العراق سيدفع ثمن الخطوة الإيرانية ضد إسرائيل

لا ريب في أن إيران مدركة لتداعيات المواجهة المباشرة

رويترز
رويترز
نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ يعترض صواريخ بعد أن أطلقت إيران وابلا من الصواريخ الباليستية

العراق سيدفع ثمن الخطوة الإيرانية ضد إسرائيل

في الوقت الذي بدأت فيه آمال التهدئة تلوح في الأفق، راحت السحب الداكنة تتجمع من جديد، منذرة باضطرابات جديدة. ففي أعقاب الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في 26 أكتوبر/تشرين الأول، ألمحت التقارير الأولية إلى أن طهران قد تتراجع عن الرد، ما أعطى شعورا عابرا بالارتياح في منطقة أنهكتها أشهر من الأعمال العدائية المتبادلة، حيث كاد كل تبادل للضربات يلامس حد الحرب الشاملة. ولكن الآمال بدأت تتراجع، إذ تشير معلومات استخباراتية جديدة الآن إلى حدوث تحول في موقف طهران. فبعد تقييم الأضرار الناجمة عن الضربات الإسرائيلية، يبدو أن إيران تستعد للرد، ما يثير المخاوف من دورة انتقامية طويلة الأمد.

ولا ريب في أن إيران مدركة تماما للتداعيات المحتملة للمواجهة المباشرة. فالاشتباك العلني مع إسرائيل سيجعل إسرائيل تشن المزيد من الهجمات على مواقع إيران الاستراتيجية، وهو تصعيد مكلف تسعى طهران ما استطاعت إلى تجنبه. وبدلا من ذلك، تكشف مصادر مقربة من المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين على حد سواء أن طهران تدرس نهجا أكثر استراتيجية، يقوم على استخدام الأراضي العراقية كقاعدة لإطلاق المسيرات بدلا من الأراضي الإيرانية، الأمر الذي سيضع العراق في موقف محفوف بالمخاطر بشكل متزايد، ولاسيما أن الحكومة العراقية عاجزة عن كبح جماح الميليشيات التي تعمل بالنيابة عن إيران، وبذلك تخاطر بالانجرار أكثر فأكثر إلى الصراع، وربما يصبح ساحة معركة جديدة.

ومع تصاعد التوترات، تواجه سوريا أيضا حالة من عدم اليقين المتجدد، نظرا لوجود آلاف المقاتلين العراقيين المتمركزين هناك الذين قد يشاركون في الرد الإيراني وقد تستهدفهم بالتالي الهجمات الإسرائيلية. وهكذا نجد أن المنطقة تقف من جديد على شفا مرحلة جديدة متقلبة، وتتبدد الآمال العابرة في الانفراج بالسرعة نفسها التي ظهرت فيها.

تفاصيل الانتقام المحتمل لإيران غير واضحة المعالم، من حيث التوقيت والطريقة، ونقل "أكسيوس" عن مصادر إسرائيلية أن الهجوم قد يقع خلال أيام

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، بأن ثلاثة مسؤولين إيرانيين أكدوا نية طهران الرد على الضربات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل. ووفقا للتقرير، كلّف المرشد الإيراني علي خامنئي، المجلس الأعلى للأمن القومي بوضع خطة انتقامية. ويبدو أن هذا القرار جاء بعد مراجعة خامنئي لتقرير موسع من كبار القادة العسكريين أشار إلى أضرار جسيمة لحقت بمنشآت إنتاج الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي قرب طهران والبنية التحتية الحيوية للطاقة، إضافة إلى ميناء رئيس في الجنوب. وأوضح التقرير أن حجم ضربات إسرائيل– إلى جانب الخسائر البشرية، بما في ذلك مقتل أربعة جنود إيرانيين على الأقل– كان كبيرا لدرجة لا يمكن تجاهله. واعتبر خامنئي أن عدم الرد سيعد اعترافا بالهزيمة.

