"'طيران الشرق الأوسط"... أجنحة لبنان الى العالم زمن الحربhttps://www.majalla.com/node/322930/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%AD%D8%A9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8
يحتاج مشهد هبوط طائرة تابعة لشركة "طيران الشرق الأوسط" اللبنانية على مدرج مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الكثير من التركيز، لفهم دلالات المغامرة بهبوطها "البطولي"، وسط تصاعد لهب النار، وتداخله مع دخان القصف الجوي الإسرائيلي الكثيف، وغباره، وبالتزامن أحياناً مع إغارة المقاتلات الحربية على محيط المطار، وعلى أهداف في ضاحية بيروت الجنوبية الملاصقة له.
يمكن للوهلة الأولى أن يبدو المشهد كأحد المشاهد السينمائية المركبة، أو المصورة باحتراف، لمتعة الجماهير الهوليودية. بيد أن مشهدَي الهبوط والإقلاع، على سوريالتهما، هما حقيقة يومية مستمدة من واقع إصرار إدارة النقل الجوي العنيد، على استمرار عمل مطار بيروت مهما كانت الأخطار، وصموده في تقديم خدماته، على الرغم من الحديد والنار، ومن وجوده على تماس وتداخل جغرافي مباشر مع ضاحية بيروت الجنوبية، التي تتعرض لقصف جوي إسرائيلي مركَّز وعنيف، ولدمار لم يتوقف منذ أكثر من شهر.
إقلاع وهبوط وسط الغارات والقصف
أطلق الإسرائيليون، في سياق الحرب النفسية تهديدات عدة وإنذارات مباشرة باحتمال قصفهم المطار وتدميره. لكن حاجة الدول الأوروبية وأميركا إليه، كمنصة إجلاء لرعاياهم، وضرورة توفره لإمدادات قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" العاملة في الجنوب، واستقبال المساعدات الدولية الإنسانية والصحية للنازحين، بالإضافة إلى حاجة غالبية الهيئات الديبلوماسية والأممية العاملة في لبنان وسوريا إليه، كمحطة عبور نحوها، دفعتهم إلى منع إسرائيل من التعرض له، أو إخراجه من الخدمة، حتى الآن.
يُقلع طيارو الـ"ميدل إيست" من لبنان يومياً، ويحطون بطائراتهم باحتراف وشجاعة، على وقع أصوات الانفجارات، ناقلين مئات الآلاف من اللبنانيين ممن غادروا جحيم لبنان، بالتزامن مع تطاير الصواريخ والمسَيَّرات في سماء بيروت
يُقلع طيارو الـ"ميدل إيست" من لبنان يومياً، ويحطون بطائراتهم باحتراف وشجاعة يشهدان لهم، على وقع أصوات الانفجارات، ناقلين مئات الآلاف من اللبنانيين ممن غادروا جحيم لبنان نحو بلاد الله الواسعة، بالتزامن مع تطاير الصواريخ والمسَيَّرات في سماء بيروت، والسيطرة الكاملة لسلاح الجو الإسرائيلي على الأجواء اللبنانية كافة.
يعاون الطيارين، طاقم من المضيفين والمضيفات الذين غلبوا الخوف بالبسمة ورباطة الجأش، لاحتواء التوتر النفسي للمسافرين، الذين يرون بأم عيونهم، الجنون الخارجي الذي يرافق إقلاعهم وهبوطهم في المطار.
يعيش مطار رفيق الحريري الدولي اليوم "نضاله" الخاص، بعدما انتزع الجنون الحربي وظيفته التجارية، وفرض عليه العمل كمرفق وطني سيادي، وظيفته الوحيدة حالياً هي الصمود، والمشاركة في معركة إبقاء شريان حياة النقل الجوي نابضاً لتأمين دوام تدفق المسافرين والمغتربين المرغمين على السفر عبره. وكذلك تأمين توريد الشحنات الضرورية لقطاعات الاستشفاء والأدوية والاتصالات، والحاجات اللوجستية للقوى الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى تأمين نقل السيولة بالدولار، لمصرف لبنان والمصارف التجارية. كما تحتاجه البلاد في الظروف الحالية بقوة، لاستيعاب شحنات الإغاثة الطارئة، و"جسور" المساعدات الإنسانية الجوية، التي باشرتها الدول العربية والصديقة، لإغاثة المنكوبين والنازحين من بيوتهم وقراهم.
