"المجلة" تنشر وثيقة أوروبية عن سوريا... تعيين مبعوث خاص وملف اللاجئين يحرك "اللاءات الثلاث"

ورقة من الخارجية السورية ردا على الخطة العربية... والصفدي يقترح على الأسد تحديثها

"المجلة"
"المجلة"
الصفحتان الأولى والثانية من الوثيقة الأوروبية

"المجلة" تنشر وثيقة أوروبية عن سوريا... تعيين مبعوث خاص وملف اللاجئين يحرك "اللاءات الثلاث"

يتداول مسؤولون غربيون وعرب، وثيقتين سريتين تتعلقان بسوريا حصلت "المجلة" على نصهما، الأولى أوروبية تتعلق بـ"العودة الطوعية للاجئين السوريين" وتقترح خطوات ملموسة بينها تعيين مبعوث أوروبي للانخراط مع دمشق ومؤسسات أممية للبناء على موضوع اللاجئين، وأحد المرشحين لهذا المنصب كريستيان بيرغر، والمشاركة في "إعادة تأهيل البنية التحتية" و"الحوار التقني على المستوى المحلي مع الأفراد غير المشمولين بالعقوبات" الأوروبية.

والوثيقة الثانية سورية، أعدتها وزارة الخارجية وسلمها الوزير السابق فيصل المقداد لعدد من نظرائه العرب ردا على ورقة عربية شرحت معايير التقارب مع دمشق السنة الماضية. الجديد هنا، أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اقترح على الرئيس بشار الأسد قيام لجنة مشتركة بتحديثها بحيث يقوم الجانب الأردني بترويجها عربيا وغربيا.

الورقة الأوروبية

جرى قبل يومين، اجتماع أوروبي لمناقشة ورقة أوروبية تقع في ثلاث صفحات، أعدت بعد اجتماع سابق عقد بناء على طلب سبعة وزراء أوروبيين رفعوا رسالة مشتركة إلى منسق الشؤون الخارجية جوزيف بوريل، طالبين فيها مراجعة السياسة المعتمدة مع دمشق والتخلي عن "اللاءات الثلاث" المتعلقة بالعقوبات والتطبيع والإعمار، ومبدأ أنه "لا يمكن تحقيق السلام في سوريا في ظل النظام الحالي".

وكان مجلس الاتحاد الأوروبي قد أقر في أبريل/نيسان 2017 الاستراتيجية الأوروبية وتقوم على "ثلاث لاءات": لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سوريا ما لم يتم تحقيق "تقدم ملموس" في العملية السياسة حسب القرار الدولي 2254.

"المجلة"
نص رسالة سبعة وزراء خارجية أوروبيين إلى منسق الشؤون الخارجية جوزيف بوريل

وبقيت هذه "اللاءات" مرجعا لموقف الدول الأوروبية ومنسجمة مع موقف واشنطن الرافض للتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق. وتقود الموقف الغربي كتلة رباعية، تضم أميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. وبدأت في الفترة الأخيرة تبرز كتلة مقابلة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أرسل وزراء خارجية إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا إلى بوريل رسالة و"لا ورقة" أوروبية له وللاتحاد الأوروبي إزاء سوريا.

 خلال 13 سنة، قدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أكثر من 33.3 مليار يورو على شكل مساعدات إنسانية وتنموية واقتصادية ومساعدات لتحقيق الاستقرار، لدعم السوريين داخل البلاد وفي جميع أنحاء المنطقة

وأظهر اجتماع غير معلن لممثلي الدول الأوروبية عقد في بوخارست نهاية مايو/أيار، انقساما بين اتجاهين في الاتحاد الأوروبي، أحدهما متمسك بالموقف الأوروبي، والثاني برغماتي إزاء الوضع الراهن. وفي منتصف سبتمبر/أيلول عقد اجتماع آخر لبحث "المقترحات السباعية"، تمخض عن الطلب من الاتحاد الأوروبي صوغ ورقة تتناول ثلاثة بنود: التعافي المبكر، اللاجئين، العقوبات والالتزام المبالغ بها.

