معرض أول لـ"متحف سجون داعش" في الـ"يونسكو" بباريسhttps://www.majalla.com/node/322997/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%80%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%B3%D8%AC%D9%88%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%80%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%A8%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3
افتتح "متحف سجون داعش" معرضه الأول في المقر الرئيس لمنظمة الـ"يونسكو" الدولية بباريس في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. فما قصة هذا المتحف، كيف نشأ، وما هي أعماله ونشاطاته وأهدافه؟
لكن من يتذكر اليوم أيام "داعش"؟ فالأيام الحالية، هي أيام القتل والرعب الإسرائيليين في غزة ولبنان. وأيام حرب جنرالي الدم والخراب، العبثية وشبه المنسية في السودان. وأيام الشِّقاق والنزاعات الأهلية والتمزق السياسي والاجتماعي، الانهيار الاقتصادي والفقر، في سوريا واليمن والعراق وليبيا. وهي مسبوقة بحروب ومجازر، وقد تنطوي على حروب في المقبل من الأيام.
وهذا كله يشلّ ذاكرة أهل هذه البلاد ووعيهم، ويتركها بلا ماضٍ ولا مستقبل، بل غارق بعضها في مطحنة للحم البشري، لتقتصر يوميات الأحياء فيها على مشقة انتشال الجثث من تحت الردم والركام والأنقاض.
"الشارع" والمتحف التفاعلي
أما "متحف سجون داعش" فبادر إلى إنشائه مئات الشباب من أصحاب التجارب المريرة والسوداوية في سوريا وبلدان عربية أخرى، بعد نجاتهم من المقاتل والمعتقلات فيها، قبل أكثر أو أقل من 10 سنوات، وتشتتهم في جهات العالم. لكنهم تجاوزوا أيام حِدادهم وشلل ذاكرتهم ووعيهم، وتداعوا بواسطة كل الوسائل المتاحة، لمتابعة واستكمال كسر الصمت الذي شرعوا فيه قبل "الربيع العربي" وفي سنواته وبعده، وعندما حوّله تنظيم "داعش" وأمثاله كارثة مأتمية مشهودة: قتل وخطف ومعتقلات وسجون ومقابر جماعية، إعدامات وتغييب قسري، لعشرات الألوف من الناس في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
أنشأ "متحف سجون داعش" مئات الشباب من أصحاب التجارب المريرة بعد نجاتهم من المقاتل والمعتقلات فيها
ومن رحم "مؤسسة الشارع" التي بادرت إلى إنشائها في العام 2010 مجموعة من مصورين فوتوغرافيين ومصوري أفلام وثائقية قصيرة في سوريا، ولدت فكرة إنشاء المتحف في العام 2017. أي غداة تقهقر تنظيم "داعش" وتحرير ما استولى عليه من مناطق حكمه في سوريا والعراق. تبدو الفكرة في ما حققته رائدة في العمل التوثيقي الميداني، البحثي الاستقصائي، وفي صناعة أفلام تجسيمية ثلاثية البعد، وفي بناء أرشيف ضخم عن "عالم داعش" والمناطق والمدن التي حكمها، وكانت السجون تشكل نواة ذاك العالم ومحوره. تطورت الفكرة وتوسعت أثناء المناقشات والاختبارات والتجارب، فشملت الخطوط والمسارات الآتية:
جمع ما تركه "داعش" من مخلفات في سجونه ومعتقلاته في سوريا والعراق: أشياء مادية. وثائق قضائية ومالية وعسكرية. تعميمات إدارية ومراسلات. مذكرات توقيف وتقارير مخبرين. نصوص أحكام ضد متهمين. تسجيلات صوتية وأشرطة فيديو لجلسات تحقيق ومحاكمات... توثيق أشكال وتقنيات وأدوات التعذيب لانتزاع الاعترافات من السجناء، وإدارة السجون وحسبات (جمع حسبة) التنظيم وعملها. إحصاء مقابر "داعش" الجماعية. إعداماته العلنية والمشهدية، والمختطفون والمغيبون قسريا أيام حكمه الدموي.
جمع شهادات من سجناء التنظيم المحررين، من أهلهم وأهل المغيبين قسريا، عن سجونه ومعتقلاته وبعض سجانيه وطباخي تلك السجون المسجونين لدى منظمات في سوريا والعراق. وتصوير هذه الشهادات الحيّة وتوثيقها كتابيا. وتصوير أصحاب هذه الشهادات بعد تحريرهم، وأثناء جولاتهم على السجون التي نزلوا فيها في الرقة والموصل، وتوثيق الكتابات على جدرانها.
