تصاعد الملاحقات لصحافيين معارضين لـ"حزب الله"

وزارة الإعلام رضخت لضغوط "حزب الله"

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

تصاعد الملاحقات لصحافيين معارضين لـ"حزب الله"

بالتوازي مع تصاعد وتيرة العنف في الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"، تصاعدت حدة خطاب الكراهية، الممزوج بشحنات هائلة من التحريض على العنف والشحن المذهبي والطائفي والاتهامات بالتخوين والعمالة تجاه وسائل إعلام لبنانية وعربية ودولية، وكذلك صحافيين وناشطين سياسيين وقادة فكر ورأي، تجمع بينهم معارضة "حزب الله" والحرب التي أطلقها من جنوب لبنان لدعم حركة "حماس" في غزة.

هذه التهديدات ارتفعت وتيرتها بشكل يثير القلق في الأيام القليلة الماضية، بعدما بلغت حد التلويح باستهداف وسائل إعلامية بعينها، أو صحافيين معينين. الأمر الذي أعاد إلى أذهان اللبنانيين شبح الاغتيالات التي طالت عددا من الصحافيين والمفكرين والمثقفين البارزين، كان آخرهم الباحث والمفكر لقمان سليم عام 2021، والذي احتفت حاشية "حزب الله" باغتياله، وفي مقدمتها نجل أمينه العام الأسبق حسن نصرالله، المعروف بكونه أحد قادة جيوشه الإلكترونية.

سيادة السردية الواحدة

يشهد لبنان تراجعا مخيفا في منسوب حرية الإعلام، مقابل نمو الفكر القمعي والإلغائي بأدوات عديدة. يأتي على رأسها توظيف هيمنة "حزب الله" على قرار الدولة، لتطويع القضاء والأجهزة الأمنية، من أجل ملاحقة واضطهاد معارضيه، عبر استدعائهم للمثول أمام القضاء أو إصدار مذكرات توقيف سريعة بحقهم، بما يخالف القوانين المرعية الإجراء في لبنان، والتي تنص على مثول الصحافيين حصرا أمام محكمة المطبوعات، التي لا تصدر أحكاماً بالسجن، بل تكتفي بفرض غرامات مالية في حالة إثبات حصول مخالفة. مقابل إسباغ الحماية على من يتعرض للصحافيين ووسائل الإعلام باعتداءات جسدية أو كلامية.

ومن بين المؤشرات البارزة على انخفاض مستوى الحريات الإعلامية في لبنان، تراجع ترتيبه ضمن "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" لعام 2024، حيث احتل المرتبة 140، من أصل 180 دولة يشملها التصنيف، بعدما كان يحتل المرتبة 119 في العام 2023. هذا ويبرز اسم "حزب الله" في غالبية الاستهدافات. فرغم امتلاكه نفوذا كبيرا على عملية صناعة السردية التي تقدم إلى الرأي العام، فإنه يسعى عبر سياسات التخويف وإثارة الرعب هذه إلى تقويض تأثير كل السرديات المعارضة له، وتدجينها عبر فرض إملاءاته على الخطاب الإعلامي والسياسات التحريرية، وحتى المصطلحات المستخدمة في عمليات التغطية.

أحدث الاستهدافات في هذا الصدد، والتي تمثل انتهاكا فاضحا للقوانين والحريات، طالت الكاتبة في "المجلة" الأستاذة عالية منصور، والمعروفة بمقالاتها ومواقفها المعارضة لهيمنة "حزب الله"، حيث تعرض منزلها لعملية مداهمة من قوة تابعة لجهاز أمن الدولة بلا مقدمات، وجرى التحفظ عليها لمدة قصيرة، على خلفية استخدام صورتها على حساب مزيف يشارك منشورات إسرائيلية وبطريقة بدائية ومفضوحة. ناهيكم عن مخالفة القوانين بعدم إبلاغ الأستاذة منصور بالاستدعاء وفق الأصول القانونية، وصدور الإشارة القضائية عن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لا عن محكمة المطبوعات، فإن تنفيذ الإجراء يوم السبت تحديدا هو عمل متعمد ومتكرر من قبل السلطات الأمنية والقضائية في لبنان. القصد منه إبقاء الشخص المعني قيد التوقيف الاحتياطي لمدة يومين، لكون السبت والأحد عطلة رسمية، إلا أن منصور عادت إلى منزلها بعدما جرى الاستماع إليها.

نموذج الصحّاف و"حزب الله"

وفي الأسابيع القليلة الماضية، أعاد اللبنانيون استحضار نماذج إعلامية عربية آفلة اشتهرت بـ"البروباغندا"، مثل محمد سعيد الصحاف، وزير الإعلام في نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وأحمد سعيد، المذيع المصري الأشهر في إذاعة "صوت العرب" إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، لإسقاطها على الخطاب الإعلامي التحريضي والتخويني لـ"حزب الله" وحاشيته الإعلامية، والتهديدات العلنية والمباشرة التي ترد على ألسنة بعض مسؤوليه وشريحة واسعة من جمهوره.

وفي المؤتمر الصحافي الأخير لمسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله"، محمد عفيف، بدا نافراً للغاية، حيث أفرد مساحة واسعة من خطابه للتهجم على وسائل الإعلام المعارضة لاستبداد حزبه وهيمنته على القرار في لبنان، واتهامها بالتماهي مع الإسرائيليين، في الوقت الذي كان من المفترض التركيز على الضربات العنيفة التي تلقاها "حزب الله" والتي أدت إلى خسارته بنيته القيادية.

