خاب ظنّ كثر، من مشاهدين ونقاد، بالنسخة الثانية من "جوكر"، المعنونة "معا في الجنون"، وذهب بعضهم إلى حدّ وصمه بالفشل التام والسقوط المريع لمخرجه تود فيليبس (وكاتبه مع سكوت سيلفر) وممثليه الرئيسيين واكين فينيكس وليدي غاغا. لعلّ خيبة الأمل هذه نابعة في المقام الأول من طول الانتظار (صدر الجزء الأول في 2019)، ومن جبل التوقعات الذي تراكم حول ما قد يأتي به الجزء المكمّل، لتأتي النتيجة بحسب هؤلاء باهتة مفتقرة إلى التماسك، فاقدة للرؤية، خائنة لشخصية "الجوكر"، والأهم من كلّ هذا لعنصر الإدهاش الذي رافق الجزء الأوّل وسوّر توقّعات الجزء الثاني.
غير أن كلّ هذا يبدو آتيا من خارج الفيلم نفسه أو من هوامشه، وليس من الفيلم نفسه ولا من صنّاعه. فالفيلم كما ظهر أخيرا، لا ينشغل كثيرا بالإبهار والإدهاش ولا بالمشهديات الهوليوودية الضخمة، ولا بالجرعات الكافية من الجنون، الذي يعني هنا، بالنسبة إلى العيون المترقّبة، قدرا هائلا من العنف مصحوبا بالسيونوغرافيات المدينية المعتادة لهذا العنف.
من يبحث عن رفع منسوب الأدرينالين لديه لن يجده في هذا الفيلم، والأرجح أن يسيء قراءته والتفاعل معه من البداية وحتى النهاية الدراماتيكية، التي جاءت لتتوّج – بالنسبة إلى المستائين – سلسلة خيبات الأمل تلك. ربما كانت الهالة الإنتاجية التي استبقت عرض الفيلم، لأغراض تجارية ترويجية، مسؤولة بالقدر ذاته عن سوء التلقّي هذا. صدمة كهذه لطالما رافقت إنتاجات سينمائية غلفها القدر ذاته من الترقّب، ولعلنا نجد في "العراب" بجزءيه الثاني والثالث أو "بلايد رانر 2"، شيئا من هذا القبيل.
أيّ "جوكر" نريد
يتوقّف تلقي "معا في الجنون" إلى حدّ كبير، على أيّ نسخة من "الجوكر" نريد أن نرى. بالنسبة إلى عشاق الجزء الأول من "الجوكر" (2019)، الذي يفترض أنه يقدّم تفسيرا خاصا لأصل هذه الشخصية ونشأتها وتطورها، انطوت الشخصية على قدر كبير من الهالة التاريخية، فهو عصابي، سايكوباتي، كاره للمجتمع، ميّال إلى تدميره، وهذا المنحى الذي مضت به الشخصية، تقبّله كثر ممن يألفون قصة "الجوكر" من عوالم "دي سي كوميكس" كما ظهرت للمرة الأولى عام 1940 على يد الثلاثي بيل فينغر وبوب كاين وجيري روبنسون، أو من المسلسلات والأفلام التي جاءت بعد ذلك، كما تقبّله من يتعرفون الى هذه الشخصية للمرة الأولى.