من 1800 إلى عام 2024... تاريخ الإشكالات والتزوير في الانتخابات الأميركية

أخذ ترمب الاحتجاج إلى مستوى آخر

حشد مؤيد لدونالد ترمب يدخل مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021 في واشنطن العاصمة، بعد التصديق على فوز الرئيس جو بايدن

من 1800 إلى عام 2024... تاريخ الإشكالات والتزوير في الانتخابات الأميركية

مع أن التزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لم يحدث إلا قليلاً، ولكنه يعود إلى مطلع القرن التاسع عشر. تنوعت الأساليب والطرق، من التلاعب في صناديق الاقتراع إلى الضغط على الناخبين، وصولاً إلى التصويت بأسماء الموتى في انتخابات عام 1960، واتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل في انتخابات عام 2020.

أسماء كبيرة في السياسة الأميركية رفعت الصوت عالياً في وجه التزوير والتلاعب، منها ريتشارد نيكسون وجورج بوش الابن، ومؤخراً الرئيس دونالد ترمب الذي أخذ الاحتجاج إلى مستوى آخر ومختلف في انتخابات عام 2016– علماً أنه ربحها– ومن ثم في انتخابات 2020 التي خسرها. وفي الأسابيع الماضية قال إن إيران تتدخل لصالح منافسته الديمقراطية كامالا هرايس، وقد وجّهت اتهامات إلى طهران بشن هجوم سيبراني في أميركا، تضمن اختراق البريد الإلكتروني للحملات الانتخابية، ونشر معلومات مسروقة، مما سيشكل سابقة تاريخية، إن ثبت الادعاء.

في تقرير "المجلة"، نستعرض تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية الإشكالية منها أو التي قيل إنها زورت، منذ سنة 1800 إلى عام 2024.

الضغط على الناخبين سنة 1800

وصف بعض المعاصرين لانتخابات عام 1800 بأنها كانت أقرب إلى "ثورة" في المجتمع الأميركي، يوم اتهام أنصار المرشح توماس جفرسون بالسعي لحمل السلاح ضد منافسه جون آدامز، الرئيس الحالي في حينها الذي كان يسعى إلى تجديد ولايته. كانت معركة شعواء بين اثنين من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، كان جون أدامز أحد قادة الثورة الأميركية ضد الإنكليز، بينما كان توماس جفرسون أول وزير خارجية في عهد الرئيس المؤسس جورج واشنطن، وله يعود الفضل في كتابة وثيقة الاستقلال الأميركي.

تكرر مشهد عام 1800، وجال الديمقراطيون في شوارع العاصمة، رافعين الهراوات في وجه الناس وهم يصرخون: "تيلدين أو الدم"

الجمهورية الأميركية كانت فتية في حينها، وكانت انتخابات عام 1800 هي الأولى في تاريخ البلاد التي يفشل فيها الرئيس في تجديد ولايته. نزل مناصرو توماس جفرسون إلى شوارع واشنطن بالآلاف، محذرين مما سموه "اغتصاب" السلطة من قبل الرئيس جون أدامز. حالة الغليان كانت أشبه بما فعله مناصرو الرئيس ترمب بعد شهرين من هزيمته، يوم اقتحامهم لمبنى الكابيتول في واشنطن يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، ولكن بخلاف تلك الحادثة الشهيرة، فاز توماس جفرسون في انتخابات عام 1800 بما لا يقل عن 65 صوتاً من الأصوات الانتخابية (electoral vote)، و45 ألف صوت من التصويت الشعبي (popular vote)، وفي 4 مارس/آذار 1881 أقسم اليمين الدستوري في واشنطن. بعد مغادرته البيت الأبيض، قال الرئيس السابق المهزوم جون أدامز إن انتخابات عام 1800 كادت تُدخل البلاد في حرب أهلية لولا عزوفه عن البقاء في الحكم.
 