تستنفر كل أقسام مطار بيروت وتعتمد تدابير حالة الطوارئ، يعمل مهندسو الصيانة وعمال ورش التصليح، وأقسام الشحن والتخزين، وتجهيز الطائرات، وخدمات الركاب، والعاملون في أبراج المراقبة تحت الخطر
تعيش كل أقسام مطار بيروت حالة استنفار قصوى وتعتمد تدابير حالة الطوارئ. ويجهد في متابعة الأعمال، مهندسو الصيانة وعمال ورش التصليح، وأقسام الشحن والتخزين، وتجهيز الطائرات، وخدمات الركاب، والعاملون في أبراج المراقبة والاتصالات والمدرجات، وغيرهم، لإيمانهم بضرورة إبقاء نافذة المطار الوحيد في لبنان، مفتوحة على العالم، ومنع عزل البلاد عن العالم الخارجي.
الشركة تؤكد حرصها على سلامة الركاب
حاليا، وعلى الرغم من الغارات التي تشنها الطائرات الحربية على تخوم المطار، لا تزال الـ"ميدل إيست" ومطار بيروت يعاندان الخطر ويصران على عدم قطع أوصال لبنان مع الخارج عموما وأبناء الوطن خصوصا. ولكن هذا التحدي لا يعني عدم أخذ الحيطة والحذر، إذ يشير رئيس مجلس إدارة "طيران الشرق الاوسط" محمد الحوت، إلى أن "الشركة تحتاط جيدا لتأمين استمرار العمل، وهي حتما لن تعرض سلامة المسافرين والطواقم للخطر. فإقلاع وهبوط الطائرات مدروسان، وثمة لجنة لتقييم الأخطار. وفي حال شعرنا أن سلامة الركاب والطواقم بخطر نتخذ فوراً الاجراءات اللازمة".
منذ بدء الحرب على لبنان وتوقف شركات الطيران العربية والأجنبية عن تسيير رحلاتها من لبنان واليه، وضعت "الميدل إيست" على عاتقها هذه المهمة، فَسَيَّرَت يوميا ما معدله 64 رحلة ذهاباً وإياباً، ما مجموعه 217 ألف راكب، بينهم 166 ألف راكب غادروا لبنان و51 ألف راكب عادوا إليه. في حين أن جميع عمليات الإجلاء لرعايا الدول الأجنبية والعربية ناهزت نحو 100 رحلة، لم يتخطَّ عدد ركابها الـ 12 ألف راكب.
الشركة تحتاط جيدا لتأمين استمرار العمل، وهي حتما لن تعرض سلامة المسافرين والطواقم للخطر. فإقلاع وهبوط الطائرات مدروسان، وثمة لجنة لتقييم الأخطار
محمد الحوت، رئيس مجلس إدارة "طيران الشرق الاوسط"
تلقت "الميدل إيست" إشادات كثيرة وتنويهات عدة، لإصرارها على ربط لبنان بالخارج، لكن الحوت يعتبر أن "هذا التحدي ليس جديدا على تاريخ الشركة، فهي كانت ولا تزال السباقة لأداء دورها وواجباتها على أكمل وجه، وستبقى رمزاً لوصل لبنان واللبنانيين بالعالم". ويضيف "على الرغم من الخسائر التي تتكبدها الشركة بسبب عودة طائراتها فارغة إلى بيروت، وانطلاقاً من الشعور الوطني، والشراكة في تحمل ثقل الأزمة، لم تلجأ الشركة إطلاقاً، الى رفع أسعار بطاقاتها، التي بقيت على حالها منذ يوليو/تموز الماضي".
رئيس الشركة: سنعوض الخسائر
يجاهر الحوت في حديثه لـ"المجلة" أنه لم يشعر بالخوف على الشركة إبان عدوان 2006، وينتابه الشعور عينه اليوم، وهو على يقين تام، أنه على الرغم من فداحة الخسائر، سيكون في مقدور الشركة تعويضها، والعودة إلى تحقيق الأرباح، ما إن تستتب الأوضاع الأمنية وتعود البلاد إلى الاستقرار، و"سنقف على أرجلنا مجدداً، ونحن ملتزمون تجاه موظفينا، ونملك الإمكانات التي تجعلنا نتخطى هذه الأزمة".