وعززت تصريحات من مسؤولين إيرانيين هذا التحول في الموقف، فأعلن علي فدوي، نائب قائد "الحرس الثوري" الإيراني، أن "رد إيران على العدوان الصهيوني مؤكد"، في أول إشارة رسمية إلى نية إيران الانتقام لضربات إسرائيل في 26 أكتوبر على الأراضي الإيرانية. وفي اليوم ذاته، أفاد موقع "أكسيوس" بأن المخابرات الإسرائيلية التقطت إشارات تدل على هجوم وشيك من إيران، مستندة إلى مصدرين إسرائيليين لم يُذكر اسمهما.

رد بالوكالة

وفيما لا تزال تفاصيل الانتقام المحتمل لإيران غير واضحة المعالم، من حيث التوقيت والطريقة، نقل "أكسيوس" عن مصادر إسرائيلية أن الهجوم قد يقع خلال أيام. وعلى الرغم من اختلاف التقديرات الزمنية، فإن كل التقديرات تشير إلى أن الهجوم وشيك.

أ.ف.ب
أشخاص يزورون موقع بقايا صاروخ إيراني في صحراء النقب في 3 أكتوبر، عقب هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل

ومن الناحية التشغيلية، تشير المصادر إلى أن إيران من المرجح أن تُسند المهمة إلى حلفائها في العراق، لتقليل خطر الانتقام الإسرائيلي المباشر على الأراضي الإيرانية. ويأتي اختيار الفصائل العراقية لتنفيذ هذه المهمة في إطار استراتيجية إيران المعتادة في استخدام القوى الوكيلة في المنطقة. ولا تقتصر ميزة هذه المجموعات على كونها أقرب إلى المواقع الإسرائيلية، سواء شنّت الهجمات من العراق أو سوريا، بل هي تبدو أيضا ملتزمة بشكل متزايد بتصعيد عملياتها ضد إسرائيل. وتعرف هذه الفصائل بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، وكانت بدأت الإعلان عن هجماتها ضد إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وبحلول يونيو/حزيران 2023، كانت قد دخلت في شراكة مع الحوثيين في اليمن في عمليات مشتركة، ما يشير إلى تعاون أعمق داخل "محور المقاومة" الإيراني.

تصعيد هجمات "المقاومة الإسلامية في العراق"

وفي أعقاب غارة جوية يُرجح أنها إسرائيلية، وقعت في 20 سبتمبر/أيلول وأسفرت عن مقتل قائد في كتائب "حزب الله العراقي" في سوريا، كثفت "المقاومة الإسلامية في العراق" عملياتها ضد إسرائيل. وازدادت فعالية ضرباتها الانتقامية بشكل ملحوظ، حيث تمكنت من اختراق المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل والوصول إلى أهدافها المحددة.

وقع الحادث الأكثر تدميرا في 4 أكتوبر، عندما أفاد الجيش الإسرائيلي عن هجوم بطائرة مسيّرة أُطلقت من العراق، وأسفر عن مقتل جنديين وإصابة أكثر من 20 آخرين. ورغم أن "المقاومة الإسلامية في العراق" أعلنت مسؤوليتها عن هجمات ضد الأراضي الإسرائيلية منذ ما يقارب العام، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي يعترف فيها الجيش الإسرائيلي علنا بسقوط قتلى وجرحى جراء هجمات نفذتها فصائل عراقية.

قام مسؤولون أمنيون عراقيون بزيارتين إلى طهران مؤخرا، سعيا للحصول على مساعدة إيران في كبح جماح حلفائها العراقيين

ولعل في هذا التصعيد دلالة على أن "المقاومة الإسلامية في العراق" قد طورت قدراتها العملياتية أو تلقت دعما من جهات أكثر كفاءة، مثل إيران أو "حزب الله" أو الحوثيين، أو لعلها كانت تمتلك هذه القدرات منذ فترة، ولكنها أجلت استخدامها بالكامل حتى اليوم. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن قدرة "المقاومة الإسلامية في العراق" واستعدادها لإلحاق أضرار أكبر بإسرائيل قد ازدادا، وهذا ما يفسر قرار إيران بتفويض ردها لهذه الفصائل.

حكومة عراقية عاجزة

في المقابل، حاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لشهور طويلة إقناع "المقاومة الإسلامية في العراق" بوقف هجماتها الصاروخية والجوية على إسرائيل، ولكن دون جدوى. ووفقا لمصادر "رويترز"، حذرت فصائل رئيسة مثل "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء" رئيس الوزراء من ممارسة أي ضغوط لوقف هذه الهجمات، وتعهدت بمواصلة عملياتها إذا ما استمرت إسرائيل في عملياتها في غزة ولبنان.