لكن بعد الحرب في لبنان بين إسرائيل و"حزب الله" وعودة عشرات آلاف السوريين ولجوء آلاف اللبنانيين، طرحت فكرة الانخراط مع دمشق من بوابة أخرى، وهي اللاجئون، بسبب ضغط المهاجرين والإرهاب في أوروبا وصعود اليمين في عدد من الدول.

بالفعل، قدمت المفوضية "لا ورقة" في نهاية أكتوبر، وجرت مناقشتها قبل يومين، أي قبل تسلم  الأستونية كايا كالاس منصب الممثلة الأعلى للسياسات الخارجية خلفا لبوريل. وتقول الوثيقة، التي حصلت "المجلة" على نصها الإنكليزي: "من بين نحو 5 ملايين لاجئ سوري مسجل في البلدان المجاورة، يوجد 3.1 مليون لاجئ في تركيا، وحوالي 770 ألفا في لبنان، وحوالي 620 ألفا في الأردن. وحتى وقت قريب، سعى عدد محدود نسبيا من السوريين للحصول على فرص للعودة إلى ديارهم. وخلال الفترة من عام 2016 إلى عام 2023، تحققت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو راقبت عودة حوالي 391488 لاجئا من المنطقة (تركيا، لبنان، الأردن، العراق، ومصر)". ثم أضافت: "مع التصعيد الأخير للصراع بين إسرائيل و(حزب الله) في لبنان، نزح أكثر من مليون شخص، فيما يقدر أن أكثر من 300 ألف شخص قد عبروا إلى سوريا، 70 في المئة منهم سوريون. ونظرا لاحتمال أن لا يتمكن هؤلاء الأفراد من العودة إلى لبنان، وفي ظل التغيير الكبير في الوضع، من الضروري النظر في كيفية تعزيز الاتحاد الأوروبي لمساعدته الإنسانية ودعمه للتعافي المبكر في سوريا".

أ ف ب
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل في جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ

وخلال 13 سنة، قدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أكثر من 33.3 مليار يورو على شكل مساعدات إنسانية وتنموية واقتصادية ومساعدات لتحقيق الاستقرار، لدعم السوريين داخل البلاد وفي جميع أنحاء المنطقة. ويشمل ذلك أكثر من 2.3 مليار يورو داخل سوريا حتى الآن. وتعهد الاتحاد الأوروبي، في الدورة الثامنة من مؤتمر بروكسل، بتقديم مبلغ 2.12 مليار يورو للعامين 2024 و2025.

دعم العودة الطوعية للسوريين

وإذ تشير الورقة إلى عمل الاتحاد الأوروبي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدراسة سبل دعم أولئك الذين يختارون العودة إلى سوريا "بما يتماشى مع معايير المفوضية للعودة الطوعية والآمنة والكريمة"، تشير إلى أنه "رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، تبرز الحاجة الملحة لإيجاد آلية تتيح للاتحاد الأوروبي الاضطلاع بدوره الكامل– بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة– نظرا للزيادة الكبيرة في الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن عبور أعداد متزايدة من السوريين واللبنانيين إلى سوريا".

تؤكد الوثيقة على التعاون مع "الشركاء الدوليين"، "نظرا لأن العائدين لا يزالون يواجهون مخاطر كبيرة في مجال الحماية، ولذلك سيكون من الضروري الاستمرار في مراقبة الوضع بعناية مع تطوره"

كما تقترح تركيز الدعم على محورين رئيسين:

(1) إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، خاصة في المناطق التي تضم أعدادًا كبيرة من النازحين داخليًا أو العائدين المحتملين.

(2) تحسين الوصول إلى الوثائق المدنية للأشخاص المتأثرين بالنزاع، إلى جانب دعم السوريين في استعادة أراضيهم ومنازلهم. وستضاف هذه المساعدات إلى الدعم المخطط له لتوسيع قدرات المفوضية السامية لرصد الأوضاع داخل سوريا.

