كيف تغيّر علوم البيانات قواعد الانتخابات الأميركية؟https://www.majalla.com/node/322876/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%91%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9%D8%9F
يمتلئ تاريخ الانتخابات بالتحولات والإبداعات التي شكلت مسارات الشعوب، ومن أبرز تلك اللحظات كانت تجربة إدارة الرئيس الأميركي جون كينيدي.
ففي خضم الصراعات والأحلام الأميركية، وُلدت "آلة الناس" كأداة ثورية تُعبّر عن رغبة عميقة في فهم نبض الجماهير. في وقت لم تكن فيه التحليلات والبيانات تُعتبر عنصراً أساسياً، انتقلت هذه الإدارة إلى آفاق جديدة، مستخدمة كميات هائلة من المعلومات لوضع استراتيجيات تصف مشاعر الناخبين وآمالهم.
في ذلك الوقت بدأ استخدام المحاكاة الحاسوبية واكتشاف الأنماط والتنبؤ بها في الحملات الانتخابية. وقد أنشأت بيانات استطلاعات الرأي من أرشيفات خبيري استطلاعات الرأي جورج غالوب وإلمو روبر نموذجًا للناخبين الأميركيين. وكانت المعلومات التي تم جمعها محورية في وضع استراتيجيات ذات صلة بالناخبين تضمن الوصول الى أصواتهم.
لم يكن استخدام البيانات في ذلك الوقت مجرد خطوة تكتيكية، بل كان تعبيرًا عن رغبة حقيقية في الحوار مع المواطنين، والتواصل مع آمالهم وأحلامهم. فقد فهم القائمون على حملة كينيدي أن كل صوت هو قصة، وكل استبيان هو فرصة لفهم المشاعر والتطلعات التي تحملها الجماهير.
ومنذ ذلك الحين بزغ عصر جديد يرتبط بالانتخابات حول العالم عصر تحليل البيانات الضخمة للتنبؤ بنتائج الانتخابات.
لكن الآن يشكل التنبؤ بنتائج الانتخابات تحديا كبيرا للمحللين السياسيين وعلماء البيانات على حد سواء. ففي عالم اليوم، حيث تتدفق البيانات بكميات هائلة، تصعب للغاية عملية التنبؤ دون اللجوء الى علم موثوق به وأجهزة كومبيوتر ضخمة والعديد من العقول النيرة.
ويشهد عالم السياسة تحولا جذريا بفضل التطور التكنولوجي المتسارع، ولا سيما مع ظهور البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وهي أدوات تلعب دورا محوريا في صياغة الاستراتيجيات الانتخابية وتوجيه الرأي العام. والآن يستخدم العلماء والحملات الانتخابية طرقا تحليلية متقدمة في محاولة للتنبؤ بنتائج الانتخابات.
بدايات متعثرة
في عام 2013، اكتسبت "وكالة إدارة الانتخابات العالمية" البريطانية زخما عالميا لأنها استخدمت تحليل البيانات المتقدم جنبًا إلى جنب مع الاتصالات الاستراتيجية أثناء العمليات الانتخابية، التي أثبتت نجاحها.
في مارس/آذار 2018، كشفت وسائل الإعلام عن ممارسات شركة مشبوهة، حيث تبين أنها حصلت على بيانات شخصية لملايين مستخدمي "فيسبوك" من طريق تطبيق طوره عالم نفسي ومحاضر في جامعة كمبريدج
كانت تلك الوكالة جزءا من شركة استشارات سياسية بريطانية تسمى "كمبريدج أنليتكا" التي أصبحت مشهورة عالميًا بعد فضيحة استغلال بيانات "فيسبوك". ركزت تلك الشركة على إدارة الحملات الانتخابية حول العالم، وتمتعت بعلاقات قوية مع شخصيات سياسية بارزة، بما في ذلك حزب المحافظين البريطاني، وبعض أفراد العائلة المالكة، والجيش.
واستخدمت هذه الشركة البيانات الشخصية للتنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما امتد نطاقها إلى ما هو أبعد من المملكة المتحدة والولايات المتحدة بعدما دعمت أكثر من 100 حملة عبر خمس قارات.
