لم يعد في إمكان البشر فهم أو حتى فرز هذا الفيض من المعلومات والصور والمشاهد. لا بل بتنا غارقين في بحر واسع منها، خاصة صور ومشاهد الحرب والعنف، يرافقها هطول غزير من التحليلات والخطابات والحوارات والأخبار وغيرها، على مواقع ومنصات باتت في متناول الجميع، حتى صرنا كمن يمشي ضمن الضباب الكثيف أو الدخان، غير قادرين على الرؤية أو الفهم.
الصورة هي أقدم طريقة تعبير عند الإنسان منذ رسومه على جدران الكهوف، وقد تطورت وتوسّعت مجالاتها الحياتية. فقبل عصر الكاميرا كانت هناك الرسومات التي تعبر عن الجوانب المتنوعة، ومنها المعارك والحروب، خاصة لناحية توثيق الانتصارات وتمجيد السلطة، أو الحاكم، على حساب الجوانب الأخرى من الحروب، وهي الضحايا البشرية والخسائر بأنواعها. أما الصورة الفوتوغرافية بعد اختراع الكاميرا، فيمكن القول إن انطلاقتها التأسيسية كانت في بدايات القرن العشرين.
الصورة والدعاية الحربية
منذ الحرب العالمية الأولى، قبل قرن وعقد، بدأت الصورة تشكل فعليا فكرة الحرب التي صارت مشهدا بصريا تصنع منه الصور وتنقل في مجموعة متنوعة من الوسائط، في حين أن الآثار على الناس ومعاناتهم لا تزال موضع تجاهل إلى حد كبير.
كانت النشرات الإخبارية آنذاك، أقدم أشكال الأخبار، ثم جاء استخدام الكاميرا. كان التصوير الفوتوغرافي للحرب العالمية الأولى رائدا، ليس فحسب بسبب اندماجه في دعاية الدولة، ولكن أيضا بسبب محتواه. لقد شكلت الصورة مثالا صارخا على ثورة إعلامية. هذا ما وصفه المؤرخ والديبلوماسي الأميركي جورج كينان (1904ـ2005) بقوله إنها أول حرب دعائية شاملة في تاريخ العالم في ما يتعلق باستخدام الأفلام والتصوير الفوتوغرافي.