ليس بإمكان سوزي وايلز السيطرة على كل شيء. خذ مثلا رئيسها دونالد ترمب: تبجحه طيلة مسار الحملة، ومنشوراته غير المدققة على وسائل التواصل الاجتماعي، وضيوفه المشكوك فيهم في مارالاغو. لقد جعلت بعض هذه الأمور، وظيفتها أصعب. كما أنها لا تملك تأثيرا على الديمقراطيين، الذين أضاف قرارهم باستبدال جو بايدن طبقات أخرى المزيد من التحديات إلى خططها، بعد أن كانت السيدة وايلز قد بنت استراتيجيتها حوله.
لكن السيدة وايلز، الجدة البالغة من العمر 67 عاما، والتي أمضت عقودا في مساعدة الجمهوريين على الفوز بالانتخابات في فلوريدا، تبذل قصارى جهدها للتحكم فيما يمكنها السيطرة عليه. إنها شخصية متزنة، شديدة التنظيم، وقادرة على حل المشكلات بفعالية. وقد تبدو للوهلة الأولى، بفضل ستراتها الفضفاضة ونظاراتها الشمسية العاكسة وشعرها الأشقر الذي يميل أحيانا إلى الفضي، سيدة صارمة. لكنها، بحسب جميع الشهادات، دافئة وودودة. استطاعت السيدة وايلز بناء شبكة قوية من السياسيين وخبراء السياسة وجماعات الضغط والمراسلين. وأصبح الموظفون المخلصون الذين استقطبتهم للعمل في حملة ترمب يُعرفون بـ"مافيا فلوريدا".
اعتمد نجاح وايلز كمديرة فعلية لحملة ترمب على ما قرره الناخبون في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. ومع ذلك، فقد حققت السيدة وايلز المتواضعة، التي تتجنب الأضواء وتسارع إلى نسب الفضل للآخرين، الكثير بالفعل. فالسيد ترمب، الذي غادر البيت الأبيض في عام 2021 منبوذا سياسيا، عاد إلى منصبه منتصرا.
ساعدت السيدة وايلز ترمب على تحقيق الفوز في فلوريدا خلال انتخابات 2020، على الرغم من خسارته للرئاسة
وفي حديثها مع صحيفة "بوليتيكو"، اعترفت بأنها ترى تشابهات بين ترامب ووالدها الراحل، "بات سوميرال،" الذي كان لاعب كرة القدم الأميركية قبل أن يتحول إلى مذيع رياضي مشهور، وكان يعاني من إدمان الكحول. وكان، مثل السيد ترمب، رجلا صعب المراس. ورغم ذلك، حرصت والدتها على أن تسير الأمور في المنزل بشكل جيد، إلى أن أقنعته أخيرا بالخضوع للعلاج.
عاشت السيدة وايلز حياة مزدهرة في نيوجيرسي، حيث مارست رياضتَي التنس وكرة السلة. ودخلت عالم السياسة من خلال العمل مع جاك كيمب، عضو الكونغرس الجمهوري من نيويورك وزميل والدها السابق في الفريق. وبعدها، عملت مع رونالد ريغان، في حملته الرئاسية ثم في البيت الأبيض، قبل أن تنتقل في عام 1985 إلى فلوريدا مع زوجها آنذاك.
أسست السيدة وايلز شركة استشارات سياسية في جاكسونفيل، وقامت بتربية ابنتيها. وعملت مع ثلاثة عُمْدات مدن جمهوريين، وحققت سمعة كناشطة سياسية ذكية وعملية وذات علاقات واسعة. وقد ساعدت رجل أعمال غير معروف آنذاك يدعى ريك سكوت في الفوز بمنصب حاكم الولاية، وهو الآن عضو في مجلس الشيوخ. ويبدو أن دافعها الأكبر هو تحدي الفوز في الحملة أكثر من مجرد التزام أيديولوجي ثابت، ومع ذلك، لم يكن أي من رؤسائها السابقين صعب المراس مثل السيد ترمب.
