القوة والتفوق التقني والاختراق الإسرائيلي في أيام، إضافة إلى أن القرار بقطع أذرع إيران في المنطقة لا يبدو قرارا إسرائيلياً فحسب، بل قرار مدعوم من أغلب عواصم القرار في العالم.

ليس الجيش وحده من يتعرض لحملات يشنها الإعلام الموالي والممول من ميليشيا "حزب الله" بل جميع السياسيين والصحافيين وحتى المواطنيين الذين يرفعون الصوت مطالبين بالدولة

واليوم لبنان أمام خيارين، إما بسط سلطة الدولة وإما الفوضى، وما هو أبعد لا سمح الله.
لبنان الذي يعيش فراغا في أغلب مؤسساته الرسمية، بدءا من الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، يعيش أيضا حالة تحريض عنيفة غير مسبوقة على مؤسسة الجيش وقائدها الذي يطرح اسمه كمرشح لموقع رئاسة الجمهورية، مؤسسة الجيش التي يعول عليها الجميع داخل لبنان وخارجه لتكون ركنا أساسيا من أركان حماية الدولة والحدود. وليس الجيش وحده من يتعرض لحملات يشنها الإعلام الموالي والممول من ميليشيا "حزب الله" بل جميع السياسيين والصحافيين وحتى المواطنيين الذين يرفعون الصوت مطالبين بالدولة الضامن الوحيد، فلا يكاد يمر يوم إلا وتشن حملات تصل إلى التحريض على القتل، والأمر ليس بجديد، فقط سبق وهددت أصوات تدور في فلك "حزب الله" بإحراق تلفزيون "المستقبل" فأحرقوه، وهددوا بقتل اللواء وسام الحسن فقتلوه، فهل المطلوب الهروب من الحرب مع إسرائيل إلى فتنة داخلية؟ 
اليوم كما كنت شخصيا عرضة لإحدى هذه الحملات، وما زلت، يتعرض عشرات بل المئات من اللبنانيين سياسيين وصحافيين لحملات مشابهة، واللافت أن بعض الأجهزة الأمنية لا ترى أو لا تريد أن ترى هذه الحملات والدعوات العلنية للقتل والتحريض اليومي على الجيش وقيادته، ورغم كل ذلك سنبقى مؤمنين بأن الدولة وحدها هي القادرة على حماية الجميع، وسنبقى نطالب بفرض سلطة الدولة وسيادتها على جميع الأراضي اللبنانية وعلى جميع اللبنانيين من أجل لبنان أولا.

font change