مشاركة الاتحاد الأوروبي

تشير الورقة إلى ضرورة التركيز على "قضايا تتطلب معالجة حكيمة وأن تتوفر أدلة واضحة على تلبية معايير الأمم المتحدة، ويجب احترام وضع الحماية للاجئين السوريين في البلدان المجاورة وإعلاء مبدأ عدم الإعادة القسرية، ويجب تعزيز قدرة اللاجئين والمجتمعات المضيفة على الصمود".

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أبدت استعدادها للعمل مع الاتحاد الأوروبي لتسهيل عودة الأفراد الذين يختارون العودة إلى سوريا، لكن الورقة تقول: "أي أفق لعودة طوعية ومستدامة للاجئين السوريين يجب أن يكون مصحوبا بجهود التعافي المبكر في البلاد، ولا سيما سبل العيش وإصلاح الملاجئ. ويُعتبر هذا من النقاط الأساسية للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمفوضية في المستقبل".

دمار في حي سوري جراء الحرب والقصف

كما تؤكد على التعاون مع "الشركاء الدوليين"، وتوضح: "نظرا لأن العائدين لا يزالون يواجهون مخاطر كبيرة في مجال الحماية، سيكون من الضروري الاستمرار في مراقبة الوضع بعناية مع تطوره، ليس فقط عند الحدود، ولكن أيضا داخل سوريا، والاستفادة الكاملة من حوار المفوضية مع النظام. سيكون من المهم الحفاظ على موقف موحد من قبل المجتمع الدولي". وتضيف: "سيكون من الضروري استكشاف كيفية تعديل المعايير التشغيلية الخاصة بنا للتعامل مع الظروف الحالية، المتمثلة في تزايد العودة التلقائية إلى سوريا، دون تطبيع العلاقات مع النظام. كما يتعين علينا تفسير حدود الاتحاد الأوروبي بشأن الاستثمارات في ظل التدابير التقييدية ضد النظام، في ظل هذا السياق سريع التغير".

إجراءات محددة

تعرض الورقة اقتراحات محددة. وتقول: "مقر بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا قد انتقل إلى بيروت منذ عام 2017، فقد يساعد الحفاظ على وجود محدود على الأرض في تحسين الوعي بالوضع وجهود التنسيق، لا سيما مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لهذا الغرض، سيقوم رئيس المفوضية الأوروبية، بموافقة الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بتعيين مبعوث خاص للشؤون المتعلقة بسوريا".

تجاهلت الوثيقة، التي أعدت قبل حرب لبنان والموقف الحيادي الذي اتخذته دمشق منها، وجود إيران وميليشياتها و"حزب الله" في سوريا، الذي كان أحد مطالب الخطة العربية التي قدمت إلى دمشق

كما تقترح تعزيز وتوسيع نطاق إجراءات "التعافي المبكر" التي موّلها الاتحاد الأوروبي في سوريا لعدة سنوات، وزيادة التمويل ليشمل الوصول إلى الصحة والتعليم وفرص العمل الأساسية والمنشآت الصغيرة للطاقة والمياه. وينبغي أن يصاحب ذلك ضمانات أمنية وطمأنينة لتهيئة الظروف للعودة المستدامة. وتضيف: "قد تنظر المفوضية في مزيد من المشاركة في إعادة تأهيل البنية التحتية، مع التركيز على دعم السلطات المحلية والمشروعات الصغيرة لتعزيز خلق فرص العمل، ولا سيما في المناطق التي تشهد عودة للسوريين إليها. ويتطلب هذا النهج توافقا داخل الاتحاد الأوروبي لتعديل المعايير التشغيلية وفق استراتيجية الاتحاد الأوروبي في سوريا".

ويختلف هذا عن موقف الاتحاد الأوروبي الذي يرفض المساهمة في تمويل "البنية التحتية" قبل تحقيق تقدم بالعملية السياسية وفق القرار الدولي 2254.

وأضافت الوثيقة: "قد تتطلب الظروف المتغيرة وبعض الإجراءات المخطط لها زيادة التواصل على الأرض، ويمكن متابعة الحوار التقني على المستوى المحلي مع الأفراد غير المشمولين بالعقوبات، مع مراعاة التقييم السياسي الدقيق والتحقق، وضمن الحدود التي حددها المجلس، ولا سيما الخطوط الحمراء الحالية لعدم التعامل مع النظام وممثليه".