جمع شهادات وصور وأفلام عن المقاومة المدنية التي أبدتها المجتمعات المحلية ضد تنظيم "داعش" وحكمه وسيطرته في سوريا والعراق، وكذلك محاولات تفلتها من نظام حسبته التي تسلطت على حياة الناس العامة والخاصة.
إنتاج أفلام وثائقية ثلاثية البعد عن سجون "داعش" لتجسيد زنازينها من الداخل، وتجسيد حياة السجناء وعمليات تعذيبهم فيها، وإسقاط الشهادات المصورة على تلك الأفلام، أو دمجها فيها. ووضع رسوم ومجسمات للسجون والمدن التي تقع فيها.
توثيق
من هذا كله وسواه الذي لا يزال يُجمع ويوثق، إضافة إلى الحصول على مزيد من الشهادات وصناعة المزيد من الأفلام الوثائقية، تمكن فريق عمل المتحف من إنجاز إعادة بناء "عالم داعش" الذي يكتنفه الغموض، ولم يظهر منه سوى القليل من الأخبار والصور المرعبة التي شاء التنظيم إشاعتها وبثها في العلانية العامة أيام حكمه. هكذا تحولت هذه المادة (أكثر من 70 ألف وثيقة ومئات الشهادات الصوتية المصورة) إلى متحف رقمي تفاعلي، يوثّق ويؤرخ جرائم التنظيم، ويركز على عالم السجون ودورها في حكمه. فالسجون كانت حلقة مركزية، بل الحلقة المركزية، في عمل التنظيم الذي حوّل مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية إلى سجنين كبيرين. ذلك أن "داعش" ما كان لعمله وعالمه أن يقوما ويتسلطا على المجتمعات التي حكمها بدون السجون والحسبة.
"متحف سجون داعش" مشروع يؤرخ تأريخا معاصرا فنيا ووثائقيا لحقبة زمنية غيرت تغييرا فادحا مجتمعات وجماعات ومدنا. لكن الفاعلين في ذلك التغيير لا يزالون غامضين. ومن أهداف المتحف الكشف عن أولئك الفاعلين الغامضين، وعن أشكال المقاومة التي اتبعها المجتمع سرا وجهارا لحكم التنظيم وأحكامه المدمرة.
أكثر من 70 ألف وثيقة ومئات الشهادات الصوتية المصورة تحولت إلى متحف رقمي تفاعلي يوثّق جرائم التنظيم
أما العاملون في المشروع منذ العام 2014، فيتراوح عددهم ما بين 150- 200 شخص يعملون في مجالات عدة ومتنوعة، فنية وبحثية واستقصائية: جامعو وثائق وأدلة. جامعو شهادات مسجلة صوتيا ومصورة ومكتوبة. مصورون محترفون. صحافيون ومحررون ومترجمون. مراسلون ميدانيون. حقوقيون وموثقون. معماريون وواضعو مجسمات ورسوم مدن وسجون. صانعو أفلام ثلاثية البعد (3D)... وقد تمكن هؤلاء جميعا متعاونين من صناعة هذا المتحف الفني والتأريخي، ضد الغفلة والنسيان ومحو الذاكرة والشلل الذهني والبلادة الشعورية وتعطيل الحياة والزمن.
شباب ما قبل "الربيع العربي"
وروى أحد المساهمين الأساسيين في صناعة فكرة المشروع ومناقشاتها واختباراتها، وتنفيذها أن "مؤسسة الشارع" كانت نشأتها قد سبقت بداية الثورة السورية (مطلع العام 2011) بأكثر من سنة. وهي عملت على تصوير أفلام وثائقية عن أحوال المجتمع السوري الذي نهضت فيه مجموعات شابة في دمشق وحلب وحمص والرقة، بعدما تحصلت لديها تطلعات وحساسيات وتجارب جديدة، حفزتها على طلب التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي في سوريا النظام الديكتاتوري عقب وفاة حافظ الأسد في العام 2000، وتوريث ابنه الرئاسة والسلطة.
سوريا في هذا المجال، شأنها شأن بلدان "الربيع العربي" التي عاشت فئات شابة فيها تفتحا في مجالات الإعلام والتواصل والثقافة والاعتراض السياسي على أنظمتها التي روّضت مجتمعاتها، خنقتها وأفقرتها وحطمتها ومنعت أشكال التعبير فيها، وجعلت الفساد والقمع سياسة وحيدة لإدارتها، طوال عقود. ودشن النظام السوري توريث السلطة في أنظمة عربية عسكرية ديكتاتورية لأبناء الرؤساء القادة العسكريين ولفئة من حاشياتهم الأمنية والاقتصادية الغارقة في الفساد ونهب الدولة والمجتمع.
