منذ اغتيال الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، يستغل المسؤولون اللبنانيون كل فرصة دبلوماسية لإعلان موافقة لبنان الرسمي على تطبيق قرار مجلس الأمن 1701، حتى إن بعضهم بات يتجرأ ويجاهر بموافقته على تعديلاته التي تصفه بالقرار "plus-1701"، والمستمدة من روحية الاتفاق 1559.
"حزب الله" على لسان أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم، أعلن تفويض حليفه الرئيس نبيه بري بالتباحث مع المبعوثين الدوليين بشأن تطبيق هذا القرار، لكن من دون إعلان الموافقة على بنود القرار كلها، ومن دون اتخاذ أي خطوة عملية على أرض الواقع أو أرض المعركة.
يستلهم الشيخ نعيم بهذا الإعلان، موقف الأمين العام السابق نصرالله من القرار، الذي صدر بعد التوصل إلى القرار، في أعقاب حرب يوليو/تموز 2006، وكشف أن "الحزب" يلتزم وقف إطلاق النار، ولا يمانع من موافقة الحكومة على القرار، من دون أن يعلن موافقته الصريحة على تطبيق بنوده، باعتباره قرارا غير عادل بحق المقاومة.
ولو عدنا بالأيام إلى تاريخ صدور القرار في 11 أغسطس/آب 2006، نجد أنه عدا وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية على طرفي الحدود، لم ينفذ الطرفان الموقعان على القرار البنود الأخرى التي تضمنها القرار. ذلك أن الطرفين كانا حينها بحاجة إلى هدنة فقط، وليس إلى اتفاق، وسعيا إلى تطبيقها فورا.
لذلك، نفذ الجانب الإسرائيلي مباشرة بند وقف إطلاق النار واعتبر الاتفاق لصالحه، وانصرف إلى بناء قدراته الدفاعية كما نراها اليوم. وعلى المقلب الآخر، التزم "حزب الله" بالقرار على الفور معتبرا أنه "نصر إلهي" وأن إسرائيل وافقت عليه من موقع ضعف، وتفرغ من موقع القوة لتدعيم "حكمه" في الداخل.
ورأى "حزب الله" حينها، أن وقف إطلاق النار كان بطلب إسرائيل "الخاسرة"؛ رغم أعداد القتلى وحجم الدمار والتهجير الذي مني به لبنان، ولذلك، اكتفت إسرائيل ببند وقف إطلاق النار ولم تصر على تنفيذ بنوده الأخرى الأساسية، مثل: الوقف التام للعمليات العسكرية على الحدود، ونشر قوات "اليونيفيل" على طول الخط الأزرق، وانتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب نهر الليطاني، وإبعاد الجماعات المسلحة اللبنانية (حزب الله) إلى منطقة شمال النهر.
نفذ الجانب الإسرائيلي مباشرة بند وقف إطلاق النار واعتبر الاتفاق لصالحه، وانصرف إلى بناء قدراته الدفاعية كما نراها اليوم
بعد إعلان "النصر الإلهي" وبدء إعادة إعمار ما دمرته الحرب، اتخذ "حزب الله" من استمرار احتلال إسرائيل مناطق حدودية في جنوب لبنان، ذريعة للتمسك بسلاحه وبقائه كقوة "مقاومة" في منطقة جنوب النهر.
وعليه، لا يمكن تفسير موافقة "حزب الله" اليوم على تنفيذ القرار، بكل بنوده التي رفضها سابقا، ومن المستبعد أنه يقصد من موافقته شيئا غير بند وقف إطلاق النار، لأن بنودا مثل الانسحاب إلى شمال النهر، ووقف العمليات العسكرية، أو تحويل منطقة جنوب النهر إلى منطقة منزوعة السلاح، تعطي انطباعا أن "حزب الله" ينوي أن ينقلب إلى حزب سياسي وهذا مناقض لنشأته وطبيعته ووظيفته.
وفي سياق متصل، رهن الأمين العام الجديد لـ"الحزب" تنفيذ أي ترتيبات متعلقة بالقرار بتثبيت وقف إطلاق النار أولا، مع إسقاط شرط وقف الحرب في غزة التي كانت دافع "حزب الله" لبدئه "حرب الإسناد" في 8 أكتوبر/تشرين الاول من العام الماضي. إذ يبدو أن "حزب الله"، بسبب الخوف على المصير وتخلي حلفائه عنه أو تركه في الساحة وحيدا وبسبب الضغوط الداخلية السياسية والاقتصادية وأزمة النازحين، يسعى إلى مخرج مشرف ينهي الحرب، كما حصل في 2006.
لكن، إن لم يحصل هذا بالتفاوض، فإنه يعول على "الالتحام" كما وصف أمينه العام الجديد المواجهات على الحدود الجنوبية، وما قد يسطره عناصره من بطولات في حال قررت إسرائيل التوغل برا واحتلال منطقة جنوب النهر، وكما تقول جماعة الحزب "بيننا وبينهم الميدان والأيام والليالي"، أما التفاوض على تطبيق بنود القرار فلا يعدو كونه مضيعة للوقت.
هذه المرة، يبدو أن إسرائيل هي التي لا تقبل بوقف إطلاق النار، وتعتبر طلب الجانب اللبناني (حزب الله) يأتي من موقف ضعف، كما كانت حالها سنة 2006، ويبدو أن شروطها أكثر تصلبا أيضا، لدرجة يظهر فيها أن مطلبا مثل انسحاب "حزب الله" من منطقة جنوب نهر الليطاني أو عودة النازحين الإسرائيليين إلى شمال إسرائيل، هو أدناها من حيث الأولوية، والسقف هو نزع سلاح "حزب الله"، سواء كان في جنوب نهر الليطاني أو في شماله أو حتى ما بعد شمال نهر الأولي.