أحمد سعداوي لـ"المجلة": الانتصار للإنسان وحقّه في الحياة عمل أخلاقيّ

لا يرى تضاربا بين الأجناس الأدبية ويفضّل التريّث في النشر

AlMajalla
AlMajalla

أحمد سعداوي لـ"المجلة": الانتصار للإنسان وحقّه في الحياة عمل أخلاقيّ

على الرغم من تنوع مساراته الإبداعية، من كتابة الشعر إلى الرواية إلى إنتاج الأفلام وكتابة السيناريو، بقي الروائي والشاعر العراقي أحمد سعداوي حريصا على استحضار حروب العراق وما نتج منها من كوارث إنسانية، ناقلا تفاصيلها إلى العالم من زوايا مختلفة.

أصدر أربع مجموعات شعرية أولاها "الوثن الغازي" عام 1997 كما أصدر خمس روايات من بينها "باب الطباشير" و"الشهر الثالث عشر" و"فرانكشتاين في بغداد" التي أهلته للحصول على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2014، كما حصلت هذه الرواية التي ترجمت إلى 32 لغة على جائزة الخيال الإبداعي الكبرى الفرنسية، وتأهلت أيضا إلى القائمة القصيرة لجائزة "مان بوكر" البريطانية.

ورغم التعدد الإبداعي الذي يمارسه سعداوي إلى جانب عمله الإعلامي، يقدر خصوصية هذه التعدّدية إذ يقول في حديثه لـ"المجلة": "لا أرى جنسا إبداعيا أفضل من الآخر، فلكل فلكه الخاص ومداره".

* ما جرى في العراق من حروب وأحداث دامية، شكّل مادة مهمة في إبداعاتك الأدبية، ما الفكرة التي اشتغلت عليها وسط كل هذا الخراب؟

- الفكرة الأساسية التي كانت تسيطر عليّ وأنا أتناول وقائع وأحداثا من التاريخ العراقي المعاصر، سواء قبل العام 2003 أو ما بعده، هي أن الفن والأدب لديهما القدرة على منح صوت لمن لا صوت لهم، وهم أولئك الناس العاديون، الذين لا ينشغل المؤرخ العام بهم وبشؤونهم، وقد تمرّ نشرات الأخبار مرورا عابرا على قصصهم وحكاياتهم ومآسيهم، فكم طالعنا أن هناك عشرة قتلى جراء انفجار إرهابي مثلا، لكنّ كل واحد من هؤلاء العشرة لديه حكاية وحياة كاملة غزيرة التفاصيل، لا يمكن اقتناصها بخبر من سطر واحد في نشرة أخبار عابرة. الأديب المُجيد هو من يحاول اقتناص هذه الأصوات وتوظيفها في نسيج عمله الابداعي، فالانتصار للإنسان وحقه في الحياة والوجود هو عملٌ أخلاقي، بإزاء الخطابات الأيديولوجية التي تصور الإنسان مجرد حطب في مشاريع كبرى.

هناك تداخل بين الخيال والواقع، وهذا التداخل قادم من فرضية أن الخيال جزءٌ من الواقع 

قدرات الأدب

  • حرصت على نسج شخصيات بطريقة تبدو غريبة وموحية مثل "فرانكشتاين" الذي جمعه هادي العتاك من بقايا جثث ضحايا التفجيرات في بغداد. فما خصوصية الشخصيات في أعمالك؟

في كل أعمالي الروائية هناك تداخل بين الخيال والواقع، وهذا التداخل نابع من فرضية أن الخيال جزءٌ من الواقع وليس مساحة مفارقة له. إننا نستعمل الخيال كل يوم وفي كل شؤوننا، وفي الثقافة الشعبية نرى الأشباح والشياطين والجان والملائكة وأرواح الموتى حاضرة في يومياتنا وأحلامنا. الشخصيات الغريبة أو الفانتازية هي من نسيج الواقع وليست نازلة عليه من سماء الخيال المجرد.

  • ترى أن "الكاتب لن يبدع دون الشعور الذاتي بالحرية"، فما الحرية التي اتخذتها مسارا لأعمالك؟

لا يمكن للإبداع أن ينتعش دون مساحة من الحرية في التعبير والكتابة، وحين لا تتوفر هذه الحرية في الفضاء العام المحمي بالقوانين المدنية، فإن الكاتب سيحتاج الى "افتراض" مساحة من الحرية مع نفسه كي يجد مبررا للكتابة، وقد يلجأ الى الرموز والاستعارات لتمرير ما يريده من أفكار وتصورات، وهذا يحدث دائما حتى في بلدان أوروبية، كما في حقبة الدول الاشتراكية في روسيا وأوروبا الشرقية، وعلى العموم لا يوجد سقف حرية مطلق في العالم العربي، وهناك أيضا بعد قانوني يحدّ من مساحة الحرية المطلقة، له علاقة بالتجاوز على حقوق الآخرين، أو التلفيق أو الاتهام الجزافي، أو السطو على مقاطع من أعمال إبداعية أخرى وغيرها.

  •  لماذا تبدو مقلا في إنتاجك الروائي؟   

لديّ عمل جديد أنتظر أن يكتمل مع نهاية هذا العام. أعتقد أن الكاتب الذي يصدر أعمالا كثيرة غير ناضجة لا يحقّق شيئا، ومن الأجدى تركيز الجهد على عمل واحد لوقت كاف. لديّ في مسوّداتي الكثير من المشاريع، لكني أركز دائما على تلك التي فيها تحدّ وإضافة على ما أنجزته سابقا.