من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان، نشأت وتشكلت بين 2000 و2010 مجموعات من الشباب من الجنسين التي سلكت سلوكا اعتراضيا جديدا في الفضاء العام على وسائط التواصل الاجتماعي وفي الشارع. وباشر ذاك السلوك نهجا وأسلوبا في الاعتراض مختلفين تماما عن الأحزاب كلها في تلك البلدان. وكانت أشكال التعبير الجديدة، الحرة والمفتوحة والمباشرة، في الفضاءين العام والخاص وفي الفضاء التواصلي، تخلط بين نمط العيش المعاصر والفنون المعاصرة والشعارات المحددة في اعتراضها على القمع السياسي الأمني والبوليسي، وعلى خنق المجتمع وتهميشه وإفقاره.
ضمت "مؤسسة الشارع" السورية واحدة من تلك المجموعات الشابة التي جعلت التصوير والأفلام الوثائقية وسيلتها التعبيرية الاعتراضية على نظام القمع والتهميش الاجتماعي. ولما قامت الثورة في سوريا، انطلقت تلك المجموعة وسواها إلى الشوارع والساحات العامة، مشاركةً في الاحتجاجات وتصويرها بكاميرات الهواتف المحمولة. وبين العامين 2011 و2016 تجمعت لدى "المؤسسة" مئات الأفلام الوثائقية المصورة بتلك الهواتف. وفي خضم الثورة كانت "الشارع" قد حصلت في العام 2012 على ترخيص من فرنسا وكندا، يتيح لها إقامة معارض دولية لأفلامها الوثائقية عن الثورة السورية.
وقد مهّد هذا كله لولادة مشروع "متحف سجون داعش" في العام 2017. وذلك بعدما أدّى قمع الثورة السورية الدموي المرعب، إلى الفتك بجيل سوري شاب كامل من المشاركين في نشاطاتها كافة. فمن لم يُقتل في الشوارع والساحات من ذلك الجيل الشاب السوري، اعتُقل وعُذب حتى القتل. أما من استطاعوا النجاة، فشُرِّدوا في العالم مع عشرات الألوف ومن شبان بلدان عربية أخرى، لا سيما في البلدان الأوروبية. وبعد شروع مئات منهم في العمل على تأسيس "متحف سجون داعش" تحلقت حولهم كثرة من أصحاب خبرات ثقافية وفنية وتطلعات إنسانية وحقوقية في بلدان أوروبية عدة، فتعاونوا معهم وعملوا إلى جانبهم في مجالات تعدّ من أساسيات النشاط الحقوقي والثقافي والفني في العالم المعاصر.
ضمت "مؤسسة الشارع" واحدة من تلك المجموعات التي جعلت التصوير والأفلام الوثائقية وسيلتها التعبيرية الاعتراضية على نظام القمع والتهميش الاجتماعي
المعرض الأول لـ"متحف سجون داعش" في مقر الـ"يونسكو" الرئيس بباريس، ليس سوى الفاتحة الرسمية الدولية الأولى لنشاطات المتحف الذي خصص السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة لتحويله من "متحف رقمي تفاعلي" إلى متحف مادي له بناؤه المستقل، على غرار المتاحف الوثائقية والفنية والتاريخية كافة في العالم المعاصر. وذلك ليضم ويحوي مقتنياته وأعماله ومنتجاته كلها.
ماذا يعرض المتحف؟
يعرض المتحف جولات ثُلاثيّة البعد في سجون "داعش" في العراق وسوريا. والجولات المصورة بواسطة كاميرات 360 درجة، تتيح للزائر: التنقّل داخل هذه السجون واستكشاف معالمها وتفاصيلها. قراءة المعلومات التوضيحية عنها. الاطلاع على شهادات المعتقلين والمعتقلات السابقين فيها. وتعرض الجولات مشاهد مشغولة تقنيا عن واقع تلك السجون عندما كان يستخدمها التنظيم، وأساليب التحقيق والتعذيب وحياة المعتقلين في داخلها. وهذا يتيح لزائر المعرض إعادة بناء مسارح الجرائم التي ارتكبها التنظيم.