ولئن كان في ذلك درس يستفاد منه فهو أن سلطة الحكومة العراقية على هذه الفصائل محدودة للغاية، على الرغم من أنها تعمل داخل الحدود العراقية وتحت اسم الدولة. وفي هذا مؤشر على ولاءات "المقاومة الإسلامية في العراق" الحقيقية، التي تتلقى أوامرها من خارج العراق.

وبعد محاولات فاشلة للتأثير على المقاومة الإسلامية في العراق، توجهت الحكومة العراقية إلى إيران، الداعم الرئيس لهذه الفصائل، طلبا للمساعدة. وقام مسؤولون أمنيون عراقيون بزيارتين إلى طهران مؤخرا، سعيا للحصول على مساعدة إيران في كبح جماح حلفائها العراقيين. ومع ذلك، قوبلت هذه الزيارة ببرود، وادعى المسؤولون الإيرانيون أن هذه الفصائل تتخذ قراراتها بشكل مستقل وأنها هي من يحدد كيفية "دعم إخوتهم في لبنان وغزة".

Shutterstock

ومع عدم توفر خيارات أخرى، لجأت بغداد إلى واشنطن، طالبة من المسؤولين الأميركيين التدخل لمنع انتقام إسرائيلي محتمل بسبب هجمات المقاومة الإسلامية في العراق. وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة قد أعربت عن تفهمها للموقف الصعب الذي يمر به العراق، ووعدت بالمساعدة ما أمكنها.

المخاطر تحدق بالعراق

لا ينبغي تجاهل المخاطر التي يشكلها تصاعد نشاط "المقاومة الإسلامية في العراق"، سواء أتبعت إيران استجابة انتقامية كاملة أم لا. فعلى الرغم من تكثيف "المقاومة" لهجماتها على إسرائيل، فإن إسرائيل لم ترد بعد بشكل مباشر، وقد يكون ذلك بفضل طلبات أميركية أو بسبب انشغالها بصراعاتها الدائرة مع "حماس" و"حزب الله". لكن أحدا لا يضمن أن يستمر هذا التحفظ من تل أبيب.

قد يجد العراقيون– كما حدث مع الفلسطينيين واللبنانيين من قبلهم- أنفسهم عالقين في نزاع لا هم بادروا إليه ولا هم يتحكمون به، ولكنهم هم من سيتحمل في النهاية عبء قرارات اتخذت بعيدا عن حدودهم

إذا استمرت هجمات "المقاومة" في التصاعد، واشتبهت إسرائيل في أن هذه الفصائل تعمل كوكيلة لرد إيراني محتمل، فقد تقوم إسرائيل بتحديث تقييمها للتهديد، فترفع تهديد "المقاومة الإسلامية في العراق" من منخفض إلى تهديد رئيس. وإذا رأت إسرائيل في "المقاومة" خطرا فوريا، فمن المرجح أن توجه ضربات فتستهدف إضعاف قدرات المجموعة في كل من العراق وسوريا.

أ.ف.ب
شرر يتطاير من مكان سقوط صاروخ إسرائيلي في بلدة زوطر جنوب لبنان

وفي حال حدوث ضربات إسرائيلية كهذه، فستكون ذات خطر كبير، وقد تؤدي إلى إشعال دائرة من التصعيد، فتجذب فصائل عراقية أخرى إلى المواجهة ضد إسرائيل. وإذا حدث ذلك، فسيؤدي إلى زيادة الضغوط على القيادة السياسية والعسكرية في العراق، مما يزعزع استقرار البلاد ويضعف مكانتها الإقليمية.

ومع انتشار الصراع، قد يجد العراقيون– كما حدث مع الفلسطينيين واللبنانيين من قبلهم- أنفسهم عالقين في نزاع لا هم بادروا إليه ولا هم يتحكمون فيه، ولكنهم هم من سيتحمل في النهاية عبء قرارات اتخذت بعيدا عن حدودهم.

font change

مقالات ذات صلة