انتهى العام الأول من "طوفان الأقصى"، وتواصل الهجوم الإسرائيلي بكل وحشية على قطاع غزة، وبدأت تل أبيب هجوما ضد "حزب الله" في جنوب لبنان واغتالت أهم قياداته، وبين فترة وأخرى يتم استهداف مواقع محددة وتنفذ اغتيالات في سوريا. ووجدت إيران نفسها مجبرة على الدخول في خط المعركة والدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، إذ وجهت صواريخها على تل أبيب مرتين هذا العام، الأولى في أبريل/نيسان، والثانية في أكتوبر/تشرين الأول. وتوعدت إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني، وبأنه سيكون "قاتلا ودقيقا وفوق كل شيء مفاجئا"، لينتهي التهديد بهجوم على مواقع عسكرية محددة.
الحرب هي إحدى أدوات العمل السياسي. ولكن حروب الشرق الأوسط، يبدو أنها على خلاف هذه القاعدة. إذ تبدأ بحرب غير مدروسة من حيث أبعادها السياسية والاستراتيجية، ولا يتم تحديد أهدافها. إسرائيل بدأت الحرب ضد "حماس" في قطاع غزة بعد 7 أكتوبر وهدفها إنهاء وجود الحركة الفلسطينية، ووصلت إلى مرحلة اغتيال إسماعيل هنية ومن بعده يحيى السنوار. ولكن، هل سياسة إنهاء "حماس" تحقق السلام لوجود الإسرائيليين في المستوطنات القريبة من غزة؟ لا أحد يملك إجابة قطعية بمنطق السياسة ولا بمنطق القوة العسكرية على هذا التساؤل؟
وقد فشلت الدول الكبرى الفاعلة والمؤثرة في الشرق الأوسط في إيقاف هذه الحرب، والعودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات لوضع نهاية لها، وتقليل ضحاياها ودمارها. والفشل الأكبر لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقواعد القانون الدولي في حماية المدنيين وإيقاف عمليات النزوح والهجرة. أما جامعة الدول العربية فهي خارج دائرة الفاعلية والتأثير أقله في الوقت الراهن.
مشكلتنا مع هذه الحرب أننا لا نفكر فيها بمنطق السياسة. وإنما نتعاطى معها من منظور الأيديولوجيا وشعاراتها. فالسياسة شيء والأيديولوجيا شيء آخر. صحيح أن السياسة توظف الأيديولوجيا في خدمة قضاياها، وتستفيد منها في تحقيق الإجماع الوطني في المجال السياسي العام. لكنها في الحروب تستخدم للتحشيد والتعبئة، وربما يشوه ذلك الكثير من المعايير التي تحدد مفاهيم الحرب، ومعايير النصر والخسارة.
عندما ندخل الحرب، لا نتحدث عن السياسة. ولا نجادل في أبعاد مصلحتنا بخوض غمارها، ولا نتحدث عن جدواها. وإنما نعود إلى التاريخ وسرديتنا عن الانتصار بالخطابات والشعارات. نحاول أن نقزم عدونا، ونستهزئ بإمكانياته وقدراته. في حين يسوّق العدو أن حربه معنا هي حرب وجود، ودخوله فيها يحدد مصيره وبقاءه! أما نحن فلا نحسب تكلفة الخسارة والربح في هذه الحرب، لأننا على حق وعدونا على باطل.
الثنائيات المتعارضة التي نتجادل بها مع كل حرب نخوضها، ليس لها حضور في السياسة. إذ إن توصيف الحرب على أنها معركة حق ضد باطل، يراد منه وصف أخلاقي لا يتماهى كثيرا مع الغاية الرئيسة للحروب، وهي الوصول إلى غاية السياسة في تحقيق الأهداف. لكن الغاية من تصنيف الحرب وفق ثنائية الحق والباطل. ليس التحشيد لها، وإنما تخوين كل من يريد أن يناقش أبعاد هذه الحرب على مستوى السياسة وفق منطق المصلحة العليا للدولة والمجتمع.