كانت فلوريدا في عام 2016 ولاية متأرجحة يُنظر إليها كمؤشر على اتجاهات الانتخابات. في تلك الفترة، تواصل ترمب مع السيدة وايلز لتولي قيادة عملياته في فلوريدا، حيث كان يقضي جزءا من وقته في منتجعه مارالاغو في بالم بيتش. وصرحت وايلز لصحيفة "نيويورك تايمز" قائلة: "بصفتي عضوا في المؤسسة الجمهورية، اعتقد الكثيرون أن دعمي الكامل لترشيح ترمب كان خطوة غير مدروسة- بل وربما مجنونة". وفي خريف ذلك العام، ومع تراجع استطلاعات الرأي، كان ترمب على وشك إقالتها (يُقال إنه عنفها وهو يتناول شريحة لحم في مارالاغو)، لكنها ظلت متمسكة بقدرتها على تحقيق النجاح.
وكما سارت الأمور في فلوريدا بالنسبة لترمب، كذلك سارت في بقية أنحاء البلاد. فيما بعد، عملت السيدة وايلز مع رون دي سانتيس، عضو الكونغرس الذي لم يكن معروفا، وجرى إنقاذ حملته لمنصب الحاكم بدعم من ترمب. ورغم فوزه، اختار دي سانتيس بغباء قطع علاقته معها. وساعدت السيدة وايلز ترمب على تحقيق الفوز في فلوريدا خلال انتخابات 2020، على الرغم من خسارته للرئاسة.
بعد هزيمته وأحداث الشغب في الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني، لم يكن من الواضح ما إذا كان سيترشح مجددا. ولكن في أوائل عام 2021، عندما لم يتجرأ الكثير على المخاطرة، وافقت وايلز على الانضمام إلى لجنة جمع الأموال التي أسسها ترمب لدعم انتخابات التجديد النصفي. وخلال أسابيع، تولت وايلز مسؤولية إدارة العملية الفوضوية التي تلت مغادرة ترمب للبيت الأبيض، والتي دعمت المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية، وغطت الرسوم القانونية لحلفاء ترمب، ورسمت خطة لتحركات الرئيس السابق المستقبلية.
زعمت السيدة وايلز أنها نجحت في إقناع رئيسها ببعض الخطوات العملية، مثل تشجيع مؤيديه على التصويت عبر البريد، وتخفيف حدة تصريحاته بشأن "الانتخابات المسروقة"
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن ترمب ترشحه مرة أخرى. وعملت السيدة وايلز، إلى جانب كريس لاسيفيتا، مدير الحملة المشارك (وإن كانت هي القائدة الفعلية)، على تطوير استراتيجية تركز على نقاط قوة مرشحهما. في البداية، كان السيد دي سانتيس، الذي طمح إلى الترشح باسم الحزب الجمهوري، يتمتع بتمويل أكبر وحضور أبرز في ولاية آيوا، حيث تُعقد أول انتخابات تمهيدية للجمهوريين. لذا، وبدلا من اتباع حملة طرق أبواب واسعة النطاق، تبنّيا خطة مختصرة ودقيقة تستهدف الوصول إلى أنصاره المحتملين غير المسجلين للتصويت، مما حقق فوزا كبيرا في آيوا. وفي الانتخابات العامة، ركزا على ترويج رواية بسيطة وواضحة، أثبتت نجاحها وفقا لاستطلاعات الرأي في يوليو/تموز، عملت على تصوير بايدن كرئيس ضعيف وترمب كرئيس قوي. كما دفعا نحو تبني منصة حزبية مختصرة، حيث لا مزيد من "الطروحات المطولة" وفق تعبيرهما. وكانت النتيجة وثيقة مكونة من 16 صفحة تتضمن سياسات ترمب الأساسية، مصاغة بأسلوبه المميز تحت شعار "نحن أمة في تدهور خطير".
زعمت السيدة وايلز أنها نجحت في إقناع رئيسها ببعض الخطوات العملية، مثل تشجيع مؤيديه على التصويت عبر البريد، وتخفيف حدة تصريحاته بشأن "الانتخابات المسروقة". في الواقع، لا يزال ترمب يعانى من شكوك مستمرة حول نزاهة الانتخابات، ويصر على أنه الفائز الحقيقي في عام 2020، كما أنه لم يستطع الحفاظ على انضباطه لفترات طويلة. ومع ذلك، فإن رسالته لا تزال تجد صدى واسعا، فيما يستمر أسلوبه في جذب الانتباه، وعيوب شخصيته تترك الكثير من الجمهوريين إما مؤيدين متحمسين أو على استعداد لتجاوز تحفظاتهم للتصويت له.
وإذا كان هناك عدد كاف من الجمهوريين على استعداد لذلك، فقد تواجه السيدة وايلز تحديا أكبر في إدارة ترمب... مع منصب رئيس أركان البيت الأبيض.