أعاد اللبنانيون استحضار نماذج إعلامية عربية آفلة اشتهرت بـ"البروباغندا"، مثل محمد سعيد الصحاف وأحمد سعيد

تهديدات عفيف ترجمت بحملة تخوين تعرضت لها محطة "ام تي في" المعارضة لـ"حزب الله"، والأكثر مشاهدة في لبنان. وطالت الحملة رئيس مجلس إدارتها، وكذلك أحد أشهر الوجوه الإعلامية في لبنان مرسيل غانم. الأمر الذي أدى الى زيادة إجراءات الحماية لغانم وللمحطة، بعد تلقيهما تحذيرات أمنية، وسط غياب وزارة الإعلام وتقاعسها عن الدفاع عن حرية الإعلام والصحافة المقدسة في لبنان منذ تأسيسه. فيما هي تقاوم الضغوط الشديدة التي تتعرض لها من قبل "حزب الله"، من أجل اتخاذ إجراءات عقابية شديدة ضد كل المؤسسات الإعلامية والصحافيين المعارضين له. 

(أ.ف.ب)
جنود لبنانيون يحيطون بحطام سيارة استهدفتها مسيرة إسرائيلية على الطريق الدولي قرب بلدة عاريا في 31 أكتوبر

اللافت أن وزارة الإعلام المحسوبة على رئيس "تيار المردة" ومرشح "حزب الله" وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية، رضخت إلى حد ما لضغوط "حزب الله"، وطلبت مرارا من وسائل الإعلام ضبط خطابها الإعلامي وسياستها التحريرية. كما أنها سارعت للتحرك على خلفية خبر مضلل نشر على بعض المنصات الإعلامية المحدودة الانتشار لكونه يطال سفارة بارزة. في حين أنها غضت الطرف تماماً عن تعرض مراسلي محطات تلفزيونية لبنانية وعربية وإقليمية ودولية لاعتداءات جسدية ولمضايقات وأعمال تنمر.

 

إصابة بالرصاص وحالة وفاة

وتعرض طاقم قناة "VTM News" البلجيكية في 3 أكتوبر/تشرين الأول إلى اعتداء عنيف أثناء تغطيته استهدافات طالت الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، معقل "حزب الله" الرئيس، حيث أصيب المصور برصاصة في قدمه، فيما تعرض المراسل إلى كسور بالغة. وبعدها بأيام، في 10 أكتوبر، تعرض فريق تابع لمحطة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية الرسمية "RAI" لاعتداء من أحد الأشخاص، أثناء تغطية آثار غارة إسرائيلية طالت بلدة شمال بيروت، مما أدى إلى وفاة سائق الفريق، اللبناني الجنسية، نتيجة إصابته بنوبة قلبية مفاجئة. كما تعرضت مراسلة إحدى القنوات التركية لاعتداء في حي بيروتي أثناء التغطية المباشرة. علاوة على الكثير من القصص والحوادث المشابهة، والتي تعكس مدى التأثير السلبي لخطاب الكراهية تجاه وسائل الإعلام المعتمد من قبل "حزب الله" وحاشيته الإعلامية. 
وفي 2 أكتوبر، تقدم أحد المحامين المقربين من "الحزب" بدعوى ضد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية السابق القاضي بيتر جرمانوس، اتهمه فيها بالتعامل مع إسرائيل، وذلك على خلفية تغريدة له على منصة "إكس"، علق فيها على الخطاب الأول لنائب أمين عام "حزب الله" (قبل تعيينه أمينا عاما)، الشيخ نعيم قاسم، مما اضطر جرمانوس إلى ترك لبنان والانتقال للإقامة مؤقتا في الإمارات. وفي 6 أكتوبر، صدرت مذكرة توقيف بحق الإعلامية مريم مجدولين اللحام، على خلفية تغريدة مثيرة للجدل طالت "الهيئة الصحية الإسلامية"، وهي مؤسسة تتبع لـ"حزب الله". ورغم إزالتها التغريدة، فإنها لا تزال تتعرض لحملة شعواء، بلغت حد إعلان عائلة أبيها التبرؤ منها تحت وطأة الضغوط. 
قبل ذلك بأشهر، في يونيو/حزيران، تعرض الصحافي رامي نعيم، المعروف بخطابه الحاد ضد "حزب الله"، إلى اعتداء جسدي من مجموعة مؤيدين لـ"الحزب" وثقته كاميرات المراقبة في أحد المقاهي. لكن، ورغم الضغوط والنداءات المتكررة، لم يحاسب أي من المعتدين بسبب إسباغ "حزب الله" حمايته المعنوية عليهم. وهذا ما شكل ضوءا أخضر لارتكاب الكثير من الاعتداءات المماثلة. وقد أسهمت كل هذه الحوادث المتعاقبة المستندة إلى خطاب الكراهية الموجه من "حزب الله" في خلق مناخ من الترهيب الذي يتضخم باستمرار، بما يعيد شبح الاغتيالات والاستهدافات التي طالت عددا من السياسيين وقادة الفكر والرأي في حقبة سابقة، أبرزهم سمير قصير وجبران تويني. 
أكثر من ذلك، فقد كشف عدد من النواب المعارضين لـ"حزب الله" عن تلقيهم رسائل تهديد بالقتل والاستهداف على هواتفهم النقالة غير مرة. وهذا المناخ المشحون أرخى بثقله على الخطاب الإعلامي المستخدم، من ناحية اضطرار الكثير من وسائل الإعلام إلى تعديل خطابهم الإعلامي بما يتناسب وأدبيات "حزب الله". ومع ذلك فإن عوالم منصات التواصل الاجتماعي تضج بتهديدات القتل والرصاص من أنصار "حزب الله" ضد صاحب/ة كل رأي لا يعجبهم، مرفقة بجمل أثيرة لدى هؤلاء الأنصار: "حقك رصاصة".

font change

مقالات ذات صلة