جدال في اليمن حول رواية لم تُقرأ بعدhttps://www.majalla.com/node/322969/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%8F%D9%82%D8%B1%D8%A3-%D8%A8%D8%B9%D8%AF
ما إن نشر "اليوتيوبر" اليمني جلال الصلاحي غلاف روايته، "محاولة"، التي يعتزم نشرها لدى دار "عناوين" في القاهرة، حتى تفاعل العديد من اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، مستنكرين خوض الصلاحي في الكتابة الأدبية، بحجة الأسلوب الحاد الذي اشتهر به والمتضمّن أحيانا الفاظا لاذعة تجاه معارضيه السياسيين، على اختلاف مستوياتهم.
يرى منتقدو الصلاحي أن أسلوبه النقدي الحاد لا يؤهله لكتابة الرواية، وذهب بعضهم إلى القول إنه ربما دفع لمؤلف آخر لكتابة الرواية نيابة عنه. وأكد بعض المعارضين أنهم ليسوا في حاجة لانتظار صدور الرواية لتقييمها، إذ يعتقدون أن الصلاحي غير قادر على إنتاج عمل ذي قيمة أدبية، وفي حال جاءت الرواية جيدة، فسيكون ذلك دليلا على أنها ليست من كتابته.
وباستثناء قلة من الذين دافعوا عن الكاتب، فإن معظمهم لم يقبلوا النقاش حول آرائهم، وكان من اللافت أن الصلاحي التزم الهدوء، على غير عادته، واكتفى بمشاركة المنشورات القليلة التي دافعت عنه وعن حقه في الكتابة.
من يكتب الرواية؟
يستند البعض في تحديد من يحق له كتابة الرواية، إلى معايير تقليدية تعتبر الأديب صاحب رسالة، ذا لغة رفيعة تحظى باحترام المجتمع. غير أن هذا المنظور قد يبدو متقادما، إذ يُظهر تاريخ الأدب أن الكتابة لم تكن حكرا على المثقفين التقليديين. فقد برز شعراء وكتاب متمردون مثل الشعراء الصعاليك قبل الإسلام وفي العصر العباسي وحتى عصرنا الحالي.
يرى منتقدو الصلاحي أن أسلوبه النقدي الحاد لا يؤهله لكتابة الرواية، وذهب بعضهم إلى القول إنه ربما دفع لمؤلف آخر لكتابة الرواية نيابة عنه
ولم يعد القول بأن الرواية مجال يختص به المحترفون من الكتاب مجديا. ففي السابق كان ألكسندر دوما يستمع الى تجارب الرحالة ليكتب رواياته، كما عمل ماركيز حين أنصت إلى حكايات الناجين من الغرق في البحر، وعبد الرحمن منيف في توثيقه بعض تجارب من عرفهم في السجون العربية. أما الآن فمعظم من لهم تجارب خاصة، بغض النظر عن أهميتها، يعملون على تدوينها ونشرها، سواء بجهدهم الخاص أو بتعاون محرّرين ومصحّحين.
وقد قرأنا سيرا روائية كتبها لصوص ومهربون وتجار مخدرات وسياسيون ومومسات وخونة لأوطان وحبيبات، وفي مختلف المستويات. فهناك من المومسات، مثلا، من تقتصر حكاياتهن على إطار ممارساتهن بيع أجسادهن، فيما أخريات تبدو قصصهن أكثر من ذلك، كحال الفرنسية كريستين دوفيه مؤلفة كتاب "عاهرة الجمهورية" التي لم تقتصر حكاياتها مع المسؤولين، على ما ورد في الكتاب، بل زادت الكثير منها بعد النشر.
وسواء كتب هؤلاء سيرهم وتجاربهم بأسلوب المذكرات أو بطريقة روايات السير ذاتية، فقد كانت لافتة في مواضيعها المقدّمة، وصارت في جرأتها جنبا إلى جنب مع كاتب شهير مثل جان جينيه صاحب "يوميات لص" أو مع روايات هنري ميلر وتشارلز بوكوفسكي ومحمد شكري.
وربما لو أطلع منتقدو الصلاحي على مثل هذه الكتابات لوجدوه محافظا، مقارنةً بهم، ولأقرّوا بحقه في التعبير عن نفسه مهما كانت وسيلته، هذا إذا لم يعتبروا هؤلاء الكتاب "قليلي أدب" أو ليسوا أدباء بحسب معيارهم.
على كل حال، لم يعد في إمكان أحد منع الآخر من الكتابة والنشر ما دامت هناك مطابع ووسائط نشر متاحة للجميع.