الوثيقة السورية

عندما بدأ التقارب العربي مع دمشق في مايو/أيار 2023، قدمت دول عربية خريطة طريق لدمشق، تتضمن معايير وشروط وتوقعات. وبعد تردد كبير قدم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وثيقة تقع في 13 صفحة أُعدت قبل حرب إسرائيل في لبنان. الجديد أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التقى الأسد قبل أسبوع بحضور وزير الخارجية السوري الجديد بسام الصباغ.

الرئاسة السورية
الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلا وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في دمشق في 20 أكتوبر 2024

قال مسؤول عربي لـ"المجلة" إن الصفدي أكد أهمية تعديل رد سوريا على المبادرة العربية، واتفق الأسد والصفدي على "العمل على وثيقة مشتركة تسلط الضوء على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة السورية في ثلاثة مجالات رئيسة:

(1) عودة اللاجئين السوريين وجهود الحكومة لإزالة العقبات أمام عودة مواطنيها من لبنان، مع التركيز على الإجراءات الأمنية.

(2) إلغاء شرط تبديل 100 دولار على الحدود لتسهيل عودة السوريين.

(3) المرسوم الرئاسي الأخير: تمت مناقشة المرسوم التشريعي رقم 27/2024 الصادر في 22 سبتمبر 2024، حيث استعرض الرئيس فوائده للسوريين".

وقال الوزير الأردني إنه "بمجرد الانتهاء من الوثيقة، ستتواصل الأردن مع الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، لتشجيع نهج أكثر مرونة تجاه سوريا".

ماذا تضمنت الوثيقة السورية؟

 تجاهلت الوثيقة، التي أعدت قبل حرب لبنان والموقف الحيادي الذي اتخذته دمشق منها، وجود إيران وميليشياتها و"حزب الله" في سوريا، الذي كان أحد مطالب الخطة العربية التي قدمت إلى دمشق. كما أنها تتحدث عن مرحلة من دون التطورات الأخيرة بعد حرب غزة وبداية الحديث الأردني عن تهريب سلاح عبر الحدود.

أشارت الوثيقة إلى فشل مجلس الأمن (الدولي) في تمديد مفاعيل القرار 2672 جرّاء عرقلة الدول الغربية الثلاث (أميركا، بريطانيا، فرنسا) دائمة العضوية

وكان الأردن قد أعد خطة للتطبيع مع دمشق، نشرتها "المجلة"، وتضمنت أن عمّان والعواصم العربية الداعمة لها بشكل مباشر، والغربية المؤيدة بشكل صامت، لا تزال تضع خروج إيران من سوريا هدفا نهائيا لها مقابل رفع العقوبات وإعمار سوريا وخروج أميركا. ولم تتضمن "المبادرة الأردنية"، برنامجا زمنيا محددا للتنفيذ، لكنها تنتهي إلى أن الخطوات المتوقعة من دمشق وحلفائها هي "سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب (حزب الله) والميليشيات الشيعية"، مقابل "انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011 بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، وتمويل المانحين لإعمار سوريا".

تضمنت الوثيقة السورية عناوين رئيسة، سياسية وإنسانية وأمنية واقتصادية. وتنشر "المجلة" بعض فقراتها التي تعكس الموقف الرسمي لدمشق مع أن مؤسسات أممية وتقارير منظمات غير حكومية تتحدث عن مواقف ومعطيات مختلفة.

"المجلة"
الصفحة الأولى من الورقة السورية التي أعدتها وزارة الخارجية وسُلمت لوزراء عرب

في الشأن السياسي، قالت الوثيقة: "إن الجمهورية العربية السورية عبرت مرارا وتكرارا عن استعدادها للتعاون بشأن عملية سياسية بقيادة سورية ودون أي تدخل خارجي. واستجابت لجميع الجهود والمبادرات الصادقة في هذا الخصوص"، مشيرة إلى أنها "تابعت عمل لجنة مناقشة الدستور، وأيدت عقد الجولة التاسعة لهذه اللجنة، وطلبت من المبعوث الأممي (غير بيدرسون) العمل على ذلك في أقرب وقت ممكن. وبغية إيجاد مكان مناسب لعقدها قامت مؤخرا بإجراء اتصالات مع الحكومة العراقية التي وافقت على استضافة اجتماعات اللجنة الدستورية. وأبلغت سوريا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بذلك وحثته على بذل الجهود لتحقيق ذلك".