تم استخدام طرق البيانات هذه مرتين للمساعدة في تأمين النصر للرئيس الكيني أوهورو كينياتا أولاً في عام 2013، ثم مرة أخرى في عام 2017، كما استخدمت جاسيندا أرديرن، رئيسة الوزراء في نيوزيلندا، تحليلات البيانات الضخمة لسد الفجوة بين سياساتها وناخبيها، مما أقنع الناخبين إلى جانبها وضمن لها ولاية ثانية، وهو أمر سلط الضوء على أهمية التحليلات في كل من الانتخابات وصنع السياسات.
وفي مارس/آذار 2018، كشفت وسائل الإعلام عن ممارسات الشركة المشبوهة، حيث تبين أنها حصلت على بيانات شخصية لملايين مستخدمي "فيسبوك" من طريق تطبيق طوره ألكسندر كوجان، وهو عالم نفسي ومحاضر في جامعة كمبريدج.
وجمعت الشركة بيانات عن المستخدمين وأصدقائهم بشكل غير قانوني. واستخدمت هذه البيانات في تشكيل ملفات شخصية للناخبين وتوجيه الحملات الانتخابية بشكل أكثر دقة، وهو ما أثار غضبًا واسعًا وتحقيقات رسمية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
أغلقت الشركة أبوابها في عام 2018 بعد تلك الفضيحة، لكن بعض الشركات الشبيهة بها لا تزال موجودة حتى اليوم للمساعدة في عمليات التنبؤ بنتائج الانتخابات.
ما هي البيانات الضخمة؟
البيانات الضخمة هي مجموعات البيانات المعقدة التي تتجاوز قدرة أدوات التحليل التقليدية على معالجتها. تأتي هذه البيانات من مصادر متنوعة مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وسجلات البحث على الإنترنت، والمعلومات الديموغرافية، والتفاعلات الإلكترونية المختلفة.
تتنوع مصادر البيانات التي تستخدم في الحملات الانتخابية الحديثة إذ توفر منصات مثل "تويتر" و"فيسبوك" كنزا من البيانات حول آراء المستخدمين ومشاعرهم تجاه القضايا السياسية والشخصيات العامة
وتلعب البيانات الضخمة دورًا رئيسا في التنبؤات الانتخابية من خلال تحليل التوجهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على سلوك الناخبين، إذ يمكن أن توفر رؤى دقيقة حول التغيرات في المشاعر العامة وتحديد الدوافع التي تؤثر على اختيارات الناخبين، مما يسمح للحملات الانتخابية بالتكيف مع تلك التوجهات.
والآن أصبحت البيانات الضخمة أداة استراتيجية لا غنى عنها في الحملات السياسية المعاصرة. فهي تسمح بتحديد القطاعات الناخبة الأكثر تأثيراً، وتصميم حملات تسويقية مستهدفة، وتحليل أداء الحملة في الوقت الفعلي. وبفضل هذه البيانات، يمكن للحملات السياسية اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتكييف استراتيجياتها لتلبية احتياجات الناخبين المتغيرة باستمرار.
في الماضي، كانت التنبؤات الانتخابية تعتمد بشكل كبير على الاستطلاعات التقليدية وجمع البيانات من المصادر التقليدية مثل الحملات الانتخابية والاتصالات الشخصية. هذه الأساليب، رغم دقتها النسبية، كانت محدودة بكونها تعتمد على عينات عشوائية قد لا تعكس الرأي العام بدقة.
دمج البيانات
مع ظهور البيانات الضخمة، تغير المشهد تماماً. أصبحت الحملات الانتخابية تعتمد على تحليل كميات هائلة من البيانات المستمدة من مصادر متنوعة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وقواعد البيانات الحكومية، واستطلاعات الرأي المتقدمة. هذا التحول سمح بتحليل سلوك الناخبين بشكل أكثر دقة وتفصيلاً، مما أدى إلى تحسين دقة التنبؤات الانتخابية.
تتنوع مصادر البيانات التي تستخدم في الحملات الانتخابية الحديثة، إذ توفر منصات مثل "تويتر" و"فيسبوك" كنزا من البيانات حول آراء المستخدمين ومشاعرهم تجاه القضايا السياسية والشخصيات العامة. ويمكن تحليل هذه البيانات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاتجاهات الناشئة وتحديد القضايا التي تهم الناخبين.