يقدر الحوت شجاعة الطيارين والمضيفين وتضحياتهم، وكذلك تضحيات جميع العاملين في الأقسام على الأرض، من تقنيين وإداريين، ومقدمي خدمات، وجميع موظفي وعمال مطار بيروت ومديريه. ويخص بالتقدير سائقي الصهاريج التي تؤمن الوقود إلى المطار والطائرات، "فهؤلاء يعرضون حياتهم لأكبر الأخطار، في سبيل تأمين الطاقة للمطار والوقود للطائرات، بغية استمرارية عمل المطار".
إدارة الشركة تعمل على تقييم الأخطار وتأخذ في الاعتبار الأخطار المحسوبة، فالشركة حريصة على أن تكون عملية تقييم الأخطار مدروسة ومبنية على معلومات أكيدة، فهي لا يمكنها، أن تخاطر بطاقم الطائرة أو بالركاب
محمد الحوت، رئيس مجلس إدارة "طيران الشرق الاوسط"
في الحديث عن الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها الطائرة أثناء إقلاعها وهبوطها في ظل الغارات الاسرائيلية المحيطة بالمطار، يؤكد الحوت لـ"المجلة" أن إدارة الشركة تعمل على تقييم الأخطار وتأخذ في الاعتبار الأخطار المحسوبة (Calculated Risk)، فالشركة "حريصة على أن تكون عملية تقييم الأخطار مدروسة ومبنية على معلومات أكيدة، فهي لا يمكنها، أن تخاطر بطاقم الطائرة أو بالركاب".
التزام المعايير الدولية للسلامة
كذلك يؤكد الكابتن الطيار محمد عزيز، الذي يصف جميع العاملين في المطار بـ"الأبطال"، فهم "يتحملون مسؤولياتهم في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بضمير وطني، إلى جانب طياري الـ"ميدل إيست" الذين يقومون بوظائفهم بدقة، وضمن المعايير الدولية للسلامة والأمان.
الشجاعة التي تحلى بها طيارو الـ"ميدل إيست" كانت محط إعجاب اللبنانيين جميعاً، وخصوصاً المسافرين، الذين أثنوا على الجرأة المميزة والدقة التي تتحلى بها طواقم الشركة. ولا يخفي عزيز أن وتيرة العمل التي اعتاد عليها الطيارون لم تتغير، وبقيت هي نفسها قبل الحرب وخلالها، فيما يؤكد لـ"المجلة" أن أحداً من الطيارين لم يتخاذل، ولم يطلب أحدُ منهم إعفاءه من مهامه خلال هذه الفترة، وبقي برنامج وجدول مهمات الطيارين على حاله.
برج المراقبة على تواصل دائم مع الطيارين وما ان يشعروا بأي خطر محدق، حتى يتم ابلاغ قائد الطائرة لتغيير مسارها، ولكن ذلك لم يحدث حتى اليوم
يقول عزيز إن "برج المراقبة في مطار بيروت على تواصل دائم مع طياري الـ"ميدل ايست" وما ان يشعروا بأي خطر محدق، على سلامة المسافرين وطاقم الطائرة، حتى يتم ابلاغ قائد الطائرة لتغيير مسارها، ولكن ذلك لم يحدث حتى اليوم".
والمعلوم أن شركة "طيران الشرق الأوسط" تجدد أسطولها باستمرار، وتسعى دائما لاختيار أحدث الطائرات. ويتألف أسطولها من طائرات "إيرباص" من طراز A330-200 وA321neo وA320-200، التي تتيح للمسافرين أحدث الخدمات. وكانت الشركة وقعت في حزيران/يونيو 2019، اتفاق شراء أربع طائرات "إيرباص" من طراز A321XLR، ليصبح مجموع طلبيات الشركة من عائلة طائرات "إيرباص" الأحادية الممر 15 طائرة.