ليس دقيقا أن المعلومات حول الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" اللبناني الشيخ نعيم قاسم شحيحة، بل هي متوفرة ووافرة، لكن صاحبها منذ بروزه لا يحظى بالمتابعة، لا تلحقه الأعين، ولا تحبّه الكاميرا، حظه من الكاريزما التي كان يتمتع بها سلفه (نصرالله) صفر، ومرد ذلك يعود إلى شخصيته الشديدة الصرامة، التي حالت دون تفاعله مع محيطه، برغم تخصصه بعلم الخيمياء وتدريسه المادة لأكثر من عشر سنوات.
هذا التناقض بين اختصاصه وشخصيته، سيطر على حديث الناس والإعلام، مؤخرا، لدرجة أنه طغى على أمور كثيرة، أظهر فيها الأمين العام انسجاما كليا بين ما يؤمن به، وما يسعى إلى تحقيقه.
لا يمكن مثلا، فصل الدين عن الشيخ نعيم، فهو من مؤسسي العمل الإسلامي في لبنان، ومن قادته الأوائل، شخصيته المحافظة جعلته منذ شبابه ينجذب إلى التيارات الدينية، وفي الثامنة عشر من عمره كان يلقي دروسا في الفقه والعقيدة في مساجد بيروت وحسينياتها.
شارك في بداية السبعينات، في تأسيس "اتحاد الطلبة المسلمين في لبنان" مع مجموعة من رفاقه، بهدف نشر الفكر الإسلامي، وكان مسؤوله في منطقة المصيطبة.
كما نشط في اللقاءات الأولى التي عقدها الإمام موسى الصدر، للتحضير لانطلاقة حركة "المحرومين"، بزمالة مصطفى شمران (الإيراني الجنسية) ولأنه كان مهتما بمسألة تعميم الثقافة الإسلامية، والسلوكيات والمظاهر الدينية في المجتمع الشيعي، تولى مسؤوليات ثقافية ودينية في الحركة.
وانسجاما مع أفكاره الدينية، شارك في تأسيس جمعية "التعليم الديني الإسلامي" التي نقلت المجتمع الشيعي تدريجيا من "الجاهلية المذهبية" إلى "ولاية الفقيه" لاحقا، ومع الوقت صار للجمعية كتبها الخاصة، وتمكنت بإشرافه من إعداد المعلمين، الذين لعبوا دورا محوريا في نشر التربية الدينية، وثقافة المقاومة في المدارس، ثم أسس سلسلة من المدارس والثانويات مثل "ثانوية المصطفى" ومراكز لإقامة الأنشطة التوعوية مثل احتفالات تكليف الفتيات عند بلوغهن سن الحجاب، و"المجالس العاشورائية".
بعد عام على الثورة الإسلامية في إيران، استقال الأستاذ الخيميائي من كل المناصب الحركية ومن التعليم الأكاديمي أيضا، قاطعا آخر الخيوط التي تربطه بالخيمياء، وقرر التوجه نحو الدراسة الحوزوية، كون تجربته التربوية العميقة جعلت منه "مثقفا دينيا بارزا"، فدرس العلوم الدينية في حوزات بيروت، وواصل نشاطه التوعوي الديني في المساجد والحسينيات.