تحديات تواجه الانتخابات الأميركيةhttps://www.majalla.com/node/322924/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9
واشنطن – كلما كانت المنافسة في الانتخابات الأميركية أشد والتوقعات متقاربة، طالت فترة انتظار النتائج. في عام 2020 بلغ هامش فوز جو بايدن 44000 صوت في جورجيا وويسكونسن وأريزونا من إجمالي 155 مليون صوت على المستوى الوطني، وكان علينا الانتظار لخمسة أيام قبل أن تعلن شبكات التلفزيون عن الفائز. ووفقا لاستطلاعات الرأي الحالية، سيكون الهامش صغيرا مرة أخرى هذا العام. وما لم يفز أي من المرشحين، كامالا هاريس أو دونالد ترمب، بهامش كبير، فسوف يكون أمامنا انتظار طويل آخر هذا العام.
ينتهي فرز الأصوات من المناطق الريفية والبلدات والمدن الصغيرة بسرعة، وسنرى هذه النتائج في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني. تاريخيا، تؤيد الأصوات من هذه المناطق المرشح الجمهوري. أما نتائج الاقتراع في المدن الكبرى فتصل لاحقا وهي تؤيد الديمقراطيين عادة. وبالتالي غالبا ما تختفي صدارة الجمهوريين المبكرة بمرور الساعات والأيام، كما رأينا أيضا في عام 2020. وفي هذه السنة أيضا، يمكن أن نتوقع أن يتقدم ترمب في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 5 نوفمبر مع النتائج المبكرة، ثم يبدأ الديمقراطيون تقليص الفجوة في الساعات الأولى من السادس من نوفمبر مع وصول نتائج التصويت من المدن الكبرى. ومن المرجح أن يعلن ترمب انتصاره في أواخر الخامس من نوفمبر قبل وصول موجة الأصوات الديمقراطية من تلك المدن، مثلما فعل في عام 2020.
التأخير في بطاقات الاقتراع بالبريد
ومع ذلك، يعلم ترمب أن ثمة المزيد من الأصوات التي ستخضع للفرز حتى بعد أن ترسل مراكز الاقتراع في المدن نتائجها. ففي عام 2020، جاءت 46 في المئة من بطاقات الاقتراع- أي ما يقرب من النصف- عن طريق البريد، وليس من مراكز الاقتراع. تقليديا، يستخدم الناخبون الديمقراطيون الاقتراع عبر البريد أكثر من الناخبين الجمهوريين. في عام 2020، على سبيل المثال، في الولايات الثماني عشرة التي فحصت تسجيل الأحزاب على بطاقات الاقتراع بالبريد، بلغت بطاقات اقتراع الديمقراطيين ثمانية عشر مليونا مقابل عشرة ملايين بطاقة للجمهوريين. وهذا الاختلاف هو الذي أفضى إلى فوز بايدن في الانتخابات.
لا يكمن التحدي في هذه الانتخابات بالتأخير في معرفة النتائج بل في الهجوم على مصداقية العملية الانتخابية نفسها
وقد شجع الحزب الجمهوري ناخبيه هذا العام على استخدام بطاقات الاقتراع بالبريد على الرغم من انتقاداته الاقتراع عبر البريد في عام 2020. ومع ذلك، قدم دونالد ترمب مؤشرا آخر على سلوكه المتقلب من خلال انتقاده لبطاقات الاقتراع عبر البريد مرة أخرى هذا العام على الرغم من تأييد حزبه لاستخدامها.
ومن المعلوم أن نتائج الاقتراع بالبريد سوف تتوافد تباعا ببطء في أوقات مختلفة ومن أماكن مختلفة. ولا تفرز الأصوات على مستوى الولاية بل على مستوى أكثر من ثلاثة آلاف مقاطعة في الولايات المتحدة. ويتعين على العاملين في كل مقاطعة التحقق من توقيعات الناخبين الذين يستخدمون الاقتراع بالبريد، كما يتعين عليهم التحقق للتأكد من أن هؤلاء الناخبين لم يرسلوا اقتراعهم بالبريد ويصوتوا مرة أخرى في أحد مراكز الاقتراع في المقاطعة. حيث تقوم آلات التصويت في المقاطعات بفرز الأصوات، وكذلك يجب معالجة بطاقات الاقتراع بواسطة الآلات.
