إسرائيل و"الأنروا"… من الاتهامات إلى القطيعة الكاملة

لم تكن إسرائيل يوما على علاقة طيبة مع الأمم المتحدة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
فلسطينية تسير بجوار جدار محطم عليه شعار للأنروا في رفح

إسرائيل و"الأنروا"… من الاتهامات إلى القطيعة الكاملة

يأتي قرار الحكومة الإسرائيلية الذي يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في إسرائيل، تتويجا لانهيار العلاقات الكارثي بين الأمم المتحدة والدولة اليهودية منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.

فقد أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قانونا جديدا يحظر على الوكالة العمل في إسرائيل، وهي خطوة ستقيد قدرة الأونروا على تنفيذ أعمالها في مجال الإغاثة الإنسانية الحيوية للفلسطينيين، الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل، كما يقول منتقدوها.

ومع أن وكالة الإغاثة ستظل قادرة على العمل في الأراضي الفلسطينية، فقد يتسبب القانون الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يوما، في إغلاق شبكة الطرق الحالية التي تصل عبرها المساعدات الإنسانية إلى غزة والضفة الغربية، وفي إغلاق مكتب الأونروا في القدس الشرقية وتقييد تصاريح الدخول والعمل لموظفي الأونروا.

وقد أثار قرار الكنيست، الذي يمثل تدهورا جديدا في مستوى العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة، احتجاجا دوليا، إذ حذر عدد من الزعماء الغربيين من التأثيرات المحتملة لهذا القرار على المدنيين الفلسطينيين الذين يواجهون أزمة إنسانية في غزة، كما تقول وكالات الإغاثة.

أما في واشنطن، فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "ماثيو ميلر" إن إدارة بايدن "تشعر بقلق عميق" من تصويت الكنيست الإسرائيلي، وإن للأونروا دورا "لا يمكن الاستغناء عنه" في تقديم المساعدات لقطاع غزة.

وقال ميلر للصحفيين قبل لحظات من إقرار مشاريع القوانين التي تحظر على الأونروا العمل في إسرائيل: إننا نحث الحكومة الإسرائيلية على التريث في تنفيذ هذا التشريع، بل نحثهم على ألا يمرروه مطلقا. وسننظر في خطواتنا التالية بناء على ما سيحدث في الأيام المقبلة."

كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إسرائيل إلى "التصرف بما يتسق" مع التزاماتها التي ينص عليها القانون الدولي، مؤكدا أنه ما من بديل يقدم دعما واسع النطاق كالذي تقدمه الأونروا للشعب الفلسطيني.

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إسرائيل إلى "التصرف بما يتسق" مع التزاماتها التي ينص عليها القانون الدولي، مؤكدا أنه ما من بديل يقدم دعما واسع النطاق كالذي تقدمه الأونروا للشعب الفلسطيني

وقال رئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر" إن المملكة المتحدة "تشعر بقلق شديد" من مشاريع القوانين التي أقرتها إسرائيل، لأنها تعرض "الاستجابة الإنسانية الدولية برمتها" للخطر في غزة.

لم تكن إسرائيل يوما على علاقة طيبة مع الأمم المتحدة، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها. فقد تدهورت علاقاتها مع هذه الهيئة باطراد منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا أعلنت فيه أن الصهيونية "شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري." كما ازدادت العلاقات تدهورا في الآونة الأخيرة بعد ادعاء إسرائيل تورط موظفي الأمم المتحدة في هجمات 7 أكتوبر، مما دفع عددا من الدول الغربية إلى تجميد تمويلها لهذه الهيئة الدولية.

أ.ف.ب
عيادة "الشيخ رضوان" التابعة لـ"الأونروا" التي دمرها القصف الإسرائيلي في غزة

ولعل إصرار إسرائيل على تورط عدد من موظفي "الأونروا" في تلك الهجمات، هو القوة الدافعة وراء تصويت الكنيست هذا الأسبوع، إذ زعمت قوات الدفاع الإسرائيلية أن أكثر من 450 موظفا من موظفي الأونروا في غزة كانوا أعضاء في منظمات إرهابية، وعلى رأسها حماس.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أثناء إقرار الكنيست للقانون: "يجب محاسبة عاملي الأونروا المتورطين في أنشطة إرهابية ضد إسرائيل."

