يواصل فوزي بنسعيدي مغامرته السينمائية وفق تجريب بصري مبتكر، أفصح عنه في فيلمه القصير "الحائط"، مجترحا أسلوبه الخاص في فيلمه الطويل الأول "ألف شهر"، مع تحقيق طفرة نوعية في فيلمه الطويل الثاني، "يا له من عالم جميل"، ثمّ قفزا إلى فيلمه الجديد "الثلث الخالي"، الفائز منذ أيّام، بجائزة التحكيم للمهرجان الوطني للفيلم في طنجة 2024، فضلا عن جائزة الصورة.
كوميديا سوداء
على مدار 128 دقيقة يضطر زميلا العمل مهدي وحميد إلى القيام برحلة عبثية إلى جنوب المغرب، بأمر من وكالة القروض بغية استرجاع ديون زبائن من الطبقة المعدومة التي يقطن معظمها في قرى ودواوير منسية، طاعنة في هباء الصحراء. بدءا بفلاح/ راعي ماعز، يجردانه من سجادة ومعزاة مقابل عجزه عن سداد ما تبقى من القرض، وعامل منجم "الإثمد" الذي يجردانه من كيس ملؤه هذه المادة السوداء، وسائق نقل مزدوج يجردانه من سيارته للسبب نفسه.
ثلاث لوحات بصرية بديعة ممهورة بالكوميديا السوداء المؤسسة على حكايات درامية دامغة. إثر عودتهما إلى الدار البيضاء، يكشف خط الفيلم عن جزء من سيرتَي البطلين حميد والمهدي، الأول في علاقة خطوبة بابنة أسرة تتحكّم فيها الأم بسلطوية مبالغ فيها، والثاني يصدمه اقتراح والدته بالتخلي عن ابنته لصالح امرأة ثرية بعد أن تخلت عنها زوجته الهاربة.
يواصلان رحلتهما ويعرجان على حلاق. يجلبان له مجموعة زبائن كيما يقص شعورهم كإعانة لدفع مبلغ للوكالة. ثم سرعان ما يؤوبان إلى الجنوب من جديد، ويقفان على أسرة في دوار موّل ابنها بالقرض هجرته غير الشرعية بقارب إلى أوروبا وما من طريقة لاستعادة الدين، وأما زبدة هذه التعقبات المأسوية والمضحكة في آن، فبقّال قام المخرج نفسه بأداء شخصيته، جرداه من سلعته وبوابته بعد أن أكلا قدر المستطاع من سردينه المعلب وارتويا من مشروباته الغازية.