موازنة الجزائر "المتفائلة"... الأضخم منذ الاستقلال

تصل إلى 126 مليار دولار وعجز بـ62 مليارا وتعزيز لموازنة الدفاع

Shutterstock
Shutterstock
مبنى البرلمان في العاصمة الجزائر.

موازنة الجزائر "المتفائلة"... الأضخم منذ الاستقلال

تتجه الجزائر لإقرار أضخم موازنة في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 بقيمة تصل إلى 126 مليار دولار، وقدمت الحكومة الجزائرية رؤية "متفائلة" عن الوضعية الاقتصادية والمالية على اعتبار أنها تتوقع نموا للنشاط الاقتصادي خارج القطاع النفطي يصل إلى نحو 5 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2025-2027 (بمعدل 5 في المئة في عام 2025 ثم 5,3 في المئة في سنة 2026 و4,8 عام 2027)، بالإضافة إلى ارتفاع ملموس في صادرات السلع والمحروقات المقدرة على أساس سعر السوق البالغ 70 دولارًا أميركيًا.

يؤكد خيار الموازنة الضخمة رغبة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الاستمرار في نهج الحفاظ على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية للجزائريين وضمان الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة والسكن وتقديم دعم مالي واسع للفئات الضعيفة أو الهشة، إذ تمثل التحويلات والإنفاق الاجتماعي نسبة 35,3 في المئة من هذه الموازنة.

تعزيز القدرات الدفاعية

لا تختلف بنود موازنة الجزائر لعام 2025 عن البنود المعمول بها في السنوات الأخيرة، والمقصود هنا تأطير الاقتصاد الكلي والموازنة خلال الفترة الممتدة ما بين 2025 -2027، إذ تم اعتماد 60 دولارًا أميركيًا كسعر مرجعي لبرميل النفط الخام خلال الفترة المذكورة و70 دولارًا كسعر سوق تقديري لبرميل النفط الخام خلال الفترة نفسها.

من المرتقب أن تستمر الجزائر في تعزيز القدرات الدفاعية، إذ تكشف موازنتها لعام 2025 ارتفاعا لافتا ومستمرا في موازنة الجيش إلى نحو 25 مليار دولار

كما أنه من المرتقب أن تستمر الجزائر في تعزيز القدرات الدفاعية في القطاع العسكري، إذ تكشف الموازنة العامة للجزائر لعام 2025 ارتفاعا لافتا ومستمرا في موازنة الجيش ووزارة الدفاع إلى أكثر من 3,35 تريليون دينار جزائري أي ما يعادل 25 مليار دولار، بزيادة تُقدر بثلاثة مليارات دولار مقارنة بموازنة عام 2024.

ويصف محللون هذا الارتفاع بـ"المنطقي"، نظرا إلى تفاقم استحقاقات الأمن والدفاع الوطني لدى الجزائر، لا سيما مع تعاظم الأخطار المتعلقة بالإرهاب على حدودها، بسبب ما تعانيه دول الجوار من هشاشة سياسية وضعف في مؤسساتها الرسمية على غرار مالي والنيجر وليبيا.

غيتي
عرض عسكري للجيش الجزائري خلال الاحتفال بذكرى استقلال الجزائر، 5 يوليو 2022.

كما أنه من المنتظر أن تستمر الجزائر في الإنفاق الاستثماري السخي على قطاعات التعليم العالي والصحة والمنافع الاجتماعية التي خصصت لها 5,9 تريليونات دينار، أي ما يعادل 43 مليار دولار، ويشكل 35 في المئة من اعتمادات موازنة 2025.

ولطالما أثار موضوع الدعم جدالا كبيرا بسبب بروز دعوات لإيجاد السبل للانتقال من الدعم العام إلى استهداف المستحقين حصرا، وقد باشرت مصالح الرئاسة فعلا العمل على هذا الملف من أجل ترشيد نفقاتها وتقليص العجز الكبير المسجل في الموازنة. وأعلنت الحكومة تشكيل لجنة لإصلاح الدعم الاجتماعي تضم ممثلين عن أحزاب ونقابات وخبراء.