الضغط على الناخبين سنة 1876

في انتخابات عام 1876 يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت المنافسة بين المرشح الجمهوري روثرفورد هايز من ولاية أوهايو، والمرشح الديمقراطي صمويل تيلدين من ولاية نيويورك. تمكن تيلدين من نيل أعلى الأصوات في التصويت الشعبي، ما جعل الجمهوريين يتهمونه بالتزوير والتلاعب، وفي 8 يناير/كانون الثاني 1876 دعا عضو الكونغرس عن ولاية كنتاكي هنري واترسون، أحد الداعمين لصمويل تيلدين، أبناء ولايته للزحف إلى واشنطن لأجل ضمان تثبيته في البيت الأبيض. وقد ألهم نداؤه جوزيف بوليتزر، مؤسس جائزة بوليتزر الأدبية وصاحب جريدة "نيويورك وورلد"، للدعوة إلى نزول 100 ألف من أنصار "الحزب الديمقراطي" إلى الشوارع، وطلب إليهم حمل السلاح لمناصرة تيلدين. تكرر مشهد عام 1800، وجال الديمقراطيون في شوارع العاصمة، رافعين الهراوات في وجه الناس وهم يصرخون: "تيلدين أو الدم". هددوا باقتحام البيت الأبيض وتثبيت مرشحهم بالقوة، ولكنهم أجبروا على التراجع وتقبل خسارته، ما جعل صمويل تيلدين يعتزل العمل السياسي من يومها، قبل وفاته سنة 1886.

أ ف ب
تظهر هذه الصورة الملتقطة في 14 مايو 1960 المرشح الديمقراطي جون ف. كينيدي أثناء حملته الرئاسية في مدينة نيويورك

تزوير انتخابات عام 1960 

في مثال أقرب إلى ذاكرة الناس، التزوير الذي حدث في انتخابات عام 1960، التي جرت بين المرشح الديمقراطي جون كينيدي ونائب الرئيس في حينها، المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون. تحدثت يومها جريدة "واشنطن بوست" مع الصحافي إيرل مازو، الذي كتب سيرة نيكسون سنة 1959، فقال: "كانت هناك مقبرة في شيكاغو، حيث سُجلت الأسماء الموجودة على شواهد القبور بوصفهم ناخبين. أتذكر منزلاً مدمراً بالكامل لا أحد فيه، سجّل من داخله 65 صوتاً لكينيدي". 
وظهرت حالات تزوير وتلاعب إضافية في ولاية تكساس، حيث كان زميل كينيدي ليندون جونسون مرشحاً، وهو الذي أصبح نائباً له وخلفه في البيت الأبيض سنة 1963. أرادت جريدة "نيويورك هيرالد تريبيون" نشر 12 حلقة عن عمليات التزوير ولكنها لم تنشر إلا أربعاً منها بطلب شخصي من نيكسون الذي قال إن البلاد، وفي خضم الحرب الباردة، "لا يمكنها تحمل أزمة دستورية". طالب أعضاء فريق نيكسون الانتخابي بإعادة فرز أصوات ولايات إلينوي وميسوري ونيوجيرسي، ولكن نيكسون رفض وفي مذكراته، وسوّغ موقفه بالقول إن هذا الإجراء– لو حدث– لأعطى مسوغاً لدول أميركا اللاتينية للطعن في كل عملية انتخابية تجري هناك. كتب نيكسون: "في هذه الدول كل سياسي تافه سيدعي أن هناك احتيالاً كلما خسر انتخابات، وأنا على يقين أن النتائج لو كانت معكوسة، لما تردد كينيدي بتحديها". فاز جون كينيدي في تلك الانتخابات وتسلّم الحكم من 20 يناير 1961 وحتى مقتله في مدينة دالاس في 22 نوفمبر 1963.