لكن هذه الجولات لا تقتصر على السجون، بل تشمل مواقع لمقابر جماعية، قرى وشوارع، شهدت انتهاكات جسيمة على يد التنظيم. ويضمّ المتحف مجموعة من الأبحاث والتحقيقات حول سجون "داعش"، والأنظمة التي اتّبعها في مَجالَي القضاء والسجون. وهي تستكشف وتصف الظروف الغامضة التي غَيبت عشرات ألوف المختطفين، اعتمادا على مئات الشهادات والوثائق والأدلّة المحلّلة جنائيّا. وهناك أيضا تحقيقات عن المَقابر الجَماعِيّة والمجازر، وعن أشكال مقاومة المجتمعات التي سيطر عليها التنظيم، وعن دوافع وسياقات مقاومتها.
تشكل الشهادات المصوّرة لمعتقلين ومعتقلات سابقين، ولعائلاتِ مفقودين وناجين وناجيات من الاختطاف أو الاستعباد في سوريا والعراق، جزءا رئيسا من محتويات المتحف. وهي تشرح على لسان أصحاب تلك التجارب، أساليب "داعش" في ترهيب المدنيّين، وطرائقه في الاعتقال والتحقيق والتعذيب، والإعدامات داخل السجون وخارجها.
ينشر المتحف مقالات بحثية عن التجارب السجنية حول العالم، لدراسة معطيات التشابه بينها. فالوحشيّة التي أبداها التنظيم لم تولد فجأة، بل نشأت في سياقات تاريخيّة لأنظمة ديكتاتوريّة تمتلك سجونا سيئة السمعة، وارتبطت بها.
ويعرض المتحف مجموعات من الوثائق التي حصل عليها عقب انسحاب التنظيم من سجونه. وينشر دوريا ملفات متنوعة، عبر الموقع الإلكتروني www.isisprisons.museum ، باللغتين العربية والإنكليزية. وقد أُتيح للجمهور في أكتوبر/ تشرين الأول 2014. يحيط كل من الملفات بسجن أو مجموعة سجون متشابهة من خلال عرض جولات ثلاثية البعد، مع مجموعات الوثائق المرتبطة بها، والشهادات التي سُجلت مع ناجين وناجيات. وهناك أيضا تحقيقات استقصائيّة وأبحاث وقوائم بيانات ومقالات في كل ملف. وللمتحف منصات أخرى في وسائل التواصل الاجتماعي، تعرض المحتوى المنشور في الموقع الإلكتروني وأجزاء منه.
ويقيم المتحف معارض في أماكن مختلفة حول العالم، لعرض وتوضيح الأدلة الجنائية التي جرى التوصل إليها عبر دراسة وتحليل مواقع سجون التنظيم والمقابر التي خلفها.
أهداف المتحف ومعارضه
يعمل المتحف على رفع الوعي العربي والعالمي بجرائم تنظيم "داعش"، فيقدم مجموعات ضخمة من الأدلة حولها، ويوثق سِيَر الضحايا والناجين، للدفع بمسارات العدالة والمساءلة. ويمكن تلخيص أهدافه كالتالي:
إحياء ذكرى الضحايا، ورفع أصوات الناجين والناجيات.
الكشف عن جرائم "داعش" عبر توثيق المواقع باستخدام تقنيات تصوير ثلاثية البعد، وإعادة بناء مسارح الجرائم.
وضع جرائم "داعش" في سياقها التاريخي والسياسي، لتوضيح علاقتها بالجرائم الأخرى التي ارتُكبت في المنطقة.
مناصرة جهود العدالة، وبناء مجموعات من الأدلة تخدم الإجراءات القانونية المتخذة، أو التي قد تتخذ لاحقا ضد عناصر التنظيم.
يضمّ المتحف مجموعة من الأَبحاث والتحقيقات حول سجون "داعش"، والأنظمة التي اتّبعها في مَجالَي القضاء والسجون
لا ينشر المتحف أسماء أعضاء الفريق، لأسباب تتعلق بسلامتهم. فتنظيم "داعش" اغتال في السابق عاملين في التوثيق والتصوير، ولا تزال خلاياه النشطة تعمل حتى اليوم في سوريا والعراق، ومناطق أخرى من العالم. وهي تشكل تهديدا ومصدرا للخطر.
ويتوفر المتحف على إحصاءات يمكن إجمالها كالتالي:
أكثر من 100 سجن وموقع موثق حتى الآن، والمزيد منها قيد العمل.
أكثر من 70 ألفا من وثائق "داعش"، جرى التحقق منها وأرشفتها وتحليلها.
مئات الساعات من المقابلات المسجلة مع الشهود والشاهدات.
أكثر من 500 شهادة مصورة وموثقة.
