أثار رفض المعارضة الجورجية الاعتراف بنتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وقرارها الاحتكام إلى الشارع مخاوف من انزلاق البلد السوفياتي السابق إلى دوامة عنف جديدة. وبعد حملة انتخابية شهدت استقطابا كبيرا، وحظيت باهتمام خاص من موسكو والعواصم الغربية، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية فوز حزب "الحلم الجورجي" الحاكم بقرابة 54 في المئة من أصوات الناخبين، مقابل حصول أربعة أحزاب معارضة على 37 في المئة في الانتخابات التي نظمت يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي حين كشفت النتائج المعلنة عن نجاح "الحلم الجورجي" في إقناع أكثر من نصف الناخبين بأن الخيار الأساسي هو بين الحرب والسلام وضمان عدم تحول جورجيا إلى أوكرانيا ثانية، فإنه لم يحصل على الأغلبية الدستورية اللازمة من أجل تنفيذ كثير من الوعود الانتخابية. وفي المقابل، أخفقت المعارضة في إقناع الجورجيين بأن الأولوية هي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والالتزام بكل القيم الأوروبية، والمساهمة في دعم أوكرانيا أكثر كسبيل لمنع تكرار أي اعتداء روسي على البلاد مستقبلا.
وتلقى "الحلم الجورجي" دعما صريحا من الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان الذي زار تبليسي ورحب بفوز الحزب بالانتخابات، وكتب على منصة "إكس" عند وصوله إن "جورجيا دولة محافظة ومسيحية ومؤيدة لأوروبا، وبدلا من الخطب عديمة الفائدة، فهي بحاجة إلى دعمنا في مسارها الأوروبي". ولاحقا انتقد المواقف الغربية من الانتخابات بعد لقاء رئيس الحكومة الجورجية إيراكلي كوباخيدزه، وقال: "للسياسة الأوروبية دليل إرشادي: إذا فاز الليبراليون، يقولون إنها ديمقراطية، وإذا فاز المحافظون، فلا ديمقراطية".
وفي المقابل، لم تحصل المعارضة على دعم كامل من حلفائها الغربيين الذين طالب معظمهم بإجراء تحقيق في سلسلة من حوادث الترهيب والعنف والتلاعب بالأصوات، إضافة إلى انتهاكات واضحة لعملية التصويت الإلكتروني الجديدة، ورغم إعراب الرئيس الأميركي جو بايدين عن قلقه الشديد من "حالة التراجع الديمقراطي الأخيرة في البلاد"، فإنه لم يعلن رفضه النتائج، وهو حال رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن "للجورجيين الحق في أن يتم التحقق من المخالفات الانتخابية بسرعة وشفافية واستقلالية".
أربعة خيارات أمام المعارضة
تراهن المعارضة الجورجية على أن العالم لن يعترف بنتائج الانتخابات، وقدرة الرئيسة سالومي زورابيشفيلي في التأثير على الموقف الدولي كممثل للمؤسسة الدستورية الجورجية الوحيدة الفاعلة في الفترات الانتقالية. ومع أنها استطاعت تجاوز بعض العقبات لتوحيد مواقفها إلى المعارضة فإنها لم تستطع حتى الآن صياغة خطة عمل مشتركة بعد نحو أسبوع من الانتخابات، ما قلل من تأثيرها في الشارع.
بالعودة إلى التصريحات والتجارب السابقة والنصوص الدستورية تملك المعارضة الجورجية أربعة خيارات تتراوح بين اللجوء إلى الشارع للتظاهر، واللجوء إلى المحاكم والقضاء، وتعطيل عقد الجلسة الأولى للبرلمان دستورياً، ومحاصرة البرلمان لمنع جلساته.
وقادت الرئيسة زورابيشفيلي حملة التشكيك في نتائج الانتخابات ووجهت انتقادات حادة للحكومة بقيادة "الحلم الجورجي" في استمرار لمواقفها من الحزب الذي كان رشحها قبل سنوات لقيادة البلاد. وبعدما رفضت التصديق على قانون "التأثير الأجنبي" المثير للجدل، أكدت زورابيشفيلي أنها لن تدعو لعقد الجلسة الأولى للبرلمان. ودعت إلى مظاهرات ضد "سرقة" أصوات الناخبين بعد إشارتها إلى انتهاكات خطيرة تشمل عدم ضمان سرية الاقتراع، إضافة إلى الضغوط على الناخبين، والتخويف والترهيب، وشراء الأصوات، وعمليات "تصويت دائري" يصوت فيها الشخص نفسه في عدد من المراكز الانتخابية، وتزوير نتائج التصويت الإلكتروني.