الرياض قاطرة الاستثمارات العالمية الى المنطقة وتفتح فرصا واعدة للشركاتhttps://www.majalla.com/node/322870/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D9%82%D8%A7%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%81%D8%B1%D8%B5%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA
مرة جديدة، وفي خضم عدم اليقين الذي يلف المنطقة، تثبت المملكة العربية السعودية المرة تلو الأخرى قدرتها على الإحاطة بالتطورات السائدة في الشرق الأوسط على مختلف مستوياتها السياسة والأمنية والاقتصادية، ولم تكن الدورة الثامنة لمؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" استثناء في هذه المسيرة التي انطلقت قبل ثماني سنوات مع "رؤية 2023” والتي تمضي قدما بمرونة وديناميكية لافتة.
المداخلات والمواقف في اليومين المنصرمين، أكدت أن المملكة تقف على أرض صلبة من التجدد والابتكار ومواكبة المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، مع الثبات نحو توجهات المستقبل حصرا، سمتها الإنجاز. وكان لافتا ما قاله وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، من أن "السعودية حققت في غضون سنوات قليلة في مسار تحول الطاقة ما يضاهي إجمالي ما حققته دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال 50 سنة"، وأن المملكة "أكبر منتج للهيدروجين الأخضر والنظيف ومستعدون للتصدير". وهو أمر يعد من أبرز العوامل التي ستحدد مستقبل الاقتصاد العالمي.
السعودية حققت في غضون سنوات قليلة في مسار تحول الطاقة ما يضاهي إجمالي ما حققته دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال 50 سنة
وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان
حدث "مبادرة مستقبل الاستثمار" هذه السنة، كان ينضح نجاحا، ليس فقط بجمعه آلاف المشاركين من حضور وخبراء ومئات المتحدثين من رؤساء الشركات الكبرى والمؤثرين على نطاق عالمي، أو بالصفقات التي يشهدها كل عام والتي تجاوزت قيمتها 125 مليار دولار منذ عام 2017، بل أيضا بترسيخ هذا الحدث كمنصة سنوية لاستقطاب الاستثمارات الى السعودية والمنطقة عموما، وكذلك لكل رائد أعمال وباحث عن الفرص الجديدة والمجدية، وعن الأمان والاستقرار الذي ينشده كل استثمار، والصدقية في الأعمال والإنجاز.
احتضنت الرياض على مدى ثلاثة أيام ممثلين لشركات تدير أصولا تتجاوز قيمتها 31.95 تريليون دولار، تحت شعار "أفق لا متناه... الاستثمار اليوم لصياغة الغد"، وأبرمت اتفاقات بالمليارات بين الوزارات السعودية والشركات العالمية. وأظهرت الوقائع أن تنويع الاقتصاد في المملكة بات يؤتي أُكله من خلال إعطاء دور أكبر للاستثمارات كقاعدة تتكئ عليها كل القطاعات وعدم الاعتماد على الدعم الحكومي. وهذا لا يساهم فقط في خفض الإنفاق السنوي للدولة بل يزيد الإيرادات، غير النفطية، وهذا ما أكده وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم، في كلمته، "أن الاقتصاد السعودي نما من دون النفط بنسبة 20 في المئة منذ إطلاق "رؤية السعودية 2030".
في ضوء رحلة تحول المملكة إلى اقتصاد مستدام، لم تكتف بتقديم التسهيلات ومساعدة الشركات في جذب المستثمر الأجنبي، بل عملت من خلال عشرات الفاعليات والمؤتمرات والنشاطات المتنوعة في مختلف القطاعات على تحقيق مستهدفاتها، ومنها ما أعلنه وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، لجهة وصول عدد المقرات الإقليمية للشركات في المملكة إلى 540 مقرا، وهو ما يتجاوز الهدف المخطط له المتمثل في استقطاب 500 شركة.
ارتفع الناتج المحلي للسعودية بنحو 70 في المئة منذ بدء العمل برؤية 2030، مما جعلها ثاني اقتصادات مجموعة العشرين نموا
ووفق بيانات رسمية، فقد ارتفع الناتج المحلي بنحو 70 في المئة منذ بدء العمل برؤية 2030، مما جعل السعودية ثاني اقتصادات مجموعة العشرين نموا، وبلغت نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد عموما نحو 53 في المئة. فيما بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية 96 مليار ريال (26 مليار دولار) في عام 2023.
"استثمر في نفسك أولا لتقنع المستثمر"
ومنذ عام 2017 حتى العام المنصرم، ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 80 في المئة، أما تدفقات الاستثمار فزادت بنسبة 240 في المئة بحسب وزارة الاستثمار. وعلى المستوى العالمي، حققت السعودية مراكز متقدمة في مجال الاستثمار، حيث احتلت المركز 11 ضمن مجموعة العشرين من حيث تدفقات الاستثمار.
