هل يخرج سادات لبناني؟

هل رأت "حماس" كم دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية بسبب جهد فلسطيني (السلطة) ودبلوماسي عربي تقوده السعودية

هل يخرج سادات لبناني؟

بينما كانت تنعقد في العاصمة السعودية الرياض، أولى جلسات التحالف العالمي لتنفيذ "حل الدولتين"، وهو التحالف المعنيّ بترجمة هدف إنشاء دولة فلسطينية "تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل"، وفق ما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، كان تعثر المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان هو سيد الموقف.

على وقع الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ أكثر من عام، والحرب في لبنان التي توسعت وزادت حدتها منذ أكثر من شهر، يزداد تعنت الأطراف التي تملك القرار، شروط إسرائيلية وشروط مقابلة من كل من "حماس" و"حزب الله".

في غزة، تريد "حماس" العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من ويلات على الفلسطينيين ومآسٍ ومجازر جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومع ذلك لا تزال "حماس" ومؤيدوها من كتاب وصحافيين وسياسيين وناشطين لا يتورعون لحظة عن تخوين كل من ينتقد عملية "طوفان الأقصى"، ويصر الإعلام الداعم لسردية "محور الممانعة"، على أن ما حققته "حماس" في تلك الليلة هو "نصر".

في لبنان، حيث يعاني البلد أساسا من أزمات لا متناهية، أتت الحرب لتحول أزماته إلى مآسٍ ونزوح ومجازر، حرب قيل إنها لـ "إسناد غزة"، فلا هي خففت عن غزة ولا هي حمت لبنان واللبنانيين من همجية الحرب الإسرائيلية.

في عصر الإنترنت والسوشيال ميديا، لم يعد نموذج أحمد سعيد مقنعاً، مهما حاولت ماكينات إعلامية وسياسية ترويج نموذج أحمد سعيد

من نبه من اللبنانيين خلال عام مما ستأتي به الحرب على لبنان، تم تخوينه أيضا ووصل الأمر إلى حملات تهديد بالقتل لسياسيين وصحافيين وناشطين.

اليوم وقد وقعت الحرب وطالت لبنان، كل لبنان، وصار واضحا لكل عاقل حجم الاختراق الإسرائيلي لـ"حزب الله" وللبنان ككل، كما صار جلياً لمن يفكر ولو قليلا في مصلحة لبنان الدولة، أن "حزب الله" لم يأتِ على لبنان إلا بالويلات وخصوصا في العشرين عاماً الأخيرة، ومع ذلك يصر البعض على الاستمرار في سياسة "النعامة".

أن تقوم إسرائيل بعملية "كوماندوز" وتختطف بحارا مدنيا من مدينة البترون شمال لبنان، قيل إنه مرتبط بعمليات نقل سلاح لـ"الحزب" بين سوريا ولبنان، وأن تستغرق هذه العملية كما ذكرت الوسائل الإعلامية 4 دقائق فقط، فهذا ليس حدثاً عابراً. أن ينتظر لبنان الرسمي والشعبي الإعلام الإسرائيلي لمعرفة المستهدف أو الهدف من أي غارة إسرائيلية على أرضه، في ظل غياب شبه تام لمصدر مطلع رسمي لبناني لما يحصل في لبنان، وفي ظل ضبابية وغموض يلف كل ما يحيط بعمل "حزب الله" ومن يقود عملياته، هو أمر أقل ما يقال عنه إنه "مستهجن".

في عصر الإنترنت والسوشيال ميديا، لم يعد نموذج أحمد سعيد مقنعاً، مهما حاولت ماكينات إعلامية وسياسية ترويج نموذج أحمد سعيد. قبل أسابيع سأل الأستاذ ممدوح المهيني: "لماذا نتذكر السادات هذه الأيام؟". ويجيب في مقاله: "الإجابة واضحة؛ وهي أن الخيار الذي اتخذه هو الخيار الذي أثبت أنه الصحيح والصائب رغم حملة التخوين والهجوم المكثفة عليه حتى بعد اغتياله. وقد تعرض لحملات تشكيك وحفلات شتم حتى من أعضاء في حكومته، وقد كان مصيباً عندما أبعدهم تماماً عن مفاوضات "كامب ديفيد"، وحصر النقاشات في شخصه وفي أسامة الباز. لقد كان يرى ما لا يرون ولديه أحلام أكبر وأبعد. ويتذكر بطرس غالي أن الرئيس السادات كان لديه هدف واحد وهو استعادة السيادة الوطنية لمصر عبر إعادة أرضه المحتلة واعتبار السلام خياراً استراتيجياً".

هل رأت "حماس" كم دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية بسبب جهد فلسطيني (السلطة) ودبلوماسي عربي تقوده السعودية، بينما كان قادتها يوزعون صكوك الوطنية على الآخرين من مقر إقامتهم؟

بعيدا عن إعطاب دبابة إسرائيلية من هنا، وتحطيم جدار منزل أو مصنع في الداخل الإسرائيلي، أو حتى قتل جنود إسرائيليين (بلغ عدد القتلى خلال شهر أكتوبر في إسرائيل 88 قتيلا في معارك غزة ولبنان وعمليات داخل إسرائيل، ووصل العدد إلى ما يقارب الـ2900 مدني في لبنان فقط في الفترة نفسها)، ألم يحن الوقت للمصارحة؟ ما هدف حركات "المقاومة"؟ هل تريد "حماس" الدولة الفلسطينية؟ ألم يتحرر جنوب لبنان في مايو/أيار من عام 2000؟ هل تملك الحكومة اللبنانية جرأة مطالبة النظام السوري بتثبيت لبنانية أو سورية مزارع شبعا في الأمم المتحدة؟ هل المقاومة هي وسيلة للوصول إلى السلام؟ وهل المقاومة حصرا هي المقاومة المسلحة، المقاومة ذات الطابع الديني لا الوطني؟ أم إن المقاومة صارت هي الهدف؟

هل يخرج علينا سادات ما في لبنان ليصارح اللبنانيين أولا بأن الأولوية اليوم هي لبناء الدولة المتآكلة بفعل "المقاومة" بشكل أساسي وبفعل من استفاد وتآمر على الدولة مع "المقاومة"؟ أم ستبقى المصالح وحملات التخوين والتخويف عائقا أمام ظهور من يؤمن بالدولة؟

هل رأت "حماس" كم دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية بسبب جهد فلسطيني (السلطة) ودبلوماسي عربي تقوده السعودية، بينما كان قادتها يوزعون صكوك الوطنية على الآخرين من مقر إقامتهم؟

التخوين والترهيب والتهديد لن يغير من حقيقة ما حصل ويحصل، وحدها المصارحة ستخطو بنا جميعا أولى خطوات بناء دولة فعلية قادرة على الدفاع عن الوطن والمواطن، عن الإنسان الذي يبدو لا قيمة له لا عند قاتله الإسرائيلي ولا عند من يستخدمه كرقم على هامش الأحداث والحروب كما فعلت وتفعل الممانعة.

font change