اللافت بحسب المشروع التمهيدي للموازنة الجزائرية 2025، الارتفاع الملحوظ في مستوى العجز المالي المتوقع، الذي يوازي نحو 62 مليار دولار، بعدما كان يعادل نحو 45 مليار دولار في 2024

ويقول صالح صالحي، وهو أستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلم التسيير في جامعة فرحات عباس سطيف، في تعليق على هذه الأرقام، إنه "بات من المطلوب ترشيد اعتمادات التحويلات الاجتماعية من خلال رقمنة وتدقيق الدعم المباشر وتحديث البيانات الخاصة بالمستفيدين، ومراجعة وسائل التحكم في الدعم غير المباشر للحد من الاستحواذ على الدعم أو تهريبيه أو تصديره، واعتماد أدوات جديدة مكملة من خارج الموازنة العامة، تأتي في مقدمتها موارد القطاع الثالث الذي يضم موارد الأوقاف والزكاة والمؤسسات الخيرية". ويعتبر المتحدث مسألة ترشيد مخصصات الاعتماد التحويلية "خطوة في غاية الأهمية لما سيترتب عليها من تحكم مرن في زيادة الطلب واحتواء ارتفاع الأسعار وتقليل الأخطار التضخمية".  

اللافت بحسب المشروع التمهيدي للموازنة الجزائرية 2025، الارتفاع الملحوظ في مستوى العجز المالي المتوقع، الذي يوازي نحو 62 مليار دولار، بعدما كان يعادل نحو 45 مليار دولار في موازنة السنة الجارية. وربطت الحكومة الجزائرية هذا الارتفاع بالزيادة الكبيرة في النفقات (9,9 في المئة) مقارنة بالإيرادات (3,5 في المئة)، لكنها لم تكشف في المقابل طرق تغطية هذا العجز. في هذا المضمار يقول الباحث الجزائري في مجال المصارف والاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية، سليمان ناصر، إن "أهم تساؤل واضح يطرح اليوم ويجب على نواب البرلمان الجزائري طرحه على الحكومة، يتعلق بالطريقة التي تتم بها تغطية هذا العجز لأن هناك طرقا عدة إما بالاستدانة الخارجية التي سبق للرئيس الجزائري أن أكد عدم اللجوء إليها، أو بالاستدانة الداخلية أي طبع النقود في إطار التمويل غير التقليدي وهو النظام الذي أعابه أيضا الرئيس كثيرا".

رؤية إيجابية للاقتصاد الجزائري

في المقابل، تضمنت الموازنة الجزائرية للسنة المالية 2025، مؤشرات "إيجابية" تعتبر امتدادًا للأداء الإيجابي للاقتصاد الجزائري منذ بداية عام 2021، حيث من المرتقب أن يشهد النمو الاقتصادي ارتفاعًا ملحوظًا يصل إلى 4,5 في المئة في عامي 2025 و2026، على أن يشهد تباطؤا ليصل إلى 3,7 في المئة في عام 2027، نتيجة لانخفاض نسبة نمو القطاع النفطي، الذي سيشهد نموًا بنسبة 2,4 في سنة 2025 ليستقر في سنة 2026 عند 0,3 في المئة قبل أن يسجل انخفاضًا بنسبة 2,6 في المئة عام 2027. وترتكز هذه الأرقام على السياسة المنتهجة لتنمية القطاع النفطي التي تقوم على إعادة إنعاش أعمال التنقيب من خلال تكثيف جهود الاستكشاف وتحسين نسبة الاسترجاع على مستوى حقول النفط والغاز بهدف زيارة الإنتاج الأولي من المحروقات ليصل إلى 206 مليون طن مكافئ بترول في سنة 2027.

من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الإسمي إلى ما يعادل 278,7 مليار دولار في عام 2025، ثم نحو 300 مليار دولار في 2026

خارج القطاع النفطي، سيسجل النمو الاقتصادي في المتوسط نسبة 5 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 2025 – 2027، ونحو 5 في المئة في عام 2025 ثم 4,5 في المئة في عام 2026 و4,8 في المئة في عام 2027. ومن المرتقب أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الإسمي إلى 37,9 تريليون دينار، أي ما يعادل 278,7 مليار دولار في عام 2025، ثم 40,85 تريليون دينار، أي 300,7 مليار دولار في 2026، و41,86 تريليون دينار أو 308,13 مليار دولار، في عام 2027. 

Shutterstock
أوراق نقدية من الدينار الجزائري.

