الآن وبعد أن وضعت الحملة الانتخابية أوزارها، لم يبق أمام المتنافسين الجمهوري والديمقراطي سوى الانتظار بعد أن ألقيا الكرة في ملعب الناخب الأميركي، الذي بات أمام خيارين كلاهما مر في نظر الكثيرين.
الخطابان الأخيران اللذان ألقاهما كل من المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، يرسمان الملامح الرئيسة للمسار الذي ستسلكه الولايات المتحدة، والذي سيساهم في تحديد مستقبل العالم، الذي بات يرى النموذج الديمقراطي الأميركي مهددا بالانهيار، مع ما يعنيه ذلك من زوال الهيبة والتفرد على الساحة الدولية، وتجاسر القوى الكبرى الأخرى على التقدم لسد الفراغ، وانجرار العالم إلى دوامة من الفوضى.
هذا الخطاب هو بمثابة خطاب "الوداع" إذ ينذر بفنائه سياسيا. ومن هنا ستكون هذه الحملة الشرسة، إما بعثا لروح اليمين المتشدد الصاعد الذي تجسده الظاهرة "الترمبية" التي اجتاحت المشهد السياسي الأميركي على مدى العقد الأخير، ومن ثم الضغط على اليسار الذي يعاني تحت وطأة سيطرة الحرس القديم من الديمقراطيين، أو أفول المد الشعوبي الذي قاده ترمب، وانتقلت عدواه إلى أوروبا.
اختار المرشحان موقعين لإلقاء خطابيهما، يشكلان رمزا لما يجسده كل منهما من نهج سيضع البلاد عند منعطف تاريخي. ففي نيويورك، أقام ترمب منصته بميدان "حديقة ماديسون" أمام حشد من أنصاره، متوسطا أفراد عائلته، وطائفة من المليارديرات والمشاهير من أبرزهم إيلون ماسك، وعدد من الفنانين، منهم الكوميديان هينشكليف الذي تهكم على السود والفلسطينيين واليهود، وعلى سكان بورتوريكو التي وصفها بأنها "جزيرة عائمة من النفايات".
هذه النكتة السياسية كفيلة بأن تكلف ترمب ولاية بنسلفانيا المتأرجحة والحاسمة، والتي تضم نحو نصف مليون صوت من مواطني بورتوريكو. هذا التضامن الذي تجلى على منصة ماديسون بين المال والتصريحات المناوئة للأقليات والمهاجرين، يشكل السمة البارزة لحملة ترمب. وهذه القضايا، إلى جانب ادعاء أنه المنقذ الاقتصادي لأميركا والقادر الأوحد على تغيير حياة الأميركيين ماديا، هي محط جذب القطاع الأعظم من مؤيديه، علاوة على ما يمثله ترمب نفسه من نموذج مختلف، يتحدى كافة الصور النمطية السائدة عن الساسة، رغم ما ينطوي ذلك عليه من مخاطرات.
ركز ترمب خطابه على إذكاء الحماس بين قاعدته الجماهيرية، التي يتكئ عليها أكثر من مغازلة الناخبين على الجانب الآخر من الضفة السياسية. فاختار الأوتار التي يجيد اللعب عليها، حينما سأل أنصاره عما إذا كانت أوضاعهم الاقتصادية الآن أفضل مما كانت عليه قبل أربعة أعوام، فهو يعلم أنه على الرغم من أن البلاد كانت لا تزال في مخاض التعافي من الوباء، عندما غادر البيت الأبيض صاغرا، فإن قطاعا كبيرا من الأميركيين مستاؤون من تفاقم أوضاعهم المعيشية في ظل ارتفاع التضخم.