الكاتب الذي يصدر أعمالا كثيرة غير ناضجة لا يحقق شيئا، ومن الأجدى تركيز الجهد على عمل واحد لوقت كاف

  •  أصدرت عدة مجموعات شعرية قبل الانتقال الى كتابة الرواية التي استحوذت على اهتمامك. ما الذي منحتك إياه الرواية ولم يمنحه الشعر؟ 

في الحقيقة لم أتوقّف عن كتابة الشعر، وما زلت أنشر مقاطع من قصائدي على حساباتي على التواصل الاجتماعي، لكني متردّد في إصدار ديوان شعري جديد، رغم إلحاح الكثير من الأصدقاء.

الرواية فيها تحديات أكبر، وهي تستوعب الشعر والفلسفة وعلوم الاجتماع المختلفة والتاريخ، وتأخذ الكثير من عناصر السيرة الذاتية والتأملات وافتراضات لحيوات مقموعة وأخرى محتملة.

الروائي العراقي أحمد سعداوي.

لوحات من شعر

  •  كيف انتقلت إلى إنتاج وكتابة الأفلام الوثائقية، وما الأفكار التي حرصت على تقديمها؟

ساعدني العمل في كتابة وإخراج الأفلام الوثائقية في التعرّف على العراق. بسبب مشاريع هذه الأفلام، سافرت الى كل أصقاع البلد، وتعرّفت الى البيئات والمجتمعات العراقية المختلفة. كما أنها أشبعت فضولي للمعرفة، وطوّرت إمكاناتي في الرصد والمعالجة الكتابية للتجارب الحياتية المباشرة.

ما زلت أرى أهمية كبرى للأفلام الوثائقية، فهي تمزج المهارات الصحافية مع إمكانات السينما، والمعالجة السردية القصصية، وتقدّم فائدة لا يستهان بها للمشاهد العربي. ما كان يشغلني من مواضيع، هي الثقافات المحلية والشعبية المتنوعة في العراق، التي يجهلها الكثير من العراقيين فضلا عن المتابعين من غير العراقيين.

  •  اتجهت أيضا إلى كتابة السيناريو، كيف انعكست تجربتك الأدبية على السيناريو؟

كتبت سيناريو وحوار مسلسل "ضياع في حفر الباطن" عن تجربة الغزو العراقي للكويت ثم الانتفاضة في الجنوب ضد نظام صدام، وكان في 30 حلقة، وبث في 2009، ثم كتبت مسلسل "وادي السلام" 30 حلقة، بث على القناة الفضائية العراقية الرسمية، بالإضافة الى عمل كوميدي اسمه "مطلوب عشائريا"، بثّ على قناة آسيا العراقية، وهناك أعمال أنجزتها وذهبت للإنتاج، آمل أن تظهر على الشاشة قريبا.

أما عن الأدب أو اللغة الشعرية فهي تأتي في المشاهد العاطفية، أو ذات البعد التأملي، وفي بناء الاستعارة الكلية للعمل.

فلسفة الفن تساعدنا في لمس تلك العلائق والروابط بين الأجناس الإبداعية المختلفة، وكيف أنها كلها قائمة على استعارات كبرى

  •  ما الذي بقي يربط بين أنواع الكتابة على اختلافها بالنسبة إليك؟ 

أعتقد أن فهم فلسفة الفن يساعدنا في لمس تلك العلائق والروابط بين الأجناس الإبداعية المختلفة، وكيف أنها كلها قائمة على استعارات كبرى، فالشعر ينسج استعارته بالكلمات، والرواية بالمسارات الدرامية وبناء المفارقات في الأحداث. وكذلك بالنسبة إلى السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، فهي فنون سردية في نهاية المطاف وفيها مساحة لإنجاز استعارات عالية الشعرية. لهذا حينما شاهدنا بعض مشاهد الفيلم المعدّ عن رواية "العطر" لباتريك زوسكيند، قلنا عنها إنها شعر، أو لوحات شعرية بصرية، في معرض الإشادة والإعجاب.

وهكذا في الأعمال الروائية العظيمة، فإننا نصفها بأنّها ملحمة، والملحمة نص شعري مركب. هناك نهر خفي يجري تحت كل النصوص الابداعية العظيمة ويربطها بوشائج قوية.

  •  كنت شغوفا بالرسم وعملت في رسوم الكارتون في مجلات عراقية شهيرة موجهة الى الأطفال مثل "مجلتي" و"المزمار"، ما الذي تبقى من الرسم؟

أرسم بشكل دائم منذ أن كان عمري خمس سنوات، ولكني حاليا لا ألجأ الى الرسم إلا حين أكون بحاجة الى الاسترخاء أو التفكير بشيء معين له علاقة بالكتابة. أستخدم أحيانا برامج الحاسوب للرسم، ولكني لا أفكر بأن أطرح نفسي رساما محترفا، لأن ذلك يفترض تفرغا للتمارين، والتعامل مع الرسم بجدية أكبر. أنا أعيب على الكتاب الذين يقتحمون ميدان الكتابة والنشر من دون سابق تجربة تستغرق سنوات، لذا لا أريد أن أتطفل على عالم الرسامين، فلم أتعامل مع شخصية الرسام عندي بجدية. يبقى الرسم لحاجاتي الذاتيّة، على الرغم من أني خرقت القاعدة جزئيا ووضعت سكتشات من رسومي في روايتي الأخيرة، "الشهر الثالث عشر".

font change

مقالات ذات صلة