هل ستزعزع هجمات إسرائيل الثقة بـ"القرض الحسن"؟

هل ستزعزع هجمات إسرائيل الثقة بـ"القرض الحسن"؟

أطلقت إسرائيل خلال الأسبوع الماضي موجة من الغارات الجوية على الأراضي اللبنانية، حيث استهدفت بدقة أكثر من عشرة فروع لمؤسسة "القرض الحسن" التي ترتبط ارتباطا وثيقا بـ"حزب الله". وصور المسؤولون الإسرائيليون هذه الهجمات كخطوة استراتيجية لشل البنية التحتية الاقتصادية لـ"الحزب"، في محاولة لإضعاف شبكته المالية وزعزعة أركان الثقة بين "الحزب" والمجتمع الشيعي الذي يعتمد بشكل كبير على المؤسسة في تلقي الخدمات المصرفية.

بعد فترة وجيزة من تلقي الضربات، سارعت مؤسسة "القرض الحسن" إلى إصدار بيان رسمي عبر موقعها الإلكتروني، أفادت فيه أن عددا من فروعها قد تعرض للقصف. مع ذلك، استطاعت المؤسسة أن تطمئن عملاءها بأن أصولها لا تزال في مأمن، مستعرضة الإجراءات الاحترازية التي كانت قد اتخذتها منذ اندلاع النزاع لضمان حماية الودائع والمدخرات.

لكن الروايات المتضاربة تبرز سؤالا جوهريا: هل ستكفي تطمينات المؤسسة للحفاظ على ثقة آلاف المودعين لديها، رغم النكسات العسكرية التي يمر بها "حزب الله"؟ أم إن إسرائيل ستتمكن من زرع بذور الشك في نفوس عملاء المؤسسة؟

قيمة القرض الحسن

على الرغم من أنها مسجلة كجمعية خيرية، تعمل "القرض الحسن" كمؤسسة تمويل مصغر تخدم بالأساس الشيعة اللبنانيين الذين يمثلون العمود الفقري لقاعدة دعم "حزب الله". وعلى مر الزمن، قامت المؤسسة بتوسيع نطاق خدماتها لتشمل شبكة من أجهزة الصراف الآلي وتقديم قروض دون فائدة للمواطنين اللبنانيين الذين يعانون من ضائقة مالية، متجاوزة بذلك قاعدتها التقليدية. جاء هذا التوسع بعد انهيار القطاع المصرفي في البلاد عام 2019.

وتقدم المؤسسة قروضا تصل إلى 6000 دولار أميركي لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، حيث يُطلب من المقترضين ضمان التمويل بإيداع من الذهب بقيمة تزيد على مبلغ القرض. بينما يرى بعض الاقتصاديين أن المؤسسة تسهل حركة الأموال غير المشروعة وتولد أرباحا متواضعة لـ"حزب الله"، إلا أن القيمة الحقيقية لهذه المؤسسة تكمن في الدعم الذي تحصل عليه من المجتمع الشيعي اللبناني من خلال خدماتها.

روايات متضاربة

لا يزال من غير الواضح مدى الأضرار التي لحقت بأصول "القرض الحسن" جراء الغارات الجوية الإسرائيلية. وقد صوّر المسؤولون الإسرائيليون هذه الهجمات كضربة كبيرة لاحتياطيات المؤسسة من الذهب والنقود، مشيرين إلى أن أحد الأهداف في بيروت كان مستودعا تحت الأرض يحتوي على مخزون كبير من هذه الأصول. وقد أثارت هذه الرواية تكهنات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت شائعات حول تدمير الاحتياطيات المستهدفة بالكامل، فيما أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى العثور على آثار للذهب في المواقع التي تعرضت للقصف الأسبوع الماضي.

صوّر المسؤولون الإسرائيليون هذه الهجمات كضربة كبيرة لاحتياطيات المؤسسة من الذهب والنقود

في المقابل، أكدت "القرض الحسن" أن أصولها ما زالت آمنة، مستندة إلى التدابير الاحترازية التي نفذتها لحمايتها. وأفاد مصدر من المؤسسة بأن جميع فروعها في لبنان، وخاصة تلك الموجودة في الجنوب وضواحي بيروت الجنوبية، قد أخليت من الذهب والنقود والملفات الحساسة ونُقلت إلى مواقع آمنة. كما لاحظ المحللون أن ليس كل الفروع تحتوي على كميات كبيرة من النقود أو الذهب، ما يعني أن استهداف هذه المواقع لا يُعتبر بالضرورة ضربة مالية كبيرة للمؤسسة.
وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بفروعها جراء الغارات الإسرائيلية، لم يبدُ أن الذعر قد اجتاح عملاء مؤسسة "القرض الحسن" على نطاق واسع، وفقا لتقارير نشرتها منصات غير تابعة لـ"حزب الله". فعلى الرغم من الإغلاق المؤقت للكثير من فروع المؤسسة بسبب تصاعد النزاع، أفاد العملاء الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام، وكذلك أولئك الذين شاركوا تجاربهم على منصات التواصل الاجتماعي، بأنهم تمكنوا من الوصول إلى مدخراتهم أو استرداد ذهبهم. وفي كل حالة، طُلب منهم الانتظار لفترة قصيرة بينما كانت الأصول المطلوبة تُجلب من مواقع خارجية، وتم استعادة الأصول بنجاح كما وعدت المؤسسة.
وأبلغت المؤسسة المودعين كذلك بأنها جمدت مؤقتا سداد القروض الشهرية، مما يخفف من عبء سداد الديون خلال هذه الفترة العصيبة- وهي بادرة من المرجح أن تكون موضع تقدير- ويقلل من المخاطر التي قد تواجهها المؤسسة في معالجة الدفعات. كما تقلل هذه الإجراءات من الحاجة الملحة لإعادة الذهب المرهون للعملاء الذين اقترضوا بضمانه.
وقد يفسر سببَ عدم قلق معظم العملاء حجمُ القروض المتواضع نسبيا الذي تصدره جمعية القرض الحسن، متضافرا مع المخاوف الشديدة التي يواجهها الناس وسط الحرب المدمرة المستمرة، حيث ينشغل الناس بتلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة- مثل العثور على مأوى، وتوفير الطعام والماء والضروريات الأخرى، أو حتى مغادرة البلاد بحثا عن الأمان، حيث تصبح مسألة البقاء والأمان اليومي أكثر إلحاحا من الاعتبارات المالية في مثل هذه الظروف القاسية.
ومع ذلك، من المتوقع أن يأتي وقت تعود فيه الجموع الغفيرة من عملاء "القرض الحسن" للحصول على ودائعهم، وعندها سيكون أداء المؤسسة عاملا حاسما في الحفاظ على ثقة العملاء. فإذا استطاعت المؤسسة الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين والمستفيدين بعد هذا النزاع– كما سبق وفعلت بعد حرب 2006– فقد تتمكن من تحويل هذه الفترة الصعبة إلى قصة نجاح أخرى، على الأقل بالنسبة للمؤسسة.
أما إذا فشلت المؤسسة في الوفاء بالتزاماتها، فسيترتب عليها عواقب وخيمة، ليس فقط من حيث خسارة العملاء، بل أيضا من حيث إضافة ذلك إلى قائمة متزايدة من خيبات الأمل المرتبطة بقرارات "حزب الله"، التي تسببت في معاناة ودمار سيستمران طويلا بعد أن تختفي أصداء الرصاص والانفجارات.

font change