وأضافت: "في الوقت الذي دفعت فيه الدولة السورية باتجاه عملية سياسية تقوم على الاحترام التام لسيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، وعلى القضاء على البؤر الإرهابية، وإنهاء الوجود الأجنبي غير الشرعي على أراضيها، وتعزيز نهج المصالحات الوطنية والتسويات المحلية لإعادة الأمن والاستقرار، فإن استمرار الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية والتركية على مساحات واسعة من أراضي الجمهورية العربية السورية، وخاصة على المناطق الحدودية في شمال شرق وشمال غرب سوريا ومنطقة التنف (على الحدود السورية– الأردنية– العراقية) المحتلة، أوجد بيئة خارجة عن سيادة القانون وحاضنة للتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية لارتكاب جرائمها وممارساتها غير القانونية بحق الشعب السوري بما في ذلك ممارسات التهجير والتتريك والتغيير الديموغرافي، الأمر الذي يطيل أمد الأزمة ويعيق الجهود الرامية لإعادة بسط الأمن والاستقرار في ربوع البلاد". 

الملف الإنساني

مقابل الاختصار في الملف السياسي، ذكرت الوثيقة بالتفصيل الجهود في المجال الإنساني. وقالت: "بذلت حكومة الجمهورية العربية السورية قصارى جهدها لضمان استمرارية دور الدولة ومؤسساتها (...) على الرغم من التحديات الجمّة التي واجهتها جرّاء الإرهاب وأعمال العدوان وما نجم عنهما من إضرار بالبنى التحتية والمرافق الخدمية الأساسية والممتلكات العامة والخاصة، وكذلك جراء الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية والتركية على أجزاء من أراضيها، وما يرتبط بذلك من نهبٍ لثرواتها الوطنية من نفط وقمح ومحاصيل زراعية أخرى، والتدابير القسرية غير الشرعية المفروضة على سوريا وشعبها، وربط المانحين تمويلهم للعمل الإنساني بمشروطياتٍ سياسية للعمل التنموي وإعادة الإعمار".

أ ف ب
أسرة تحمل مساعدات غذائية في أطمة في شمال سوريا في ديسمبر 2013

وأشارت الوثيقة إلى تعاون حكومة الجمهورية العربية السورية مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والشركاء في العمل الإنساني، "حيث بلغ عدد المنظمات غير الحكومية الأجنبية المرخص لها بالعمل في سوريا 49 منظمة"، إضافة إلى الجهود بعد كارثة الزلزال الذي شهدته سوريا في 6 فبراير/شباط 2023.

وزادت الوثيقة أنه "في ضوء فشل مجلس الأمن (الدولي) في تمديد مفاعيل القرار 2672 جرّاء عرقلة الدول الغربية الثلاث (أميركا، بريطانيا، فرنسا) دائمة العضوية ذلك، ورفضها إدخال أية تحسينات ملموسة على القرار، منحت الحكومة السورية الأمم المتحدة إذنا باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر اعتبارا من 13 يوليو/تموز 2023، وتم تمديد العمل بالإذن لمدة ستة أشهر أخرى (...) لكن التنظيمات الإرهابية ورعاتها منعا مجددا تفعيل الاتفاق".

ذكرت الوثيقة أن سوريا "واجهت على مدى السنوات الماضية حربا إرهابية ظالمة، وظّفت من خلالها بعض الدول أداة الإرهاب لتحقيق أجنداتها السياسية

وقالت: "بذلك تكون الحكومة السورية قد أتاحت الوصول للشمال الغربي عبر خمسة معابر، ثلاثة معابر حدودية هي باب الهوى وباب السلامة والراعي، ومعبران من الداخل هما سرمدا وسراقب، وتبقى المشكلة القائمة متمثلة في ضمان منع وصول المساعدات الإنسانية إلى أيدي الجماعات الإرهابية وحرفها عن وجهتها".

