تفكيك "اسكوبار الصحراء" في المغرب وتعاون بين ضفتي المتوسطhttps://www.majalla.com/node/322851/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B6%D9%81%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7
يخوض المغرب حملة شرسة ضد شبكات المخدرات بأنواعها، ومحاكمة كبار المهربين أو من يساعدهم من موظفي الدولة المدنيين والأمنيين. ويُتابع في قضية ما يعرف بـ"اسكوبار الصحراء" (وهو تاجر مخدرات من مالي مدان بعشر سنوات اسمه الحاج إبراهيم)، شخصيات وبرلمانيون من عالم المال والبناء، ومسؤولون عن فرق رياضية، وموظفون عموميون متهمون بتسهيل عمليات تهريب المخدرات، وتلقي مكافآت مالية مقابل أعمال يعاقب عليها القانون.
وهزت هذه القضية الرأي العام المغربي، وكشفت عن وجود علاقات مشبوهة بين بعض تجار المخدرات وأشخاص من ذوي النفوذ. وتم إطلاق سراح منير الرماش، أحد أكبر تجار المخدرات في المغرب. قضى 22 سنة في السجن بتهمة الإتجار الدولي في المخدرات، وتكوين عصابة إجرامية تستعمل أسلحة نارية، وتحصيل مبالغ ضخمة من هذه الأفعال. وكان هذا الشخص مجرد بائع سجائر قبل ثلاثين سنة.
وقام وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمنان بالانتقال شخصيا إلى الرباط في أبريل/نيسان الماضي، لشكر السلطات المغربية على اعتقال أحد أكبر المطلوبين للعدالة الفرنسية في مجال جرائم ترويج المخدرات، يدعى فيليكس بانغي الملقب بالقط. كان على اللائحة الحمراء منذ صيف 2023. من مواليد 1990 وكان يقود شبكة تسمى "يودا" (Yoda) وكانت في تنافس مسلح مع شبكة أخرى تسمى"DZ Mafia" خلفت 40 ضحية، في صراع مسلح للسيطرة على سوق شمال مدينة مرسيليا للمخدرات، وفق مصدر من الشرطة المحلية.
يساهم ارتفاع الطلب الدولي على المخدرات في ازدهار تجارتها التي أصبحت اقتصادا متكاملا له ممتلكاته العقارية وأرصدته المصرفية، وودائعه من العملات النقدية والرقمية والذهب والحلي والمجوهرات
الملاحظ أن الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من شمال أفريقيا، أصبح متحكما في بعض أسواق المخدرات في عدد من الدول الأوروبية، خاصة بلجيكا وهولندا وفرنسا. وبسبب زيادة الطلب الأوروبي، واتساع جغرافيا التوريد، أصبحت هذه التجارة مصدرا هاما للثروة والنفوذ، والتباهي بالسيارات الفارهة، والملابس الفاخرة، والأحذية الرياضية النادرة، والساعات الذهبية الثمينة. وبسبب ثرائهم الفاحش وغالبا جهلهم المعرفي، وميلهم إلى العنف، أصبح زعماء هذه الشبكات يشكلون تهديدا أمنيا وخطرا على سلامة المواطنين وحرمة الشارع العام. وللقضاء على هذه الشبكات أو التقليل من خطورتها يتم تطوير التعاون الأمني والاستخباراتي مع دول مجاورة شريكة مع الاتحاد الأوروبي ومنها المغرب. وتقول مصادر "الإنتربول": "إن شرطة الحدود المغربية تحقق تفوقا ملحوظا في إحباط محاولات تهريب المخدرات بأنواعها، واعتقال كبار المهربين مما يقلص حجمها فوق التراب الأوروبي".
التعاون ضد التهريب
يقوض التعاون المغربي-الإسباني بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، تحركات شبكات تهريب المخدرات خاصة الحشيش والكوكايين. وكثيرا ما تسقط تلك الشبكات في فخ سلطات الحدود، رغم أنها تُنوع مسالكها البرية والبحرية والجوية، وأحيانا تفضل استخدام المروحيات المزودة بأنظمة التشويش على الرادارات الأرضية والأقمار الاصطناعية. وتمكنت قوات حرس الحدود الإسبانية وعناصر من الدرك الملكي المغربي، من إحباط عملية تهريب كبيرة للمخدرات منتصف شهر مايو/أيار استعملت فيها طائرات هليكوبتر يقودها طيارون محترفون، وحاولوا التحليق على علو منخفض ليلا لتجنب الرادارات. وقالت مصادر أمنية إسبانية: "إن العصابة كانت تتوفر على طيارين محترفين، لهم خبرة في التحليق ليلا. وجرى استعمال طائرات تم اقتناؤها من دول في أوروبا الشرقية. وتمكنت السلطات المغربية الإسبانية من اعتقال 9 أشخاص متورطين".