علاوة على ذلك، سبقت المؤتمر اتفاقات وأحداث يمكن أن تكون بمثابة مؤشرات تشي للمستثمر الأجنبي بمدى نجاعة الاستثمار في الاقتصاد السعودي، حيث أقيم قبيل انعقاده منتدى نظمته وزارة الصحة، أبرمت خلاله صفقات استثمارية تجاوزت 50 مليار ريال، وأعلنت ثلاث شركات كندية في القطاع الصحي البدء بإجراءات لفتح مقرات إقليمية لها في السعودية، كما تم الكشف عن أولى وجهات مدينة "نيوم" شمال المملكة وذلك في افتتاح جزيرة سندانة الواقعة في البحر الأحمر، ناهيك عن الإعلانات والإطلاقات المتتالية طوال العام الماضي، سواء بإنشاء مشاريع، أو قرارات وتشريعات، إذ أعلنت في وقت سابق من السنة الجارية تحديث نظام الاستثمار للمرة الأولى منذ ربع قرن.
ساهم صندوق الاستثمارات العامة في استحداث 92 شركة لم تكون موجودة من قبل أو لها مثيل في السوق منذ عام 2015
اتخذت السعودية نهج "استثمر في نفسك أولا لتقنع المستثمر بها لاحقا". لكن كيف ذلك؟ من طريق تخصيص شركات حكومية ومن ثم شرائها من صندوق الاستثمارات العامة ليتم عرضها لمستثمرين بعد ارتفاع قيمتها السوقية، وطبق ذلك في تخصيص قطاعات مثل الصحة والرياضة والتكنولوجيا والصناعة، وغيرها، مع ضمان استمرارية تقديم الخدمات بشكل مجاني للمواطن.
كما ساهم صندوق الاستثمارات العامة في استحداث 92 شركة لم تكن موجودة من قبل أو لها مثيل في السوق منذ عام 2015، ومن ضمن تلك الشركات خطوط "طيران الرياض" التي من المتوقع ان تساهم بنحو 75 مليار ريال من الناتج المحلي، وشركة "روشن العقارية" المكلفة بناء مشاريع ضخمة بمساحة تتجاوز 200 مليون متر مربع حول المملكة، كما تملك شركة "المربع" أكبر مشروع في وسط مدينة الرياض، وشركة الدرعية القائمة على بناء وتطوير منطقة الدرعية بميزانية بلغت 236 مليار ريال. بالإضافة إلى شركة "آلات" التي أنشئت لتوطين صناعة وتطوير أشباه الموصلات بتمويل من الصندوق بلغ 100 مليار. كما ضخت الدولة 3.3 تريليونات دولار من الاستثمار المباشر لمعادلة رأس مال النمو، بحسب وزارة الاستثمار السعودية.
ويسعى الصندوق إلى تقليص استثماراته الأجنبية التي تبلغ 30 في المئة لتعزيز الاستثمار المحلي، حيث يهدف إلى خفض هذه النسبة لتكون ما بين 18-20 في المئة، من إجمالي 900 مليار دولار من الأصول التي يمتلكها الصندوق، بحسب ياسر الرميان، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
تعتزم شركة " تيك توك" افتتاح مقر رئيس لها في العاصمة الرياض بحلول الربع الأول من السنة المقبلة
الرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك" شو زي تشيو
الذكاء الاصطناعي... شراكات بالمليارات
تولي الرياض أهمية خاصة بقطاع الذكاء الاصطناعي لعدة جوانب منها سعيها للتفوق في المجال فضلا عن مساهمته في نمو الاقتصاد، كما يعد من أكثر القطاعات استثمارا حول العالم. تجاوز حجم الاستثمار السعودي في مجال الذكاء الاصطناعي 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار). وقبل أيام على هامش فعاليات المؤتمر، وقع الصندوق اتفاقية مع شركة "غوغل كلاود" لإنشاء مركز عالمي للذكاء الاصطناعي في مدينة الدمام شرق السعودية، ويتوقع أن يضيف المركز إلى الناتج المحلي أكثر من 265 مليار ريال (70.5 مليار دولار) بشكل تراكمي خلال السنوات الثماني المقبلة، بحسب الصندوق.
وفي السياق نفسه، كشف الرئيس التنفيذي للشركة "تيك توك" شو زي تشيو، خلال فعاليات مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"عن عزم الشركة افتتاح مقرا لها في العاصمة الرياض بحلول الربع الأول من السنة المقبلة.
الاستثمار في الطاقة المتجددة وتصدريرها
وكان لقطاع الطاقة حصته الوازنة في المؤتمر، إذ يمثل القطاع النفطي نقطة قوة بالنسبة للسعودية يميز اقتصادها ومواردها، مقارنة ببقية دول العالم، وفي ظل استمرار التوجه العالمي نحو العزوف استخدام عن الوقود الأحفوري نظرا للأخطار البيئية المستقبلية. تدرك المملكة ذلك جيدا بل أنها ضمن أوائل الدول التي تستثمر في الطاقات المتجددة، إسوة بالطاقة التقليدية. وعلى الرغم من التقديرات تشير إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط خلال العقود المقبلة، إلا أن الرياض تسعى إلى حجز مكان لها بين المصدرين الكبار في مجال الطاقة المتجددة، وقطعت شوطا طويلا في هذا المجال، وذلك ما عكسته تصريحات وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الذي قال خلال فعاليات المؤتمر" نحن أكبر منتج للهيدروجين ومستعدون للتصدير".
بالخلاصة، المشهد من الرياض إن دل على شيء فإنما على الثقة بمستقبل المنطقة الاقتصادي الواعد، والرؤية السليمة التي تتحول يوما بعد يوم، إلى واقع استثماري ومالي ملموس ومبهر.