تحتوي قواعد البيانات الحكومية على معلومات ديموغرافية وسياسية مفصلة عن الناخبين، مثل العمر، الجنس، الانتماء الحزبي، والسجل الانتخابي. ويمكن استخدام هذه البيانات لتحديد الشرائح المستهدفة من الناخبين وتصميم رسائل انتخابية مخصصة. كما تم تطوير استطلاعات الرأي بشكل كبير بفضل التكنولوجيا الحديثة. فيمكن الآن إجراء استطلاعات عبر الإنترنت وتطبيقات الأجهزة المحمولة، مما يزيد حجم العينة وسرعة جمع البيانات، كما يمكن استخدام الخوارزميات لتحليل البيانات بشكل أعمق والكشف عن العلاقات المعقدة بين المتغيرات المختلفة. كما يمكن أيضًا تحليل بيانات المعاملات المالية وبيانات الشراء لتحديد الاهتمامات الاقتصادية للناخبين وتأثيرها على قراراتهم الانتخابية.
تكمن القوة الحقيقية لعلم تحليل البيانات الضخمة في دمج البيانات من مصادر متعددة مما يوفر رؤى أعمق وأكثر شمولية حول سلوك الناخبين. على سبيل المثل، يمكن مقارنة البيانات المستخلصة من استطلاعات الرأي مع البيانات التي تم جمعها من وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد توافق الآراء أو التناقضات. كما يمكن مقارنة أنماط تصويت الناخبين في الانتخابات السابقة مع البيانات الجديدة للتنبؤ بتحولات سلوكية محتملة، هذا الدمج يمنح الحملات القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بشكل أكبر واستهداف الناخبين بطرق أكثر فعالية.
تعتمد الحملات الانتخابية الحديثة بشكل كبير على التحليلات الإحصائية المتقدمة لفهم سلوك الناخبين وتوجيه استراتيجياتها
على الرغم من أن البيانات الضخمة يمكن أن تحدث تحولا كبيرا في الحملات الانتخابية، إلا أن هناك تحديات عدة تتعلق بجودة البيانات وموثوقيتها. فقد تواجه البيانات المستخلصة من مصادر متعددة مشكلة عدم الاتساق، مما يصعّب دمجها وتحليلها بشكل فعّال. كما أن الأخطاء في تصميم الاستطلاعات أو جمع البيانات، تؤدي بطبيعة الحال إلى تحيزات تؤثر على دقة النتائج، خاصة إذا كانت بعض المجموعات السكانية غير ممثلة بشكل كافٍ. لذا ولضمان الدقة، يحاول الباحثون تحديث البيانات بانتظام، إذ إن الاعتماد على بيانات قديمة قد يؤدي إلى استنتاجات مضللة، خاصة في ظل التغيرات السريعة في البيئات السياسية.
طرق تحليل البيانات
تعتمد الحملات الانتخابية الحديثة بشكل كبير على التحليلات الإحصائية المتقدمة لفهم سلوك الناخبين وتوجيه استراتيجياتها. تشمل هذه التحليلات مجموعة واسعة من الأساليب، مثل تحليل الانحدار الذي يكشف عن العوامل المؤثرة في التصويت، والتعلم الآلي الذي يبني نماذج تنبوئية دقيقة، وتقنيات النمذجة التنبوئية مثل الانحدار اللوجستي والشبكات العصبية التي تساعد في التنبؤ بنتائج الانتخابات. كما يلعب تحليل المشاعر دورًا حاسمًا في فهم الرأي العام وتحديد الاتجاهات السائدة، حيث يتم تحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام لتقييم المشاعر تجاه المرشحين والقضايا السياسية.