ولا يمر أسبوع دون أن تنشر وسائل الإعلام في البلدين قصص إحباط عمليات فاشلة لتهريب المخدرات، والقبض على شبكات المهربين. وتعترف مدريد بأن الدعم المغربي مهم للتغلب على عصابات غير معروفة الرؤوس في غالب الأحيان، وقد تكون لها امتدادات داخل قارات عدة، وتعتمد على شبكات من المساعدين والعملاء، ولها أرصدة مالية بكل العملات، وقدرة على تزوير الجوازات. لكن البلدين مثل بقية دول العالم يتحملان وزر الآفة، التي تقدر تكلفة العلاجات الصحية بنحو 9 في المئة من مجموع الموازنة المغربية سنويا. ويقدر عدد المتعاطين للمخدرات بنحو 4 في المئة من السكان، لكن أقراص الهلوسة تعتبر التحدي الأكبر أمام السلطات الصحية، لأنها تُفقد الوعي للشباب وتدفعهم نحو العنف والانحراف، وتصنف ضمن المخدرات القوية مقارنة بالحشيش، الذي يصنف بالمهدئات.
ارتفاع الطلب حتى نصف تريليون دولار قبل 2030
يساهم ارتفاع الطلب الدولي على المخدرات في ازدهار تجارتها التي أصبحت اقتصادا متكاملا له ممتلكاته العقارية وأرصدته المصرفية، وودائعه من العملات النقدية والرقمية والذهب والحلي والمجوهرات. كما ازدهرت تجارة المقايضة السلعية، وسرقة السيارات الفاخرة واليخوت، واستعمالها كنوع من الأنشطة الاقتصادية الموازية، أو المعاملات البديلة لتجنب المراقبة المالية لنظام "سويفت".
تلقت أوروبا نحو 1400 طن من مخدر الكوكايين عبر حدودها المختلفة، بزيادة نحو 50 في المئة عما كانت عليه السوق قبل أربع سنوات
وتستفيد تلك العصابات بانشغال العالم بقضايا أخرى مثل حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا والتغيرات المناخية والأزمات الاجتماعية، للتوسع في مناطق جديدة ترفع إنتاجها وحصتها من السوق العالمية للمخدرات، المرشح أن تبلغ نصف تريليون دولار قبل نهاية العقد الحالي حسب النمو السنوي.
وقدرت سوق المخدرات والمؤثرات العقلية العالمية بأكثر من 320 مليار دولار في العام الماضي، جاء على رأسها الكوكايين وهي المادة المخدرة الأكثر استهلاكا في أسواق الولايات المتحدة الأميركية، والثانية في أسواق الاتحاد الأوروبي. وفق تقرير المرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان. مما يجعلها أكبر تجارة في عالم الجريمة العابرة للحدود الدولية.
واستهلك مواطنو أوروبا الغربية أكثر من 31 مليار يورو من المخدرات عام 2023، منها 12 مليار يورو من مادة الحشيش أو القنب الهندي، و11.6 مليار يورو من الكوكايين، وقرابة 7 مليارات يورو من أقراص الهلوسة، ومؤثرات عقلية أخرى مثل الكراك والأفيون والهيروين وغيرها. وأغلبها مستوردة من دول الجنوب خاصة من أميركا اللاتينية وأفريقيا وشرق آسيا وأفغانستان وبيرمانيا وبعض دول الشرق الأوسط وروسيا وألبانيا وتركيا والقوقاز. وخلال العقدين الماضيين تحولت المخدرات إلى همٍّ مجتمعي في كل دول العالم دون استثناء، رغم أن الظاهرة عمرها أكثر من 8000 سنة، وارتبطت مع الإنسان، وكانت موجودة في الحضارات القديمة في العراق والصين والهند، وحتى عند شعوب الهنود الحمر، وسكان الأمازون، وأدغال أفريقيا.
وحاليا يُصنف 8 في المئة من مجموع سكان دول الاتحاد الأوروبي المقدر عددهم بنحو 400 مليون نسمة، كمستهلكين مداومين على المخدرات والمؤثرات العقلية بأنواعها، أي بمعدل مرة واحدة في الأسبوع أو العطل والحفلات، منهم 1.3 مليون شخص مدمن دائم. وهي أرقام أقل من الواقع الذي يشير إلى اتساع رقعة الإدمان لدى الشباب منذ أزمة "كوفيد-19"، والشعور بالإحباط النفسي وغياب الثقة أو الخوف من المستقبل، وعدم الارتياح من الإجراءات الحكومية والقرارات السياسية.
