عندما شنت حركة "حماس" هجومها المفاجئ على إسرائيل قبل عام ونيف، بثت تسجيلا صوتيا لقائد جناحها العسكري "كتائب القسام" محمد الضيف، فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حثَّ فيه "المقاومة في لبنان والعراق وسوريا واليمن على الالتحام مع مقاومة فلسطين". والأرجح أن أيا من هذه الجماعات لم يُبلغ مسبقا بموعد الهجوم وتفاصيله، بخلاف ما قد يُفهم من تقريرٍ نشرته "نيويورك تايمز" قبل أيام، وتضمن أن "حماس" طلبت من إيران و"حزب الله" المشاركة معها.
ولا يُفهم من سياق التقرير الذي لا يخلو من ثغرات، ما طلبته "حماس" تحديدا، وهل كان دعما ماليا وتسليحيا كما ورد في إحدى فقراته، أم عملا مسلحا مشتركا. فأما الدعم فهو مستمر منذ فترة طويلة، ولا جديد يمكن تصوره إلا طلب زيادته. وأما العمل المسلح الثلاثي فهو مستحيل عسكريا إلا بشكلٍ عشوائي لعدم وجود غرفة عمليات مشتركة ومُجَرّبة من قبل. وهذا فضلا عما هو معروف عن أن النظام الإيراني لم يكن راغبا أو مستعدا حينذاك لحرب إقليمية، وما زال يرجو عدم نشوبها ويسعى إلى تجنبها حتى الآن.
وإذا كان الأمر كذلك، ومضافا إليه أن الإعداد لهجوم يعتمد على عنصر المفاجأة يتعارض مع إبلاغ آخرين بتفاصيله مهما تكن الثقة بهم، تصبح راجحةً الرواية التي تفيد بأن أيا من حلفاء "حماس" لم يعلم موعد هذا الهجوم حتى ساعات قليلة قبل البدء في تنفيذه في السادسة والنصف صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتفيد هذه الرواية بأن قيادة "حماس" أبلغت "حزب الله" وإيران في وقت متأخر من ليلة 6-7 أكتوبر عن طريق نائب رئيس مكتبها السياسي ورئيسها في الضفة الغربية حينذاك صالح العاروري، الذي أُغتيل بعد ذلك في ضاحية بيروت الجنوبية يوم 2 يناير/كانون الثاني 2024. فقد كانت المفاجأة الكاملة هي "كلمة السر" في العملية. وفيها يكمن سر تمكن وحدات "القسام" التي عبرت السياج باتجاه مستوطنات غلاف غزة من التوغل، وأسر نحو مئتين وخمسين إسرائيليا، وقتل آخرين، لأن القوات الموجودة في منطقة الهجوم يومها لم تكن مستعدة، بل بدت مُطمئنة إلى عدم وجود تهديد وبالتالي مُسترخية. وما كان ممكنا أن يحدث ذلك دون مفاجأة كاملة.
كان "حزب الله" أول من استجاب لنداء قائد "كتائب القسام"، فأطلق على الفور ما سماها عملية إسناد المقاومة في قطاع غزة. وسواء كانت طهران هي التي طلبت، أم إن "الحزب" هو الذي بادر وأبلغها وحصل على موافقتها، أم إنه اتخذ القرار دون تشاور مسبق، فهو لم يكن يستعد لمثل هذه العملية، بل لعل قيادته لم تفكر فيما كانت مقدمة عليه، ولم تبحث مدى جدواه، وهل تساوي هذه الجدوى التكلفة التي يمكن أن تترتب عليه. وهذا ما نستنتجه من السرعة الهائلة التي اتُخذ بها قرار الإسناد، والشروع في توجيه ضربات باتجاه المستوطنات المجاورة للحدود. ويبدو أن قيادة "الحزب" تخيلت أن المعركة ستكون قصيرة، وستبقى حتى نهايتها ضمن قواعد الاشتباك السارية ضمنيا منذ انتهاء حرب 2006، فقررت خوضها دون إعداد أو استعداد. لم تستوعب الدرس الإسرائيلي في تلك الحرب. فقد كان أهم ما تضمنه تقرير "لجنة فينوغراد"، التي شُكلت للتحقيق في أداء الجيش فيها، هو أن الذهاب إليها دون تحضير ولا تنسيق على المستويات السياسية والعسكرية والاستخباراتية أضاع ما سماه واضعو التقرير فرصة تحقيق انتصار واضح. وربما شرعت إسرائيل في ذلك الوقت في التحضير لحرب تالية حين تحين فرصة مناسبة لها. وقد وفر "حزب الله" هذه الفرصة بقراره المتعجل لإسناد المقاومة في غزة.
والمهم أنه قد مضى شهر وثانٍ وثالث وأكثر دون أن يتبين أي أثر لمعركة الإسناد هذه. فلا هي أوقفت القصف الهستيري والإبادة في قطاع غزة، ولا هي دعمت المقاومة هناك. لم يؤثر اضطرار الجيش الصهيوني للاحتفاظ ببعض قواته عند الجبهة الشمالية في هجماته على قطاع غزة، لأنه اعتمد في الأساس على القصف الجوي والبري، وسعى إلى تجنب الالتحام والقتال وجها لوجه أو من "المسافة صفر" بقدر الإمكان. كما أن عمليات "حزب الله" كانت محدودة كماً ونوعاً على نحو لا يُشغل الجيش الإسرائيلي كثيرا، فاقتصر أثرها على نزوح معظم سكان المستوطنات القريبة من الحدود إلى مناطق أخرى. ولم تأخذ قيادة "حزب الله" أحاديث مسؤولين إسرائيليين عن تصعيد كبير في الجبهة الشمالية على محمل الجد، أو ربما تصورت أنه سيكون في حدود أقل مما حدث في حرب 2006، وليس أكثر بكثير، وكثير جدا.