يتابع الكاتب اللبناني صهيب أيوب في روايته الثانية "ذئب العائلة" (هاشيت أنطوان 2024) ما بدأه في "رجل من ساتان" قبل ذلك من ملاحقة جرائم قتل غامضة تفتتح بها الرواية ومونولوغات داخلية لأشخاص بعد وفاتهم (نبيل في الرواية الأولى، مصرع شمسة ووداد واختفاء والدة حسن الأخرس في الثانية). ذلك على خلفية مدينة طرابلس اللبنانية وأحيائها الفقيرة التي يعنى بوصفها وتأريخها وحصر إرثها في الأماكن المتهالكة والعائلات المتآكلة والتواريخ المنسية وشظايا حروب لم يعاصرها لكنه يرى آثار عنفها المستمرة في المدينة وفي مجتمعها.
غير أن الرواية الثانية هذه تشهد ظهور محقق في الجرائم، سعيد الرطل. كأنما لتوحي، بإيحاء كاذب، أنها رواية بوليسية. والمحقّق هذا بوصفه الكاريكاتوري الساخر والهزلي، إنما يشير بالضبط إلى استحالة الرواية البوليسية في بلاد ليس فيها نظام حقيقي ولا عدالة بل تحصنات متبادلة وراء سواتر الطوائف والواسطات وعفو عام عن أمراء الحروب المتناسلة التي لا تنتهي. تماما مثلما أن رواية الخيال العلمي، في الحقيقة، مستحيلة في بلاد ليس فيها علم أصلا ولا أبحاث. ظهور الرطل يشهد إذن على انسحاب "الدولة" من المشهد، وعلى انفلات العنف الأهلي، بسبب أو بغير سبب، في المجتمع.
شخصيات
تزداد في هذه الرواية أعداد الشخصيات (حسن الأخرس الطفل الشرس، جدته شمسة وزوجها حمد وصديقتها وداد، هرغول الذي نشك أنه ربما يكون مهربا للآثار على خلفية الحرب في سوريا، زياد ابن شمسة وعشيق دولشي فيتا، الترانس المولهة به، التي قتلها جنود الإمارة الإسلامية في طرابلس في ثمانينات القرن الماضي... الخ). يلقي أيوب عليها جميعا نظرة عطوفة، يبرزها في أكثر لحظاتها إنسانية وضعفا ورقة أحيانا، حتى حين تكون تبحث عن ألفة وملجأ في مخيلة وحشية. ويتنقل السرد بخفة بين هذه الأزمنة المتفاوتة (2013، 1965، 1985) في قفزات تولد إيقاعا زمنيا وربطا للحكايات لا يعبأ بأحادية السير الزمني. بل بالعكس يقول لنا حضور الماضي في الحاضر، وحضور الآخرين في الذات الواحدة، مثلما يبرز أيضا حضور المتخيل في الواقع.
في المقابل، يتخفف أيوب بعض الشيء في هذه الرواية، مقارنة بالأولى، من الجمل الشاعرية. لا تختفي تماما، بل تحضر على خفرٍ في المونولوغات المكتوبة بصيغة المتكلم. حيث تتوزع الرواية بينها وبين فصولٍ يكتبها الراوي العليم بصيغ الغائب. ينبغي بهذا أن ينبهنا أكثر إلى أهمية المونولوغات وأصحابها. ففي هذه المونولوغات نفهم من اين يأتي كل هذا العنف المنتشر في بناية العلبي وحارة الدكرمنجي وأزقة طرابلس الداخلية وحدود لبنان وسوريا على سهل العبدة وما وراء ذلك.