وسترتفع الإيرادات الإجمالية المتوقعة بين عامي 2025 و2027 بنسبة متوسطة تقدر بـ3,1 في المئة، مدفوعة بشكل أساسي بارتفاع الإيرادات الجبائية 8,1 في المئة في المتوسط. كما ستتحسن إيرادات موازنة 2025 بنسبة 3,5 في المئة مقارنة بتوقعات الإغلاق لسنة 2024، لتبلغ 8,5 تريليون دينار، في مقابل 8,23 تريليون دينار، أي ما يعادل 64 مليار دولار. ويعود هذا التحسن بشكل أساسي إلى ارتفاع الإيرادات الجبائية بنسبة 9 في المئة.

احتياطي النقد الأجنبي في منحى تصاعدي

ومن المتوقع أن تسجل إيرادات الموازنة خارج الجباية النفطية ارتفاعًا بنسبة 7,3 في المئة عام 2025، و7,2 في المئة عام 2026، و5,4 في المئة سنة 2027، مدفوعة أساسا بتطور مختلف أنواع الضرائب ومداخيل الأملاك التابعة للدولة، بالإضافة إلى مختلف حواصل الموازنة، في حين من المنتظر أن تتراجع مداخيل المساهمات المالية للدولة بنسبة 56,8 في المئة سنة 2024.

تبنت الحكومة الجزائرية خطوة جديدة لتعزيز التمويل المستدام لمشاريع الدولة الاستراتيجية وتحفيز الاستثمار المحلي. تتمثل في الترخيص للخزينة العامة لإصدار أوراق مالية "صكوك سيادية"

تواصل الجزائر تعزيز مكانتها الاقتصادية من خلال احتياطات قوية من النقد الأجنبي، والمتوقع أن يسجل الميزان التجاري فوائض خلال الفترة 2025 – 2027 لتكون على النحو الآتي: 4,83 مليار دولار في عام 2025 و3,57 مليار دولار عام 2026 و3,35 مليار دولار عام 2027. ومن المفترض أن يرتفع احتياطي الصرف في عام 2025 مقارنة بتوقعات الإغلاق لسنة 2024، ليصل إلى 72,95 مليار دولار. وأصبحت الجزائر، بفضل هذه الأرقام، تحتل المرتبة الأولى بين الدول الأفريقية الخمس التي لديها أعلى احتياطات من النقد الأجنبي، 64,6 مليار دولار.

وتبنت الحكومة الجزائرية خطوة استراتيجية جديدة لتعزيز التمويل المستدام لمشاريع الدولة الاستراتيجية وتحفيز الاستثمار المحلي. تتمثل هذه الخطوة في الترخيص للخزينة العامة لإصدار أوراق مالية "صكوك سيادية" تتيح للأشخاص الطبيعيين والمعنويين المشاركة في تمويل البنية التحتية ومرافقة السوق العمومية للدولة الجزائرية أو المرافق العامة للدولة، في مظهر من مظاهر توسيع أدوات التمويل. 

حفزت الحكومة على خوض هذه التجربة، الحصيلة الإيجابية التي حققتها البلاد منذ تفعيل قطاع الصيرفة الإسلامية للمساهمة في احتواء السوق الموازية والبحث عن مصادر تمويل مصرفية جديدة لتعزيز موارد الخزينة العامة، حيث بلغت قيمة الودائع في المصارف والمؤسسات المالية العامة والخاصة نحو 500 مليار دينار أي ما يعادل 3,7 مليارات دولار منذ انطلاقها في أبريل/ نيسان 2020 إلى نهاية أغسطس/ آب 2022.

في 2024، أشرف الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين

ويمهد قانون الموازنة الجديد للبدء بتنظيم عمل المناطق الحرة، وضبط شروط وقواعد دخول البضائع إليها والخروج منها، تحضيرًا لإنشاء هذه المناطق وتسييرها، لا سيما في المناطق الحدودية، حيث تعتزم الجزائر وفقا لتصريحات رئيسها إنشاء خمس مناطق حرة مع كل من تونس وليبيا والنيجر وموريتانيا ومالي. وعلى ما يبدو أن المحطة الثانية بعد موريتانيا ستكون مع النيجر.

يذكر أنه في 22 فبراير/ شباط 2024، أشرف الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين. والمراد من هذا المشروع وفق تحليلات، أن يكون همزة وصل في مجال التبادل التجاري والصناعي بين الجزائر ودول غرب أفريقيا.

font change

مقالات ذات صلة