لم تعد ألعاب الفيديو مجرّد وسيلة ترفيهية تميّز عصرنا التكنولوجي فحسب، بل باتت وسيلة فنية تنافس الأدب في تأثيرها على فئات واسعة من الجمهور، ومثله صارت تعالج قضايا إنسانية شائكة وراهنة، وتطرح مواضيعَ نفسية وفلسفية عميقة. كما أن بعض الباحثين، في السنوات الأخيرة، اتجهوا الى دراسة خصائص وتجليات السرد في ألعاب الفيديو، باعتبار هذه الألعاب امتدادا للسرد القصصي الأدبي، بفضل ما تقدمه من قصص مثيرة وشخصيات معقدة.
نعلم جميعا أن الأدب يشترك مع "اللعب" في كثير من الأشياء. لكن، إذا كان عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا الفرنسي روجيه كايوا يُعرّف اللعب بأنه نشاط يتميز بـ"الحرية"، "الانفصال"، "اللايقين"، "اللاجدوى"، "التنظيم"، و"الخيال"، وهي صفات تنطبق بشكل كبير على الأدب أيضا، فإن الواقع يفرض أن المفهومين، اللعب والأدب، يرفضان التقييد الصارم والتحديد الدقيق. وحتى عند تقاطعهما، لا نجد حدودا واضحة يمكن تمييزها. وإنما نستطيع، من خلال تجليات ملموسة، سواء في الألعاب أو الكتب، أن نفتح أعيننا، نصغي، نلمس، ونجرب كـ"لاعبين"، لنكشف ما هو مضمر في لعبة أو عمل أدبي. وهنا يجب ألا نغفل الإشارة إلى تلك المتعة التي تنطوي عليها "ألعاب التفسير".
من البساطة إلى التعقيد
عندما ظهرت ألعاب الفيديو للمرة الأولى في سبعينات القرن الماضي، كانت بسيطة للغاية وتركز بشكل أساسي على التفاعل البصري والحركي. لم تكن تحتوي على قصص معقدة أو شخصيات متطورة. كان الهدف الأساس من ممارستها هو التسلية وتجاوز مستويات عالية. ويمكن أن نذكر ألعابا مثل "Pac-Man" و"Space Invaders"، التي كانت تعتبر ألعابا أيقونية في زمنها، لكنها لم تتضمن قصصا أو حبكات درامية معقدة. ومع تطور التكنولوجيا وظهور تقنيات الرسومات الثلاثية الأبعاد والتفاعل الصوتي، بدأت الألعاب تأخذ شكلا جديدا، حيث أصبحت وسيلة سردية متكاملة.
وتعدّ الألعاب الحديثة، مثل "The Last of Us" و"Red Dead Redemption"، أمثلة رائعة على كيفية تقديم الألعاب تجارب سردية عميقة تشبه الروايات المكتوبة. فهذه الألعاب تحتوي على حبكات معقدة وشخصيات متعدّدة الأبعاد تتطور على مدار القصة، مما يخلق تجربة عاطفية تجذب اللاعبين وتستمر معهم الى فترة طويلة بعد انتهاء اللعبة.