وتلقت أوروبا نحو 1400 طن من مخدر الكوكايين عبر حدودها المختلفة، بزيادة نحو 50 في المئة عما كانت عليه السوق قبل أربع سنوات. كما زاد الطلب وارتفعت أسعار الجرعات، حسب تصنيف فئات المستهلكين وأوضاعهم الاجتماعية، وأماكن المراقص والعلب الليلية، وحجم المخاطر والمراقبة الأمنية. وأصبح للمخدرات ترتيب طبقي لدى المدمنين، لكل فئة مخدرها حسب نوعه وجودته. وتحولت مدن أوروبية كبرى مثل أمستردام، وباريس، ولندن، وبرشلونة، وأوسلو، وزيوريخ، وبال، وروما، ومدريد، ومرسيليا، وكوبنهاغن، وبلجيكا إلى أسواق نشطة في بورصة المخدرات العالمية، التي يتم جلبها وإعادة توزيعها عبر شبكات متخصصة عابرة للحدود، لها متعاونون وعملاء، وحتى شركاء من مجالات وقطاعات وفئات وطبقات مختلفة، تسعى جميعها صوب المال والسلطة.
جرائم عابرة للحدود
وقال مدير مركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان(EMCDDA) أليكس غوزديل: "نلاحظ تزايد العلاقة بين العنف وتجارة المخدرات خاصة بين كبار المزودين(dealers) الذين يخوضون منافسة شرسة لتصريف منتجاتهم، وحيازة حصة هامة من سوق المخدرات، وهو أمر في تطور منذ 15 سنة". وحسب البوليس الأوروبي (يوروبول) فإن "سوق تجارة المخدرات أصبحت مرتبطة بتجارة الأسلحة وتبييض الأموال. وغالبا ما تتصارع تلك المجموعات فيما بينها على ترويج المخدرات وتهريب الأسلحة، وتستخدم الأسلحة النارية في الشارع العام".
وللحد من استعمال القنب الهندي لإنتاج مخدر الحشيش وبيعه أو تصديره، عمدت الرباط إلى إنشاء "وكالة لتقنين زراعته"، تحت مراقبة السلطات
وتعتبر مدن في بلجيكا، وهولندا، ومرسيليا في فرنسا، من أخطر مناطق حروب عصابات ترويج المخدرات في الاتحاد الأوروبي. حتى أصبحت أحياء بكاملها تحت سلطة تلك العصابات، التي تجند مئات المخبرين للإبلاغ مسبقا عن تحركات سيارات الشرطة. وهم في الغالب من أبناء المهاجرين المنقطعين عن الدراسة، والذين وجدوا في التعاون مع تجار المخدرات مصدر دخل يفوق أضعاف ما قد يحصلون عليه من أي عمل شريف.
وغالبا ما تكون عصابات ترويج المخدرات هي نفسها التي تنشط في تجارة الرقيق وتهريب البشر والسلاح، وامتهان التصفية الجسدية، باستعمال وسائل عنف يجعل منها ميليشيات في غاية الخطورة، وتحتاج إلى تعاون دولي لمواجهتها، بسبب ما أصبحت تتوفر عليه من أسلحة وذخيرة وتجهيزات تكنولوجية. وتستعين هذه الشبكات بطائرات ومروحيات متطورة وبواخر وزوارق وشاحنات وحافلات وأنواع مختلفة من العربات المصفحة. وهي لا تتورع عن تصفية من يقف في وجه نشاطها أو يعرقله. ولا يعرف بالتدقيق ضحايا حروب المخدرات إلا أنهم بالمئات سنويا وهم في تزايد خاصة في دول مثل كولومبيا وبوليفيا والبيرو والمكسيك. وتجد إسبانيا نفسها قريبة من مزارع القنب الهندي في شمال المغرب، وسوقا استهلاكية للكوكايين القادم من أميركا اللاتينية المطلوب في العُلب الأوروبية.
وللحد من استعمال القنب الهندي لإنتاج مخدر الحشيش وبيعه أو تصديره، عمدت الرباط إلى إنشاء "وكالة لتقنين زراعته"، تحت مراقبة السلطات. ويتم حاليا بيع المحصول إلى عدد من المؤسسات الصحية المختصة في استخراج النباتات المستخدمة في إنتاج أدوية لمعالجة بعض حالات الأمراض المزمنة.