ترمب يتهم بالاحتيال
لا يكمن التحدي في هذه الانتخابات بالتأخير في معرفة النتائج بل في الهجوم على مصداقية العملية الانتخابية نفسها. وفي انتخابات هذه السنة، يصر ترمب على أن الغش الذي يمارسه الحزب الديمقراطي بمساعدة "الدولة العميقة" هو وحده الذي سيمنع فوزه. وهذا بالفعل ما قاله صراحة في 30 سبتمبر/أيلول، أمام تجمع حاشد في ولاية بنسلفانيا، حين أعلن أن المدن الخاضعة لإدارات الحزب الديمقراطي تمارس الغش، دون أن يكلف نفسه عناء تقديم أي دليل. ويحذر بقية أعضاء الحزب الجمهوري، ومن بينهم المرشح لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، من أنهم لن يحترموا نتيجة الانتخابات إلا إذا كانت "حرة ونزيهة". وقال جونسون الذي يقود الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب في 24 سبتمبر: "إذا كانت لدينا انتخابات حرة ونزيهة وآمنة، بالطبع سوف نخضع للدستور"، في تلميح إلى أنهم لن يخضعوا للدستور إذا شعروا بأن الانتخابات ليست نظيفة. لكنهم لا يقدمون تعريفا محددا لـ"الانتخابات النظيفة"، بينما يعرّف ترمب الانتخابات الاحتيالية بأنها الانتخابات التي يخسرها.
يجدر بنا أن نتذكر انتخابات أخرى بنتائج متقاربة للغاية كي ندرك مدى اختلاف ترمب وحزبه الجمهوري عما كان عليه الحال في السياسة الأميركية العادية. ففي عام 2000 انتهت انتخابات بين الجمهوري جورج دبليو بوش والمرشح الديمقراطي آل غور، واعتمدت النتائج وقتها على أصوات فلوريدا الانتخابية للفوز بالبيت الأبيض. خلال تلك الحملة لم يتحدث أي من المرشحين عن الغش. عندما رفع الجمهوريون قضية قانونية حول فرز الأصوات في فلوريدا، دعم بوش وغور العملية القضائية وحثّا المؤيدين على التحلي بالصبر. وبعد أن اتخذت المحكمة العليا قرارا نهائيا غيّر نتائج 547 بطاقة اقتراع في فلوريدا، ومن ثم أعطى أصوات فلوريدا الانتخابية والفوز في الانتخابات لبوش، اعترف غور بالهزيمة وهنأ بوش. أما في عام 2020، فقد ادعى دونالد ترمب النصر في يوم الانتخابات قبل الانتهاء من فرز جميع الأصوات، ولم يقبل علنا قرارات المحكمة في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول التي أوقفت جهوده القانونية الرامية لتغيير نتائج الانتخابات. وتوج ذلك كله بالهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
جحافل المحامين
يستعد الحزب الجمهوري لتوظيف جهد قانوني هائل في المحاكم في عام 2024 بعدما فشل في نوفمبر وديسمبر 2020 في منع انتصارات بايدن بفوارق ضئيلة في ولايات مهمة مثل جورجيا وميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا ونيفادا وأريزونا. ففي تلك القضايا التي رُفعت على عجل أمام المحاكم في عام 2020 ادعى الحزب عدم كفاءة إدارة الانتخابات، بما في ذلك المراقبة غير الكافية للانتخابات والاحتيال في التعامل مع بطاقات الاقتراع عبر البريد والمشاكل المتعلقة بآلات فرز الأصوات. ورفض القضاة، بمن فيهم أولئك الذين تلقوا تعييناتهم من الرئيس ترمب، ستين قضية مختلفة بسبب الإجراءات القانونية الخاطئة للجمهوريين أو نقص الأدلة.
