"الصناعة المصرفية" في البحرين... ما دور الحرب الأهلية اللبنانية؟

كم ساهمت في تعزيز تمويل القطاعات العقارية والسياحية والصناعية؟

Shutterstock
Shutterstock
أبراج ومباني العاصمة البحرينية المنامة أثناء غروب الشمس

"الصناعة المصرفية" في البحرين... ما دور الحرب الأهلية اللبنانية؟

تميزت البحرين بأسبقيتها في المنطقة منذ بداية القرن العشرين. كانت مركزاً تعليمياً متقدماً نسبياً في الخليج العربي حيث كان يفد إليها الطلاب من دول الخليج الأخرى، الكويت والسعودية وغيرها، لإكمال دراستهم الثانوية قبل أن تتمكن هذه الدول من توفير ذلك المستوى من التعليم محليا.

كما أن الكثير من البحرينيين انطلقوا لتلقي التعليم الجامعي خارج البلاد، وخصوصاً في لبنان، حيث التحق الكثير منهم بالجامعة الأميركية في بيروت منذ بداية عشرينات القرن الماضي.

بدأت المصارف ومراكز الصيرفة نشاطها في البحرين باكرا، حيث تأسس بنك "ستاندرد شارترد" في 3 يوليو/تموز 1920. ومنذ ذلك الحين صارت البحرين مركزاً لصناعة الخدمات المالية وتمكنت من الاستحواذ على إدارة الاستثمار وتقديم خدمات الاستثمار في مختلف الأدوات المالية. ساعد في تعزيز ذلك الدور، اهتمام الإدارة السياسية في تعزيز النشاط الاقتصادي وتنويعه وتوفير فرص العمل للمواطنين حيث لم تكن هناك مصادر طبيعية كبيرة ترفد الدورة الاقتصادية، على الرغم من أن البحرين كانت من أولى الدول المنتجة للنفط ولكن بكميات محدودة.

في عام 1974، دخلت البلاد 26 مصرفا "أوفشور" محملة أصولا قدرت بـ62 مليار دولار، وأصبحت هذه المصارف مصدراً مهماً لتمويل عمليات خارج البلاد

خلال عقود القرن العشرين، تأسس العديد من المصارف التجارية والاسلامية في البحرين، وفي عام 1973 أنشئت مؤسسة نقد البحرين، أو مصرف البحرين المركزي. في ذلك الحين بلغ عدد المصارف 14 مصرفا. أصدرت مؤسسة النقد تنظيمات لإنشاء وحدات مصرفية خارجية "Offshore" على غرار دول أخرى، وخصوصاً سنغافورة. في العام الأول بعد صدور تلك الأنظمة، أي عام 1974، دخلت البلاد 26 مصرفا "أوفشور" محملة أصولا قدرت بـ62 مليار دولار، وأصبحت هذه المصارف مصدراً مهماً لتمويل عمليات خارج البلاد.

ساهم في جاذبية البحرين لمصارف الـ"أوفشور"، نشوب الحرب الأهلية في لبنان وانتقال العديد من المصارف إليها. تضاف إلى ذلك الصدمة النفطية الأولى في منتصف سبعينات القرن الماضي التي حفزت المصارف الكبرى لتأسيس وحدات تتمتع بالأنظمة التي أقرتها مؤسسة نقد البحرين، وتكون قادرة على تقديم خدمات إدارة الاستثمار للأموال الخليجية الناتجة من ارتفاع إيرادات النفط وتحقيق دول الخليج فوائض مالية كبيرة.

رويترز
مصرف البحرين المركزي في العاصمة المنامة، 27 أكتوبر 2013

تمكنت تلك المصارف من الحصول على ميزات جيدة مثل حق الدخول في معاملات مالية مع حكومة البحرين وهيئاتها أو مع المصارف التقليدية وتقديم الخدمات لغير المقيمين والإعفاء من الضرائب على الأرباح.

تحديات تاريخية صعبة

في كتاب "مصارف الـ'أوفشور' في البحرين: نظرة شخصية بخصوص نشأتها، ومزاياها وصعوبات الإقراض في أعمالها"، للكاتب صالح حسين، بيّن أن تلك المصارف دخلت في عمليات إقراض كبيرة في فترة صعبة خلال ثمانينات القرن الماضي في ظل أوضاع أمنية معقدة مثل الحرب العراقية الإيرانية، وأوضاع اقتصادية متأرجحة مثل تراجع أسعار النفط في أواسط الثمانينات، وأزمة سوق المناخ في الكويت. ودخلت هذه المصارف في عمليات تمويل كبيرة من خلال صيغة القروض المشتركة (Syndicated Loans) مع جهات أخرى في المنطقة.