اللاجئون... وأوروبا

كما فصلت الوثيقة موقف دمشق إزاء اللاجئين و"الفارين النازحين من المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة، حيث وفّرت لهم احتياجاتهم على قدم المساواة مع غيرهم من المواطنين السوريين". وأن الحكومة "أكدت مرارا أنه لم يتم التعرض لأي لاجئ عاد إلى وطنه، وتمت مطالبة المفوضية السامية للاجئين لموافاتنا بأية أسماء أو معلومات محددة في هذا المجال، ولم نتلق اسما واحدا. وأن الجهات السورية المعنية على استعداد لمعالجة أية حالة عند حدوثها بشكل فوري".

وتناقض منظمات حقوقية وأممية هذه المواقف السورية، وتقدم معطيات مخالفة لذلك.

أ ف ب
عاملون في برنامج الغذاء العالمي يوزعون مساعدات في أطمة شمال سوريا في ديسمبر 2023

وذكرت الوثيقة السورية، بعض خطوات دمشق إزاء ملف اللاجئين، بينها "مراسيم العفو وضمانات سلامة العائدين ونهج المصالحات والتسويات المحلية، وقد تمت تسوية أوضاع أولئك الذين ألقوا السلاح وفكوا ارتباطهم مع التنظيمات الإرهابية، حيث أصدرت الحكومة السورية على مدى السنوات الماضية 22 مرسوم عفو شامل وخاص، وذلك لتسوية أوضاع المطلوبين للعدالة، والفارين من الخدمة العسكرية، والإفراج عن السجناء".

المفقودون والمحتجزون

وأكدت الوثيقة أن الحكومة السورية "تولي أهمية كبيرة لملف المفقودين والمختطفين، وتنخرط بشكل إيجابي في عمليات تبادل السجناء والمختطفين ضمن إطار مسار آستانه". وزادت: "تعاملت الحكومة السورية بانفتاح مع كل الاستفسارات التي تلقتها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول أوضاع بعض المفقودين". وأضافت: "تعكف الحكومة السورية على إنشاء لجنة وطنية تعنى بشؤون المفقودين". وأشارت إلى أن "السجون في سوريا بنوعيها المدني والعسكري تخضع للرقابة القضائية ولأنظمة قانونية وإدارية. وتجري حاليا مراجعة شاملة لأحكام هذا النظام من قبل لجنة فنية وقانونية متخصصة بهدف تحسين ظروف نزلاء السجون ومؤسسات التوقيف العسكرية وتلافي بعض السلبيات التي كشفتها ظروف العمل فيها خلال سنوات الأزمة التي مرت بالبلاد... وجرى رفد جميع السجناء بنظام مراقبة بصرية عبر الكاميرات مما أسهم في زيادة ضبط عمل السجون والإشراف المستمر على أوضاع الموقوفين ومرافق السجن ومعالجة أية مشكلة قد تحصل في حينها. وقد عزز نظام المراقبة حس المسؤولية لدى القائمين بأعمال التحقيق أو المشرفين على السجن لدحض الادعاءات باستخدام الشدة وتعذيب الموقوفين".

الإرهاب والتهديدات الأمنية

وذكرت الوثيقة أن سوريا "واجهت على مدى السنوات الماضية حربا إرهابية ظالمة، وظّفت من خلالها بعض الدول أداة الإرهاب لتحقيق أجنداتها السياسية فاستقدمت عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب من مختلف دول العالم ومدتهم بالسلاح والمال لنشر الفوضى والدمار وزعزعة الأمن والاستقرار"، في إشارة إلى دعم فصائل معارضة في الأردن وتركيا.