أثبتت البيانات الضخمة جدواها في التنبؤ بنتائج الانتخابات، حيث ساهمت في تحقيق نجاحات ملحوظة في العديد من الحملات الانتخابية العالمية. من أبرز الأمثلة على ذلك، الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، حيث ساهمت تحليلات البيانات الضخمة في استهداف فئات محددة من الناخبين بدقة، مما أثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات. كما لعبت البيانات الضخمة دورًا حاسمًا في الانتخابات التي شهدها العديد من الدول في عام 2020، مثل الهند والبرازيل والولايات المتحدة، حيث تم استخدامها لتحليل مشاعر وسلوك الناخبين وتوقع نتائج الانتخابات بدقة متناهية.
وسائل التواصل الاجتماعي
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي قوة هائلة في تشكيل الرأي العام، حيث تؤثر الاتجاهات والمحتويات المتداولة على توجهات الأفراد والمجتمعات نحو القضايا السياسية والمرشحين. فالتفاعلات على منصات مثل "تويتر" و"فيسبوك" تلعب دورًا أساسيًا في نقل الرسائل السياسية بسرعة فائقة، وتقديم رؤى حول ما يهم الجمهور، كما أن المحتوى الذي يحظى بشعبية قد يوجه النقاشات العامة ويدفع قضايا معينة إلى الصدارة.
هناك العديد من الأدوات التحليلية التي تُستخدم لرصد التفاعل والمشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي. يوفر "تويتر أنتليتكس" تحليلًا شاملاً حول التفاعلات، عدد المتابعين، والمشاعر المرتبطة بالتغريدات، ومن طريقه يمكن تحديد الاتجاهات التي يهتم بها الناخبون واستجابة الجمهور لرسائل معينة، كما تنتشر مجموعات ضخمة من أدوات تحليل المشاعر التي تُمكن الحملات من قياس التفاعل العاطفي والمواقف العامة تجاه المرشحين والقضايا.
طورت صحيفة "ذا أيكونومست" نموذجا للتنبؤ بالانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 طوره فريق من علماء السياسة بقيادة أندرو جيلمان من جامعة كولومبيا
لكن وعلى الرغم من القدرات الهائلة لتحليل البيانات، إلا أن جمع البيانات من وسائل التواصل الاجتماعي قد يعاني من التحيز. قد تكون العينة الممثلة من مستخدمي هذه المنصات غير متناسبة مع التركيبة السكانية العامة، مما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة. كما أن تفاعلات وسائل التواصل قد تعكس فقط أصوات المجموعات الأكثر نشاطًا على الإنترنت وليس الرأي العام بأكمله.
كما تشكل المعلومات المضللة تحديًا كبيرًا في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي. إذ يمكن للأخبار الزائفة أو المعلومات غير الدقيقة أن تؤدي إلى تشويه الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية بطرق غير متوقعة، وهو ما يؤدي إلى صعوبة في تقديم توقعات دقيقة حول سلوك الناخبين واستجابتهم.
فعلى الرغم من التقدم في الخوارزميات والنماذج التحليلية، إلا أن هناك قيودًا تجعلها غير قادرة على تقديم تنبؤات دقيقة في بعض الأحيان. على سبيل المثل، قد تجد الخوارزميات صعوبة في التعامل مع التغيرات السريعة في سلوك المستخدمين أو التكيف مع السياقات السياسية المتغيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع النماذج التنبوئية دائمًا التمييز بين التفاعلات الحقيقية والمصطنعة، مثل الحسابات الآلية أو النشاطات الزائفة التي يمكن أن تؤثر على التحليلات.
الانتخابات الأميركية 2024
طورت صحيفة "ذا أيكونومست" نموذجا للتنبؤ بالانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 طوره فريق من علماء السياسة بقيادة أندرو جيلمان من جامعة كولومبيا. هذا النموذج يحسب احتمالات فوز كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب في كل ولاية على حدة وعلى المستوى العام للانتخابات. يتلقى هذا النموذج تحديثات يومية بتوليد توقع للتصويت الشعبي في يوم الانتخابات، استنادًا إلى استطلاعات الرأي الوطنية و"العوامل الأساسية"، وهي مصطلح في علم السياسة يشير إلى العوامل التي تؤثر في قرارات الناخبين.
