وفي حين يكافح اللبنانيون في السنوات الأخيرة للبقاء في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وبنية سياسية هشة، وجدوا أنفسهم مجددا رهينة لصراع إقليمي جديد، أدخل لبنان في حرب مدمّرة، لا أفق واضحا حتى الآن عن كيفية انتهائها، والأثمان التي ستدفع من دماء ودمار وخراب، والمزيد من التشرذم الداخلي ربما يصل إلى حد النزاع الداخلي.
وسط هذه الحرب التي دخلت شهرها الثاني، بدأ ناقوس خطر الفتنة الداخلية يدق، خصوصا مع ضعف استجابة الدولة اللبنانية ومؤسساتها لاستقبال حوالي مليون و200 ألف نازح، فروا من قراهم ومدنهم منذ بدء الحرب. فقد شكل النزوح الجماعي تحت وطأة الضربات الإسرائيلية "اختبارا للتوازن الطائفي الهش" في لبنان، وفق "واشنطن بوست"، حيث تسبب القصف الإسرائيلي في هدم مبان بأكملها يقيم فيها نازحون في مناطق مسيحية، وذلك لاستهداف أفراد من "حزب الله"، كما حدث في الشمال اللبناني.
بعض الممارسات التي قام بها نازحون في عدد من المناطق اللبنانية، كاحتلال أملاك خاصة بقوة السلاح، وتحديدا في مدينة بيروت، إضافة إلى وجود عناصر من "حزب الله" في مناطق سكنية لا تنتمي إلى بيئة "حزب الله" ولا تؤيد سياسته، دفعت الكثير من اللبنانيين إلى رفع الصوت، والمطالبة بوضع حد لهذه الممارسات، إلى حد المطالبة بالتدقيق في هوية النازحين للتأكد إذا كان بينهم عناصر ينتمون لـ"الحزب"، خوفا من استهداف مناطقهم، الأمر الذي أدّى في بعض الأماكن إلى ارتفاع منسوب الاحتقان الداخلي.
أيضا كان لافتا التحذير الفرنسي قبل أقل من أسبوعين من أن "حربا أهلية وشيكة" في لبنان، عبر وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الذي قال: "إنّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان يمثل ضرورة لأمننا الجماعي"، محذراً من انهيار هذا البلد، ومن خطر اندلاع "حرب أهلية وشيكة" فيه. وقال في تصريح لقناة "إل سي إي" التلفزيونية: "إن موقفنا، في الوقت الراهن، قائم وبخاصة على التخوف من حرب أهلية وشيكة في لبنان"، وفق "فرانس برس".
"سلم أهلي" مصطنع
وفي هذا السياق يرى وسام اللحام، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف أنّه: "من الطبيعي في أي مجتمع يعيش حربا كبيرة مثل التي نعيشها اليوم، أن تحصل احتكاكات بين شعبه، خصوصا مع قلة الموارد، والضائقة التي يعيشها الناس، بغض النظر عن طوائفهم. ودائما يكون الحل عبر حفظ الدولة لكرامات الناس، وأن لا يتعرض الأضعف للاستغلال، وفعليا هناك خطورة لما يحصل اليوم، والمشكلة الأساس هي في غياب الدولة، لأن هناك نظاما سياسيا على رأسه "حزب الله" دمر الدولة. والنازحون هم ضحايا أيضا، تم طردهم من بيوتهم، ووجدوا أنفسهم في الطرقات من دون حماية، وهم الذين كانوا يلجأون إلى حزبهم الذي كان يؤمن لهم الحماية منذ عقود، ففجأة أصبحوا دون حمايته، وهو أصلا يحتاج إلى من يحميه".
وأضاف لـ"المجلة" "أنّ السلم الذي كان يعيشه لبنان خلال الفترة الماضية، كان سلما مصطنعا، لأن الحزب الذي صادر قرار الدولة، كان الطرف الأقوى عسكريا. نعم كان هناك نوع من السلم الأهلي يعيشه لبنان، ليس لأن هناك دولة قائمة على العدالة والمساواة، بل لأن هناك حزبا قمعيا استبداديا، لا أحد يستطيع منافسته".