عشرات المقابر الجماعية الموثقة.
أكثر من 1000 اسم موثق، كتبت على جدران السجون.
بين الرقة والموصل
يتضمن معرض "متحف سجون داعش" في الـ"يونسكو" مادة وثائقية وبحثية وأفلاما ثلاثية البعد عن سجن الأحداث في مدينة الموصل العراقية، بعدما حوّله "داعش" في العام 2014، سجنا أمنيا لمدة 46 يوما، وخصصه للمتهمين بقضايا حساسة مثل معارضة التنظيم أو التخابر ضدّه. ويمكن لزائر المعرض التنقل في قاعات السجن الـ 18. فكاميرات المتحف مسحت جميع تفاصيل وزوايا المبنى عام 2020، بناء على شهادات الناجين منه، وعلى التحليلات المعمارية للسجن، الذي أُعيد تجسيد واقعه وظروف الاعتقال فيه، في مرحلتي التنظيم والاحتلال الأميركي للعراق.
وفي المادة الوثائقية البحثية تُدرس بنية السجن كميتم سابق، ثمّ كسجن للأحداث أيام النظام العراقي السابق، قبل أن يحوله "داعش" إلى سجن. وهناك أيضا تحقيق استقصائي عن "المقاومة المدنية في الموصل: حكايات مَنْ واجهوا داعش". وهو يركز على أنماط مختلفة، فردية ومنظمة، من المقاومة المدنية ضد التنظيم في الموصل، استنادا إلى 18 مقابلة مع ناشطين وشهود عيان وحقوقيّين، إلى جانب عائلات النشطاء الذين قضوا على يد التنظيم.
إلى جانب سجن الأحداث، تُعرض معلومات عن 15 سجنا أمنيا آخر استعملها "داعش" في الموصل: طبيعتها ومواقعها، وتهم المعتقلين فيها، وأبرز سجانيها، وهيكلها الإداري، بناء على شهادات ناجين منها.
ومن مدينة الرقة السورية يعرض المتحف في معرضه في الـ"يونسكو" مادة وثائقية بحثية ومصورة بطريقة ثلاثية البعد عن سجن "الملعب البلدي" في المدينة. وقد استعمله التنظيم سجنا أمنيّا بين 2013 و2017، وغيّب فيه المئات من أبناء الرقة. وعُرف بـ"سجن النقطة 11" أو "سجن الملعب الأسود". يستطيع زائر المعرض القيام بجولة مرئيّة داخل قبو الملعب، والتنقل في القاعات الـ 46 للسجن. وبناء على شهادات الناجين منه، إلى جانب التحليل المعماري، أعاد المتحف تجسيد واقع المكان أثناء سيطرة التنظيم على الرقة. وهذا يمكِّن من جلاء صورة عن حياة المعتقلين اليومية بتفاصيلها، وعن أساليب التحقيق والتعذيب، وعما خلّفه المعتقلون من ذكريات على الجدران.
وهناك تحقيقان عن تحوّل ملعب الرقّة البلديّ إلى أخطر سجون "داعش". يستعرض الأول تأسيس الملعب البلدي في الرقّة، وتحوّله مسرحا لصراع الفصائل الجهادية التي سيطرت عليه بدءا من العام 2013 وحوّلته إلى مكتب إعلامي ثم سجن تابع للهيئة الشرعية. ويغطي التحقيق سنوات سيطرة التنظيم على الملعب، لفهم تراتبيّة القيادات الهرميّة في السجن، وتقديم صورة عن ظروف المعتقلين. وقد أُنجِز التحقيق بعد تحليل عشرات الشهادات المرئيّة والمسموعة التي جمعها المتحف.
أما التحقيق الثاني فعنوانه "الرقّة وطيف داعش: تحولات الصراع والمقاومة المدنيّة". ويركز على المناخ الذي ساد مدينة الرقّة خارج أسوار الملعب في تلك الحقبة، ويستعرض أشكال المقاومة المدنية التي ظهرت في المدينة.
ويعرض المتحف 20 وثيقة عثر عليها في الملعب البلدي عام 2017، بينها مذكرات اعتقال وتوقيف في حق مواطنين في الرقة، إضافة إلى إفادات وشهادات عن قضايا تتعلق بمدنيين وعناصر في التنظيم، وبطاقات أمنية.
وهناك شهادة حصرية من أحد سجاني "النقطة 11" سجلها المتحف في إطار العمل على توثيق ودراسة السجن. وترد في الشهادة معلومات وتفاصيل ومشاهدات كثيرة ومهمة عن السجن.