وعادة ما تكون استطلاعات الرأي في الأشهر الأولى ضعيفة في توقع النتائج النهائية، حيث لم يبدأ الناخبون بعد بالاهتمام الكبير بالسباق، ولم تحدد القضايا الانتخابية بوضوح. كما أن استطلاعات الرأي قد تكون غير دقيقة بشكل ملحوظ في بعض الأحيان، كما حدث في انتخابات 1988 و2000، حين تغيرت النتائج بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية. ومع ذلك، تميل التوقعات المعتمدة على العوامل الأساسية إلى أن تكون أكثر استقرارًا، حيث تستند إلى بيانات مثل النمو الاقتصادي ونسبة الموافقة على الرئيس الحالي.
على الرغم من أن بعض النماذج المعتمدة على العوامل الأساسية قد تتعرض لخطر "الإفراط في الملاءمة"، وهو مصطلح إحصائي يشير إلى الإفراط في تعقيد النموذج بحيث يتطابق بشكل وثيق مع البيانات التاريخية ولكنه يفشل في التنبؤ بالمستقبل، إلا أن نموذج "ذا أيكونومست" يعتمد على تقنيات تقليل التعقيد مثل "التنظيم المرن" و"التصحيح المتقاطع" وهي أدوات تساعد في جعل النموذج أبسط وأكثر قدرة على التنبؤ بالبيانات المستقبلية.
ولأن الانتخابات الرئاسية الأميركية تعتمد على نظام "المجمع الانتخابي"، حيث تصوت الولايات بدلاً من الأفراد، فإن النموذج يعتمد أيضًا على توقع نتائج الولايات على أساس "ميلها الحزبي". في ذلك النموذج يتم استخدام مجموعة متنوعة من العوامل لتحديد الميل الحزبي لكل ولاية، مثل نتائج الانتخابات السابقة، الكثافة السكانية، والميول الديموغرافية.
ويستخدم النموذج استطلاعات الرأي التي تأتي خلال الحملة الانتخابية لتحديث التوقعات. وتعتمد المنهجية على مفهوم "الاستدلال البايزي"، حيث يبدأ النموذج بتوقعات مبدئية، ثم يتم تحديثها بناءً على البيانات الجديدة. في حالة الاستطلاعات، يتم أخذ عوامل مثل أخطاء العينة، وتباين طرق الاستطلاع، وتأثير المشاركة الانتخابية في الاعتبار.
يأخذ النموذج أيضًا في الاعتبار تأثير التغيرات الوطنية على توجهات الولايات. إذا أظهرت استطلاعات الرأي الوطنية تحولًا نحو حزب معين، فإن النموذج يفترض أن هذا التغير سينعكس بشكل ما على ولايات أخرى بناءً على تشابهها الديموغرافي أو الجغرافي. وفي النهاية يقوم النموذج بإنشاء آلاف المسارات المحتملة للانتخابات. تشمل هذه المحاكاة احتمالات وقوع أخطاء في استطلاعات الرأي أو تحولات ديموغرافية مفاجئة. النتيجة النهائية هي تقدير لاحتمالية فوز كل مرشح بناءً على أكثر من 10 آلاف عملية محاكاة للسيناريوهات المحتملة.
لا يمكن المبالغة في أثر محللي البيانات على الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 بعدما غيّروا طريقة عمل الحملات الانتخابية، مما جعلها أكثر كفاءة واستجابة، إذ يظهر دور محللي البيانات كقوة محورية لا يمكن تجاهلها.
أضفى هؤلاء المحللون بعدًا جديدًا على الديناميات الانتخابية، حيث جعلوا الحملات أكثر ذكاءً ودقة، مما يعكس التوجهات الحقيقية للناخبين. إذ تُعتبر البيانات اليوم بمثابة نبض المجتمع، مما يتيح للحملات استيعاب مشاعر الناخبين وتحليلها بشكل مستمر. وتأتي هذه القوة مع مسؤولية عظيمة، حيث يتعين على محللي البيانات التزام أعلى معايير الأخلاق والشفافية لضمان ثقة الجمهور. فالنجاح في الانتخابات لا يُقاس فقط بالنتائج، بل بالطرق التي تتبعها الحملات للوصول إلى تلك النتائج. لذا، فإن الحوار المفتوح حول الأخلاقيات في تحليل البيانات وتوظيفها سيظل ضرورة ملحة في المستقبل.