ما يمكن ذكره هنا في شأن رواية الصلاحي، أن الكاتب سبق ونشر الرواية على "تويتر" و"فيسبوك" تحت عنوان "القاشقجي"، وهو لقب مهرّب اللاجئين في مدينة كاليه الفرنسية، إلا أن الجميع لم ينتبهوا إلى أن الرواية هي نفسها المعلن عنها بعد تغيير عنوانها إلى "محاولة". وأتذكر أنني حين قرأت الحلقة السادسة والثلاثين من الرواية، طلبت من الكاتب أن يرسل إليّ النص كاملا، فاستجاب طلبي وأرسل إليّ معه مسودتين لروايتين أخريين. وفي الحقيقة لم تستهوني الروايتان بسبب تبنيهما خطابا سياسيا مباشرا، إذ لم اقرأ منهما سوى بضع صفحات. واقترحت عليه وقتها أن يسلّم الرواية التي شدتني وقرأتها في جلسة واحدة الى محرر أدبي لإعادة صياغتها وتحريرها، حيث أنها كُتبت بلغة بسيطة فيها الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية، وهذا ما استجاب له الصلاحي. ولا يبدو لي وجود مشكلة أو عيب في الاستعانة بمحرر أدبي، وقد كتبتُ قبل أسابيع عن رواية متميزة، ذُكر في صفحتها الرابعة اسمان قاما بتحريرها. ويمكن القول إن الصلاحي قد أوقع أصحاب الآراء المتسرعين في إصدار الأحكام، لأن هذه الرواية لا يمكن لأحد كتابتها سوى جلال الصلاحي نفسه، لسبب وحيد هو أنها تتناول محاولته في الهجرة من اليمن إلى أوروبا، أي أنها رواية سيرية، أو رواية سيرة ذاتية، عن مرحلة من عمر الصلاحي نفسه.
لم يعد في إمكان أحد منع الآخر من الكتابة والنشر ما دامت هناك مطابع ووسائط نشر متاحة للجميع
ماذا في الرواية؟
كُتبت الرواية بضمير الأنا الساردة، حيث يروي جلال الصلاحي قصته الشخصية. تبدأ الأحداث حين يلتقي الكاتب بسيدة ألمانية في عدن كانت تبحث عن محل لشراء بعض الحاجيات، فيرشدها إلى بقالة قريبة. بعد ذلك يرافقها إلى الفندق الذي تقيم فيه حيث يشربان الشاي معا، وتعطيه عنوانها في المانيا للتواصل وتدعوه الى زيارتها حين يصل زوجها من المانيا لحضور مؤتمر في عدن، لكنّه لم يذهب في اليوم التالي كما طلبت، وعندما قرر زيارتها بعد يومين، فوجئ بأنها غادرت مع زوجها. تمرّ الأيام ويعاني جلال من صعوبات في العمل والحياة، فيتذكّر عنوان السيدة الألمانية وزوجها، الذي يعمل رئيسا لجامعة في برلين. يكتب إليهما طلبا لدعوته هو وصديقه لزيارة المانيا، وهذا ما يتحقق، فسافرا إلى المانيا وهناك حاولا أن يطلبا اللجوء لكنهما يُفاجآن بأن عليهما انتحال شخصيتين صوماليتين ليتم قبول طلبهما، وبأن أجر العمل في المزارع وغيرها سيكون زهيدا.
حاولا أن يعيشا رغم الظروف القاسية، وتدبرا المصاريف، وقررا أثناء ذلك أن يعملا لكي يجمعا مالا يساعدهما في الهرب إلى فرنسا ومنها إلى بريطانيا. وهذا ما تحقق لأحدهما، حيث يصلان إلى مدينة مونبيلييه الفرنسية حيث تعيش أخت جلال، لكنه بدا محافظا أمام صديقه الذي معه، وصديقه الآخر الذي أوصلهما، إذ حاول أن لا يظهر أخته أمامهما، فادعى أن لديه قريبا هناك، ونسق مع أخته لتترك لهما الشقة للنوم، لكنه يضطر لاحقا لطلب مرافقتها إلى محطة القطار لتساعدهما في قطع التذاكر إلى باريس ومنها إلى كاليه، حيث يتجمع المهاجرون آملا في العبور إلى بريطانيا.
يصف الصلاحي أيّام كاليه بطريقة مدهشة ومؤلمة، حيث يعيش طالبو الهجرة في ظروف قاسية بين الغابات والمستودعات وسط البرد والأوساخ. يتحدث عن لطف الناس الذين يساعدونهم فيأخذونهم إلى منازلهم ليستحموا، أو يوزعون لهم الشطائر. وكل يوم هناك محاولات لتجاوز الحدود عبر الشاحنات بالتخفي بين البضائع، لكن غالبا ما ينتهي الأمر إما في أماكن مقفرة أو بين أيدي شرطة الحدود. ونادرا ما ينجح البعض في العبور.
يعرض الصلاحي أساليب تهريب الناس والمهرّبين ويرصد انفعالات طالبي اللجوء المتشوقين لحياة كريمة تؤمن لهم مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم، غير مبالين بما قد يتلقونه من أخطار، كلّ ذلك يقدمه بلغة بسيطة ومشوقة.