واشنطن - قبل ثمانية عشر عاما، وسط حرب بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان، رفضت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس الدعوات لوقف إطلاق النار، ووصفت العنف بأنه جزء من "آلام ولادة شرق أوسط جديد". وها هي ذي الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم، من جديد، منساقة وراء السياسة التوسعية لرئيس الوزراء الإسرائيلي لإعادة تصور للشرق الأوسط.
تسلط المحاولات المستمرة للقوى الخارجية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الضوء على حقيقة أساسية وهي أن المنطقة لم تطور لنفسها إطارا سياسيا أو أمنيا شاملا يوحد القوى الرئيسة (الدول العربية، تركيا، إسرائيل، وإيران). والحال أنه ما لم يتوفر هيكل إقليمي مستقر، وإذا بقيت الأنظمة السياسية متباينة، تخوض صراعات بينية متعددة، فسيظل الشرق الأوسط عرضة للتدخلات الخارجية والخطط الطموحة.
لقد بدأت موجة التحول السابقة بهجوم إسلامي متطرف في 11 سبتمبر/أيلول 2001، ما دفع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لشن حملة عسكرية شاملة في جميع أنحاء المنطقة. ولم يكن الهدف وقتها محصورا في إسقاط نظامي طالبان وصدام حسين، بل كان أيضا العمل على إجراء تحول كبير في إيران وسوريا لتحويلهما، وبالتالي خلق شرق أوسط متحالف مع الولايات المتحدة، وربما ديمقراطي.
وفي هذه المرة، اندلع الصراع الحالي نتيجة لهجوم إسلامي متطرف– هذه المرة من قبل "حماس" على إسرائيل، ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تطوير استراتيجية واسعة وعدوانية لاستخدام القوة العسكرية ليس فقط لهزيمة "حماس" وإعادة فرض السيطرة على غزة، ولكن أيضا لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال مواجهة وكلاء إيران أولا، ثم إيران نفسها. في هذا الصراع، بدأت الإدارة الأميركية بمحاولة احتواء الصراع وإبرام اتفاقات متعددة لوقف إطلاق النار، ولكن بعد أشهر من الفشل، وجدت الولايات المتحدة نفسها تتماشى مع استراتيجية إسرائيل التحويلية الأكثر طموحا وخطورة.
للولايات المتحدة تاريخ طويل في محاولة التأثير على الشرق الأوسط أو إعادة تشكيله. وقد أثمرت محاولاتها عن نتائج كان بعضها إيجابيا وبعضها سلبيا، ونجح بعضها بينما فشل البعض الآخر. قبل أكثر من قرن، تميزت الولايات المتحدة عن القوى الأوروبية من خلال إطار النقاط الأربع عشرة للرئيس وودرو ويلسون، التي دعت إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، في تناقض واضح مع الطموحات الاستعمارية الأوروبية التي كانت تسعى للسيطرة على الأراضي العربية بعد تفكك الدولة العثمانية. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، لعبت الولايات المتحدة أيضا دورا رئيسا في إنهاء الحكم الاستعماري البريطاني والفرنسي في المنطقة، وتوّج ذلك بإصرار الرئيس أيزنهاور على انسحاب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل من قناة السويس وسيناء بعد هجومهم عام 1956.