يبلغ عدد المصارف في البحرين، 84 مصرفاً وصل عدد العاملين فيها حتى نهاية 2023 الى نحو 14,362 موظفا، وتملك أصولاً قيمتها 236,7 مليار دولار

حافظت البحرين على مركزها المصرفي على الرغم من المصاعب التي واجهت العديد من المصارف الوطنية ومصارف الـ"أوفشور" والمؤسسات الاستثمارية الأخرى، والتي تأثرت بالأزمات المالية الاقليمية والدولية والحروب التي اجتاحت المنطقة منذ الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت من سبتمبر/أيلول 1980 إلى أغسطس/آب 1988.

Shutterstock
بنك البركة في العاصمة البحرينية المنامة

يبلغ عدد المصارف في البحرين، بموجب نشرة مصرف البحرين المركزي، 84 مصرفاً وصل عدد العاملين فيها حتى نهاية 2023 الى ما يربو على 14,362 موظفا، وتملك أصولاً قيمتها 236,7 مليار دولار. يساهم القطاع المالي من خلال أنشطته المتنوعة بنحو 17,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. يعتبر القطاع المصرفي من أهم القطاعات التي حققت نمواً مضطرداً في قيمة الأعمال والربحية، ويؤكد تقرير وزارة المالية والاقتصاد الوطني للربع الأول من السنة الجارية أن القطاع المالي والتأمين حقق نمواً بنسبة 7,4 في المئة. يمكن الزعم بأن البحرين، من خلال تجربتها الطويلة، نسبياً، تمكنت من إجادة الصناعة المصرفية وعززت جاذبيتها للمصارف الأجنبية وأجادت تأهيل كوادر وطنية في هذا القطاع.

المصارف الإسلامية

تشير نشرة مصرف البحرين المركزي الصادرة في أبريل/نيسان 2024 ، إلى توزع المصارف الـ84 بين مصارف تجزئة (Retail)، وعددها 29 مصرفا منها 13 مصرفا محلياً و16 مصرفا أجنبيا، بالإضافة إلى 55 مصرفا من مصارف "الجملة" (wholesale banking)، وهي المصارف التي تقدم خدمات مصرفية لكبار العملاء، مثل المصارف الأخرى والمؤسسات المالية والهيئات الحكومية والشركات الكبيرة. يضاف إلى تلك المصارف عدد من مكاتب التمثيل، 7 مكاتب.

هل ساهم هذا النظام المصرفي المتنوع في تعزيز التمويل للقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل القطاع العقاري وقطاع الفنادق والسياحة والصناعات التحويلية؟

كما أن المصارف الإسلامية التي بلغ عددها 15 مصرفا تملك موجودات قيمتها 61,9 مليار دولار. نشطت هذه المصارف الإسلامية في البحرين باكرا، حيث تأسس بنك البحرين الإسلامي في فبراير/شباط 1979، ويعد الرابع اقليمياً، وكرس النشاط المصرفي المعتمد على معايير الشريعة الإسلامية وطور الأدوات الملائمة لهذا النشاط.

Shutterstock
أوراق نقدية من عملة الدينار البحريني

ويخضع نشاط المصارف الإسلامية لرقابة مصرف البحرين المركزي الذي يعتبر من أهم البنوك المركزية في العالم العربي، وقد حدّث أدوات الرقابة للتوافق مع أنظمة بنك التسويات الدولي في بازل، حيث يصار بين فترة وأخرى إلى تطوير المقاييس وشروط الملاءة المالية ونسب حقوق المساهمين لإجمالي الأصول وغيرها من معايير فنية يتعين التقيد بها. كما طوّر البحرين معهد الدراسات المصرفية والمالية الذي تأسس عام 1981. تمكن المعهد من تدريب أكثر من 100 ألف طالب من البحرين وعدد من دول الخليج في مختلف الدورات التدريبية.

مساهمة مصارف البحرين في التمويل

لا بد للتطور في النظام المصرفي في البحرين أن يثير عدداً من الأسئلة المشروعة. هل ساهم هذا النظام المتنوع في أدواته في تعزيز التمويل للقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل القطاع العقاري وقطاع الفنادق والسياحة والصناعات التحويلية؟

أشار تقرير مصرف البحرين المركزي الى أن الرصيد الحالي للقروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة للقطاعات الاقتصادية المقيمة بلغ 12,1 مليار دينار بحريني (32,1 مليار دولار) في نهاية أبريل/ نيسان 2024، توزعت بين 42,3 في المئة لقطاع الأعمال في حين بلغت نسبة حصة الأفراد، أو القروض الشخصية، 48,8 في المئة. يلتزم المصرف المركزي إجراء تغيرات على سعر الحسم وأسعار الفائدة تماشياً مع ما تقوم به البنوك المركزية الرئيسة مثل مجلس الاحتياطي الفيديرالي في الولايات المتحدة والبنك المركزي الأوروبي وبنك انكلترا، وقد قرر المصرف خفض سعر الفائدة إلى 5,50 في المئة اعتباراً من 18 سبتمبر/أيلول المنصرم.

font change

مقالات ذات صلة