أشارت الوثيقة إلى حرص دمشق على "التعاون الكامل مع دول الجوار لمكافحة شبكات التهريب التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية"

وزادت الوثيقة: "اليوم لا تزال التنظيمات الإرهابية- وفي مقدمتها تنظيما "داعش" و"جبهة النصرة/هيئة تحرير الشام" المدرجان على قائمة مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية- تواصل ارتكابها لجرائم بحق السوريين في المناطق التي توجد فيها... ويمثل وجود عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب ونسائهم وأطفالهم من نحو 70 جنسية، في مخيمات تسيطر عليها ميليشيات عميلة لقوات الاحتلال الأميركي شمال شرقي سوريا تهديدا خطيرا، الأمر الذي يقتضي تحمّل دول الأصل لمسؤولياتها في استعادة رعاياها ومقاضاتهم وإعادة تأهيلهم وذلك درءا لتحول هؤلاء الأطفال الذين يترعرعون في بيئة خصبة للفكر المتطرف إلى إرهابيين".

وقالت الوثيقة: "تشدد سوريا على ضرورة إنهاء الوجود العسكري للقوات الأميركية والتركية على أراضيها ووقف أعمال العدوان وانتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها هذه القوات. كما تؤكد سوريا على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضيها، إلى جانب سعيها المستمر لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية منذ عام 1967".

مخدرات وتهريب

وعن مكافحة تهريب المخدرات والإتجار بها، قالت الوثيقة: "قبل عام 2011 كان للتعاون بين سوريا والدول العربية والصديقة أثر كبير في مكافحة المخدرات، وعدم تنفيذ عدد كبير من عمليات التسليم المراقبة (...) لكن وقف الاتصال والتنسيق من قبل بعض الدول مع الجهات الأمنية السورية حد من ذلك".

"المجلة"
صفحتان من الورقة السورية التي أعدتها وزارة الخارجية وسُلمت لوزراء عرب

وأضافت: "ساهم قيام بعض الأطراف بدعم التنظيمات الإرهابية وتمكينها من السيطرة على مواقع حدودية ومساحات واسعة من الأراضي السورية في أن تصبح تلك المناطق مرتعا لشتى أنواع الجريمة المنظمة، بما فيها أعمال التهريب والترويج والإتجار بالمخدرات، وهو ما يستدعي الآن دعم جهود الدولة السورية لإعادة ضبط الحدود وبسط سلطتها وسيادة القانون على كامل أراضيها".

وأشارت الوثيقة إلى حرص دمشق على "التعاون الكامل مع دول الجوار لمكافحة شبكات التهريب التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية". وذكرت تفاصيل الاجتماعات التي عقدت في 2023 و2024، ومن بينها اجتماعات وزراء الداخلية، و"رسالتَا وزير الدفاع السوري بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2023، ووزير الخارجية والمغتربين بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى نظيرهما من الجانب الأردني أكدا فيهما حرص سوريا على التعاون والتنسيق بين البلدين في هذا الشأن، بما في ذلك الاقتراح على الجانب الأردني بتسيير دوريات عسكرية وأمنية مشتركة"، و"رسائل من مدير إدارة المخابرات العامة إلى نظيره الأردني بتاريخ  18 يوليو 2023، وبتاريخ 26 يوليو 2023، وبتاريخ 4 سبتمبر 2023، عرض فيها الإجراءات التي يقوم بها الجانب السوري استجابة لمعلومات الجانب الأردني، كما عرض تقريرا يتضمن إحصاء بشأن الإجراءات التي اتخذتها السلطات السورية المختصة على صعيد مكافحة المخدرات"، وأنه "تم تشكيل لجنة بتاريخ 27 فبراير 2023 مع الجانب الأردني مهمتها مراقبة الحدود الدولية مع الأردن ودراسة الخطة المتضمنة مقترحات للدفاع عن الحدود الدولية مع الأردن وحراستها". وختمت الوثيقة بأن "استئناف التعاون بين سوريا ودول الجوار أفضى إلى ضبط شحناتٍ وتوقيف أعضاء في عصابات إجرامية، كما تواصل سوريا عملها وتعاونها في هذا المجال بكل انفتاح وإيجابية".

font change

مقالات ذات صلة