إلى ذلك، جاء التوتر الذي نشأ بين القدس وغوتيريش، ليزيد من حدة الموقف الإسرائيلي المتشدد بالأصل من الأونروا. إذ دأب غوتيريش على انتقاد الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة خلال العام الماضي بشدة. كما أثار غوتيريش غضب إسرائيل بعد هجمات 7 أكتوبر بقوله إن هذه الهجمات "لم تحدث في فراغ،" وبإدانته أكثر مرة قتل الجيش الإسرائيلي للمدنيين في غزة، إذ ندد به بوصفه عملا "غير مقبول على الإطلاق."

دي بي أي
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في مقر الجيش الإسرائيلي

وردت إسرائيل على انتقادات الأمين العام للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، بإعلان أن غوتيريش "غير مرغوب فيه"، ومنعته من دخول البلاد. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" وهو يعلن القرار، إن غوتيريش "شخصية غير مرغوب فيها في إسرائيل."

لقد أدى هذا الخلاف الذي يزداد حدة بين حكومة نتنياهو والأمم المتحدة إلى حظر الأونروا الآن، وهي خطوة تعتقد العديد من الحكومات الغربية ووكالات الإغاثة أنها قد تحمل معها عواقب وخيمة تمس باحتياجات المدنيين الفلسطينيين الأساسية، وعلى الأخص احتياجات من هم في غزة.

توظف الأونروا أكثر من 30 ألف شخص، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، وبعض الموظفين الدوليين

توظف الأونروا أكثر من 30 ألف شخص، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، وبعض الموظفين الدوليين. وبينما تقدر ميزانيتها السنوية بنحو مليار دولار، إلا أنها تعرضت في الآونة الأخيرة لضغوط مالية شديدة بعد أن جمّد عدد من المانحين الغربيين الرئيسيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة مساهماتهم، مما أدى إلى عجز يقدر بنحو 450 مليون دولار في ميزانيتها، مع أن الأونروا مضطرة إلى التعامل مع أكبر أزمة إنسانية شهدتها المنظمة في كل تاريخها الممتد على مدى 75 عاما.

وقد رأت العديد من الدول ومنها بلجيكا، أن قرار إسرائيل يشكل انتهاكا للتفويض الذي منحته الجمعية العامة للأمم المتحدة للأونروا. وأصدرت وزارة الخارجية البلجيكية بيانا بعد تصويت الكنيست قالت فيه إنها "تأسف بشدة لصدور القوانين المناهضة للأونروا" التي أقرتها إسرائيل لأنها "تنتهك مباشرة التزامات إسرائيل التي ينص عليها القانون الدولي."

ولا ريب في أن قرار الكنيست بحظر الأونروا يدفع تدهور علاقاتها مع إسرائيل إلى مستوى غير مسبوق، وقد يؤدي إلى تقويض المبادرة الدبلوماسية الأخيرة الرامية إلى ترتيب وقف إطلاق النار في غزة ولبنان. وفي هذا الوقت الذي تتجدد فيه الجهود التي ترمي إلى التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، فإن قرار إسرائيل يجعل احتمالات إنهاء العنف أكثر صعوبة وتعقيدا.

ومن المرجح أن ذلك سيعزز قناعة المفاوضين الفلسطينيين على الاعتقاد بأن إسرائيل ليست جادة في تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بل هي تحرم المدنيين الفلسطينيين من الوصول إلى شريان الحياة الإنساني الذي توفره لهم الأونروا.

وقد دفعت الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة إدارة بايدن من قبل إلى التهديد بوقف الإمدادات العسكرية لإسرائيل، إذا لم يتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات لتحسين تدفق المساعدات إلى القطاع. ودفع تشديد الضغوط الأمريكية على إسرائيل، إلى أن ينفي نتنياهو في نهاية الأسبوع أن الإسرائيليين يطبقون تكتيكات الحصار على غزة كجزء من جهودهم العسكرية لتدمير "حماس".

ولكن مع تلاشي دور إدارة بايدن فعليا وتقلص تأثيرها قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري الأسبوع المقبل، فمن غير المرجح أن يحدث أي اختراق في مفاوضات السلام، في وقت يحافظ فيه الإسرائيليون على موقفهم المتصلب من قضايا مثل قضية الأونروا.

font change

مقالات ذات صلة