"صلية صاروخية" والحرب الأهلية

"صلية صاروخية" والحرب الأهلية

حتى كتابة هذه الكلمات، سجل العدد الإجمالي للضحايا منذ بدء الهجوم الاسرائيلي على لبنان 2968 قتيلا و13319 جريحاً. فتحت الحكومة 1133 مدرسة ومركزاً معتمداً لاستقبال النازحين، منها 957 مركزاً وصلت الى الحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية.

مليون نازح على الأقل حتى الآن. غادر لبنان عبر مطار بيروت 178 ألف مسافر، منهم 12 ألفا من الرعايا العرب والأجانب، وإلى الأراضي السورية، منذ 23 سبتمبر/أيلول الى 31 أكتوبر/ تشرين الأول، 361300 مواطن سوري و177864 لبنانياً.

يقدر وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، أن خسائر دمار المباني السكنية والمنشآت التجارية والصناعية والصحية والزراعة والبنى التحتية تناهز 20 مليار دولار، وتُحدَّث الأرقام على مدار الساعة. فقد الناتج المحلي الإجمالي ما بين 8 الى 12 في المئة، وقفزت البطالة 20 في المئة في شهر واحد، وتحتاج إغاثة النازحين الى 250 مليون دولار شهريا، بحسب خطة الطوارئ الحكومية، أي ان المساعدات الطارئة المقررة في مؤتمر باريس الأخير (800 مليون دولار) تكفي لثلاثة أشهر فقط حاجات النازحين في الشتاء المقبل، في حال الإيفاء بها كلها، من دون احتساب المساعدة المخصصة للجيش اللبناني (200 مليون دولار)، ما لم يفرض حصار بحري وجوي كامل.

لبنان على "اللائحة الرمادية" للدول الخاضعة لتدقيق خاص، مما سيصعب التحويلات من لبنان وإليه، ويدفع المصارف الدولية الى التشدد في تطبيق المعايير الدولية لعدم التورط في شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

في مناسبة مرور خمس سنين بالتمام والكمال على الانهيار الاقتصادي والمصرفي الشامل في لبنان، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، الذي صنفه البنك الدولي كإحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبعد العديد من التحذيرات منذ عام 2023، أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على "اللائحة الرمادية" للدول الخاضعة لتدقيق خاص، مما سيصعب التحويلات من لبنان وإليه، ويدفع المصارف الدولية الى التشدد في تطبيق المعايير الدولية لعدم التورط في شبهات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عبر لبنان. وستتعرقل آليات الإستيراد والتصدير، وستظهر التداعيات السلبية تباعا كلما تأخرت إعادة هيكلة المصارف وتطهير النظام القضائي، واستمر "اقتصاد الكاش" مستفحلا، مما يعني مع الظروف الراهنة أن لبنان يسير الى تصنيف "اللائحة السوداء" بكل "ممانعة" وإصرار وتصميم.

"العودة الى العصر الحجري" 

منذ سنوات كانت النكتة الرائجة في لبنان، ردا على أول تهديد اسرائيلي مبكر في عام 2018، بإعادة لبنان الى العصر الحجري، تقول بأن إسرائيل لن تجد بنية تحتية في لبنان لتهدمها أصلا. بعد إفلاس الدولة ومصرف لبنان والمصارف وضياع جنى عمر اللبنانيين، زاد انتشار تلك "النكتة السوداء" مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية المماثلة، وآخرها في يونيو/حزيران 2024 على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي كرر قدرة إسرائيل على إعادة لبنان "إلى العصر الحجري" إذا لزم الأمر، محذرا من أن حربا شاملة مع "حزب الله" يمكن أن تكون "مروّعة".

اليوم، ومع إطفاء الشمعة الخامسة لـ"سرقة العصر" المتمثلة في نهب ودائع اللبنانيين في المصارف، وخسارتهم السقف المالي الذي ورثوه من آبائهم وأجدادهم وادخروه على مدى عقود، تحسبا للأيام السود، كمثل هذه الأيام، يجد ثلث اللبنانيين أنفسهم يخسرون أيضا سقفا يؤويهم، إما بدماره نهائيا أو بنزوحهم بعيدا من مناطق حمم النار المنهمرة داخل البلاد وخارجها.

"السردية" و"الصلية صاروخية"

وسط هذا الحريق الهائل، على الرغم الاختلال المفجع في ميزان القتلى والجرحى والخسائر منذ سنة، يبقى البعض مصرا على "السردية" العقيمة لمحور الممانعة، خصوصا على وسائل التواصل الإجتماعي، من خارج لبنان خصوصا، بعيدا من خطوط النار، وهي ظاهرة لافتة اجتماعيا بـ"ممانعتها الشرسة"، ومعانيها المستقبلية على المجتمع والعائلات اللبنانية.

بعيدا من "كليشيهات" التلاحم الوطني اللبنانية المصطنعة، إن دلت الأرقام والوقائع الاقتصادية والاجتماعية على شيء، فإنما تدل على شيء واحد، أن ما ينتظر لبنان بعد وصفة "السردية" و"الصلية الصاروخية"، هو "الحرب الأهلية"

لكن الأهم من "السردية" حاليا، هو مصطلحا "الميدان" و"صلية صاروخية"، اللذان باتت حياة اللبناني المعدوم ومستقبله قائمين على إيقاعهما اليومي، خصوصا بعد فشل اتفاق وقف النار الأخير. 

وللعلم، أصل "الصلية" فعل صلى، كما جاء في القرآن الكريم، سورة المسد، {سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}، وفي "الميدان" حاليا تعني "رشقة" من الصواريخ التي تُصلى بها المستوطنات الإسرائيلية.

بعيدا من "كليشيهات" التلاحم الوطني اللبنانية المصطنعة والممجوجة، إن دلت الأرقام والوقائع الاقتصادية والاجتماعية على شيء، وهي مرشحة للأسوأ كلما طالت الحرب، فإنما تدل على شيء واحد، أن ما ينتظر لبنان في "الميدان الداخلي" بعد وصفة "السردية" و"الصلية الصاروخية"، هو "الحرب الأهلية"... وتاليا العصر الحجري الموعود!

font change