إذا كان من معنى لنظرية "وحدة الساحات" التي روّج لها "محور المقاومة" منذ ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفي توطئة لها، فهو ضرورة أخذ الحرب الحالية سواء في غزة أو لبنان ككل لا يمكن تجزئته، حتى إنّ أي قراءة لهذه الحرب وتداعياتها ومآلاتها يجب أن تأخذ في الحسبان "الساحة الإيرانية" من حيث المقاربات داخل نظام الحكم في طهران لهذه الحرب وكيفية التعامل معها، إذ يبدو وكأن هناك خطابين أو تيارين في إيران راهنا، وإن كان لا يمكن استبعاد فرضية التكامل أو توزيع الأدوار بينهما، لكن في مطلق الأحوال لا يمكن التقليل من الفارق في خطاب الرئيس الإيراني الجديد وفريقه من جهة، وخطاب "الحرس الثوري" وفريقه من جهة ثانية.
وبعد أن كان "محور المقاومة" يكثر في الحديث والتركيز على التناقضات والانقسامات داخل إسرائيل طيلة الحرب فقد تبين الآن أنّ الأهم هو فهم التوجهات المختلفة في دوائر الحكم الإيرانية كضرورة لفهم الأدوار الإيرانية في الحرب والتفاوض ولاسيما في جنوب لبنان.
والحال فإنّ نجاح واشنطن في "هندسة" الرد الإسرائيلي على إيران بحيث لا يستهدف منشآت نووية أو نفطية على ما كان قد توعد بنيامين نتنياهو وفريقه يفتح الباب أمام مسار تفاوضي جديد بين واشنطن وطهران مباشرة أو بالواسطة بعدما أظهرت الإدارة الأميركية أنّ هدفها لمنع توسع الحرب إلى حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران يعني ضمنا أنها لا تضع إسقاط النظام الإيراني كأولوية راهنة في استراتيجيتها للمنطقة. وهذا يعطي دفعا ولو ببطء للمسار التفاوضي بين طهران وواشنطن، لكن السؤال هو عن معنى كل ذلك وتأثيراته عشية الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي تنتظرها إيران- كما العالم بأسره- لرؤية سيد البيت الأبيض الجديد وبناء حساباتها على أساس هوية الرئيس الجديد، فإذا انتخب دونالد ترمب سنكون أمام خلط للأوراق في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة ولا يعرف كيف سيتعامل الرئيس الجمهوري مع إيران، وما مدى الانقلاب الذي يمكن أن تشهده استراتيجية واشنطن حيالها. أما إذا انتخبت كامالا هاريس فإنه يمكن توقع استمرارية لسياسات جو بايدن في المنطقة، وبالتالي فإنّ ما تأسس في عهده لناحية احتواء الصراع مع إيران من خلال الردع العسكري والدبلوماسية قابل للاستمرار والتبلور أكثر، مع أنه من الصعب جدا توقع خاتمة سلسة وسريعة للمفاوضات الأميركية الإيرانية خصوصا في ظل الحرب الدائرة.