يشكك بعض خبراء القانون في قدرة الجمهوريين على منع انتخاب هاريس عن طريق تأخير التصديق على فرز الأصوات
وفي عام 2024، أنشأت الحملة الانتخابية الوطنية للحزب الجمهوري بالتنسيق مع "نشطاء الحزب الجمهوري" في الولايات الرئيسة "فرق عمل جديدة معنية بنزاهة الانتخابات" إلى جانب فرق من المحامين وعشرات الآلاف من مراقبي الانتخابات لجمع المعلومات. يذكر الحزب الجمهوري أن فرق العمل هذه رفعت للتو 126 قضية تزعم إجراءات انتخابية غير صحيحة في ست وعشرين ولاية. على سبيل المثال، في ولاية جورجيا الحرجة، ثمة طعون على أكثر من 7000 اسم في قوائم الناخبين. (فاز بايدن على ترمب بفارق 11779 صوتا فقط من أصل 4.6 مليون صوت في تلك الولاية في عام 2020). وبالمثل، رفع الحزب الجمهوري قضية بشأن التعريف غير السليم للناخبين الذين يرسلون بطاقات الاقتراع بالبريد في ولاية كارولينا الشمالية الرئيسة، مدعيا أن مكاتب انتخابات المقاطعة لا تؤكد أن الناخبين هم مواطنون أميركيون. تفوق بايدن على ترمب بفارق 1.5 في المئة من الأصوات فقط في كارولينا الشمالية في عام 2020 وفي تلك الانتخابات، جاءت عشرون في المئة من أصوات تلك الولاية عن طريق البريد. وفي حال فاز الجمهوريون بهذه القضية في عام 2024، فقد تصبح بطاقات الاقتراع بالبريد عرضة للخطر. وبالمثل حشد الحزب الديمقراطي فرقا قانونية لمواجهة الجمهوريين في المحاكم ومن المرجح أن نشهد مئات القضايا في المحكمة في نوفمبر. ومن المحتمل أن تحال بعض قضايا الإدارة الانتخابية هذه في عام 2024 إلى المحكمة العليا حيث يُعتقد أن معظم القضاة يبدون تعاطفا أكبر مع الحزب الجمهوري (فترمب هو الذي عين ثلاثة من أصل القضاة التسعة).
وبعيدا عن هذه التحديات القانونية، يستعد الحزب الجمهوري أيضا لتأخير تأكيد فرز الأصوات. حيث تتلخص العملية في أن تقوم المقاطعات بالتصديق على النتائج ثم تقوم الولايات بجمع كافة إحصاءات مقاطعاتها وتأكيد الفرز النهائي على مستوى الولاية، وبالتالي تحديد ناخبي الولاية، جمهوريين أو ديمقراطيين، لانتخابات الهيئة الانتخابية لمنصب الرئيس في 17 ديسمبر. وقد حاول المسؤولون من الحزب الجمهوري في أريزونا وميتشيغان ونيومكسيكو خلال الانتخابات التشريعية لعام 2022 منع التصديق إلى أن أمرتهم المحاكم بالتصديق أخيرا.
وتجدر الإشارة إلى أن الجمهوريين في ولاية جورجيا المهمة يستعدون لرفض التصديق في حال فوز هاريس. وقد منحت لجنة الانتخابات في الولاية، التي يشكل الجمهوريون أغلبية سكانها، مسؤولي الانتخابات في المقاطعات الإذن بإجراء "استفسارات معقولة" قبل أن يؤكدوا فرز الأصوات من مراكز الاقتراع. ولم تحدد اللجنة المدة التي ستستغرقها تلك التحقيقات أو ما يمكنهم فحصه. ومن المرجح أن تكون هناك ولايات أخرى يحاول فيها الجمهوريون تأخير التصديق على النتائج التي تظهر فوز هاريس في مقاطعاتهم.
ويشكك بعض خبراء القانون في قدرة الجمهوريين على منع انتخاب هاريس عن طريق تأخير التصديق على فرز الأصوات. حيث قال ديريك مولر، أستاذ القانون في كلية الحقوق المرموقة في نوتردام، لوكالة "أسوشييتد برس" في أكتوبر إن فكرة عدم تدخل المحاكم لإجبار المسؤولين المحليين على التصديق على النتائج هي محض "خيال مجنون". وفي مقال نُشر في مجلة كلية الحقوق بجامعة ستانفورد المرموقة في فبراير 2024، خلص خبيران قانونيان في كلية الحقوق بجامعة نيويورك إلى أن تاريخ الانتخابات في الولايات الرئيسة يظهر أن القوانين الحالية ستوقف أي تهديد جمهوري بمنع تأكيد فرز الأصوات في عام 2024.
حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي من أن المتطرفين المحليين قد يهاجمون المرشحين السياسيين والعاملين في المحاكم ودوائر الانتخابات ووسائل الإعلام
يكمن الخطر الثاني في رفض مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون التصديق على النتائج في 6 يناير/كانون الثاني كما كان يأمل ترمب في عام 2021. وكان الكونغرس قد أقر في واشنطن عام 2022 قانونا لتعزيز شرط تصديق حاكمي الولايات على النتائج وتسمية الناخبين قبل 11 ديسمبر، ويحد هذا القانون من قدرة الكونغرس في 6 يناير على رفض تصويت الهيئة الانتخابية في 17 ديسمبر لمنصب الرئيس. كما يزعم خبراء في القانون أنه سيكون من الصعب على رئيس مجلس النواب جونسون وحلفائه في الحزب الجمهوري تعطيل التأكيد النهائي لتصويت الهيئة الانتخابية في يناير إذا لم تعجبهم نتيجة الانتخابات.
الخوف من العنف... لا من عدم الاستقرار
في حين يبدو الإطار القانوني قويا، لا تزال هناك مخاوف من اندلاع مظاهر العنف. وقد نشر موقع "ذا هيل" الإخباري استطلاعا للرأي في سبتمبر أظهر أن 46 في المئة من الجمهوريين لن يقبلوا بفوز ديمقراطي في نوفمبر وقال 14 في المئة إنهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي". وفي أغسطس/آب، اضطر الحزب الديمقراطي إلى إغلاق مكتبه في تيمبي بولاية أريزونا بعد أن هاجمه مسلحون ثلاث مرات. ولا ننسَ بالطبع محاولتي اغتيال ترمب نفسه. كما تلقى بعض العاملين في مكاتب الانتخابات المحلية تهديدات بالقتل.
ليس من الصعب تخيل الاحتجاجات وحتى الهجمات على بعض مكاتب الانتخابات المحلية عندما تعلن عن نتائج فرز الأصوات. بعد هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الذي حاول منع الكونغرس من التصديق على تصويت الهيئة الانتخابية لجوزيف بايدن، لاحق كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل هؤلاء المهاجمين في المحاكم. وقال المدعي الفيدرالي في مقاطعة كولومبيا لشبكة "سي بي إس نيوز" في سبتمبر إن 1000 أميركي أدينوا بجرائم ارتكبت في 6 يناير في 350 محاكمة. وما زال عدد من المتهمين بانتظار المحاكمة.
وطبيعي أن يساعد هذا الرد الحكومي القوي على هجوم 2021 في ردع أي هجمات جديدة على المباني الكبرى. وكان من الملاحظ أن بضعة مهاجمين فقط تمسكوا بموقف يحمل التحدي في المحكمة؛ بينما توسلت البقية الباقية للقضاة طلبا للرحمة. ومع ذلك، في أميركا الحديثة مع وجود الكثير من الأسلحة بين السكان، لا يزال من الممكن وقوع هجمات معزولة من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة. ففي 3 أكتوبر، حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي من أن المتطرفين المحليين قد يهاجمون المرشحين السياسيين والعاملين في المحاكم ودوائر الانتخابات ووسائل الإعلام. يمكن لمثل هذه الهجمات أن تتصدر وسائل الإعلام ولكنها لن تؤثر على المؤسسات الحكومية. وفي المقابل، إذا فاز ترمب ونفذ التدابير التي وعد بها هو وحلفاؤه، فسوف نشهد تغييرات عميقة في المؤسسات الحكومية وفي إجراءات الانتخابات المستقبلية. إن الملايين من الأميركيين ينتظرون بفارغ الصبر لمعرفة من سيفوز ويترقبون باهتمام نتائج الولايات السبع الحيوية حيث ما زالت استطلاعات الرأي غير قادرة على التنبؤ بالفائز بشكل موثوق: جورجيا، وكارولينا الشمالية، وبنسلفانيا، وميتشيغان، وويسكونسن، ونيفادا، وأريزونا.