دارت شبهات في أثناء انتخابات عام 2004 بأن فريق الرئيس بوش الانتخابي تدخل في فرز الأصوات لصالحه ضد المرشح الديمقراطي جون كيري

الانتخابات الإشكالية سنة 2000

خاض نائب الرئيس الأميركي آل غور انتخابات عام 2000 مرشحاً عن "الحزب الديمقراطي"، مدعوماً من الرئيس بيل كلينتون، وكان منافسه مرشح الجمهوريين وحاكم ولاية تكساس جورج بوش الابن. انفجر الخلاف في ولاية فلوريدا، التي كان بوش قد ربحها بفارق مئات الأصوات، ولكن قوانين الولاية فرضت عليه إعادة فرز الأصوات. ونزل مناصرو بوش إلى شوارع مدينة ميامي رافضين عملية إعادة الفرز، وتبين لاحقاً أنهم لم يكونوا مواطنين عاديين بل موظفون معتمدون في "الحزب الجمهوري". وجهت اتهامات لشقيق بوش بالتدخل في العملية الانتخابية، وقيل إن بعض الناخبين الزنوج منعوا من التصويت، ولم يعطَ الناخبون من أصول إسبانية وهاييتية بطاقات اقتراع بلغتهم الأم، ولم توفر لهم الترجمة المطلوبة للإدلاء بصوتهم. فاز جورج بوش بأصوات فلوريدا مجدداً، بنسبة 0.009 في المئة، ودخل البيت الأبيض لولايتين متتاليتين، بدأت الأولى في يناير 2001 وانتهت الثانية في يناير 2009.

أ ف ب
المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري جورج دبليو بوش يوجه التحية للحشد خلال الحملة الانتخابية

اتهامات تزوير في انتخابات 2004

دارت شبهات في أثناء انتخابات عام 2004 بأن فريق الرئيس بوش الانتخابي تدخل في فرز الأصوات لصالحه ضد المرشح الديمقراطي جون كيري. وكتبت الصحف المحسوبة على "الحزب الديمقراطي" أن الانتخابات "سُرقت" من يد كيري، داعين إلى فتح تحقيق وإعادة فرز الأصوات، ولكن مقالاتهم وادعاءاتهم لم تلقَ أذناً مصغية في واشنطن، وجدد للرئيس بوش في البيت الأبيض.

... وفي عام 2016

مع أنه خرج من هذه الانتخابات منتصراً، فإن الرئيس دونالد ترمب كان قد هدد في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بالقول: "إذا فزت... سأتقبل نتائج هذه الانتخابات الرئاسية العظيمة والتاريخية". وفي أثناء الانتخابات، اتهم ترمب الديمقراطيين بالتزوير والتلاعب، تحديداً في ولاية آيوا، وقال إن أربعة ملايين مهاجر غير شرعي صوتوا لصالح منافسته هيلاري كلينتون. وفي المقابل، قال أنصار كلينتون إن ترمب استنجد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإن الأخير تدخل لصالح الجمهوريين في هذه الانتخابات، ولكن كل ذلك لم يمنع ترمب من الفوز بولاية رئاسية واحدة.

... و2020

لجأ ترمب إلى الحجج نفسها في انتخابات عام 2020، ومن حسابه الخاص على منصة "تويتر"، قال إنه لن يقبل النتائج في حال هزيمته أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن. وعند إعلان النتائج، أصر ترمب على أن تزويراً فاضحاً قد حصل، وهاجم عملية التصويت عبر البريد معتبراً أنها أدت إلى إسقاط الأصوات التي كانت لصالحه. وبعد مدة، نفى مدير وكالة "FBI" اتهامات رئيسه وقال إن جهازه الأمني "لم يشهد أي نوع من التزوير الممنهج، سواء عبر البريد أو أية وسيلة أخرى". ورفع ترمب دعوات قضائية عدة، رفضت جميعها لعدم وجود براهين وأدلة وفي 20 يناير 2021، أقسم جو بايدن اليمين رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.

font change

مقالات ذات صلة