المغرب يدخل صناعة المسّيرات ويتجه لإنتاج ألف منها سنويا

منصة إقليمية لصيانة أجزاء الطائرات المدنية والحربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

لينا جرادات
لينا جرادات

المغرب يدخل صناعة المسّيرات ويتجه لإنتاج ألف منها سنويا

دخل المغرب تجربة تصنيع المسّيرات الطائرة (درون)، لأغراض مدنية وعسكرية، وأبحاث علمية وزراعية، ومراقبة الحدود البرية والبحرية والهجرة السرية، بالتعاون مع شركاء خارجيين، ويعتزم إنتاج 1000 طائرة من دون طيار سنويا على المدى المتوسط. وتتطلع المملكة المغربية الى تطوير صناعة الطيران من دون طيار بالاستفادة من خبرتها في تصنيع أجزاء من الطائرات التجارية، واستعمالها في أغراض اقتصادية وتنموية، تشمل رصد التغيرات المناخية والبيئية والغابات والسواحل وتطور المدن.

"أطلس آي ستار"

وأعلنت شركة "Aerodrive Engineering Service"، المتخصصة في مجال الطيران "أن المغرب طور طائرة "أطلس آي ستار" من نوع درون عالية الدقة، لتلبية متطلباته الدفاعية، مزوّدة تقنيات تكنولوجية تساهم في تنفيذ مهمات تجميع المعلومات والمراقبة"، وهي أول طائرة مسيرة تصنع في المغرب بكفاءة محلية، وفق المصادر التي تتحفظ عن إعطاء مزيد من المعلومات في هذه المرحلة.

بدورها دخلت شركة "أونداس أوبتموس" المختصة في تطوير حلول الطائرات التجارية بدون طيار، في شراكة استراتيجية مع شركة "مغرب نيت" “Maghrebnet”، وانشئ مصنع لإنتاج الطائرات المدنية بدون طيار، وفق بيان سابق للشركة الأميركية. واعتبر المدير العام لشركة "أونداس"، إيريك بروك، أن ’"المغرب يشكل بفضل قدراته الصناعية والتكنولوجية سوقا واعدة في قطاع الطيران والفضاء"، وقال "إن منظومة أونداس أوبتيموس ستقدم بالتعاون مع المغرب، قيمة مضافة كبيرة في جمع البيانات الجوية للتطبيقات الحكومية والتجارية والإستراتيجية".

تراهن شركة "أونداس" الأميركية على المغرب لتوسيع نشاطها إلى قطاعات اقتصادية وصناعية، حيث ترى الشركة أن الدخول إلى السوق المغربية يسمح بتقديم بنية تحتية متقدمة للطائرات بدون طيار

وتراهن الشركة الأميركية على المغرب لتوسيع نشاطها إلى قطاعات اقتصادية وصناعية، وقالت "أونداس" إن "الدخول إلى السوق المغربية يسمح بتقديم بنية تحتية متقدمة للطائرات بدون طيار، للمدن والمنشآت الصناعية والإستراتيجية، قد تمتد إلى دول في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، في قطاع تكنولوجيا المعلومات والأمن والاتصالات والطاقة المتجددة وحلول البيانات الآلية".

صُنع في المغرب بـ 4 مليارات دولار

وذكر تقرير الشركة الأميركية أن "المغرب عزز بهذه الشراكات الدولية الصناعية الخاصة بالطائرات بدون طيار، موقعه في شمال أفريقيا كبلد رائد في تصنيع مختلف أنواع الطائرات وأغراضها المختلفة". وقد حصلت "أونداس" أخيرا على ترخيص الهيئة الفيديرالية الأميركية للطيران دون طيار، نظام "s UAS". وتملك الشركة عقود عمل في الإمارات العربية المتحدة كذلك.

Shutterstock

وصنفت مجلة "فوربس" الأميركية المغرب بين 20 الأوائل المزودين الرئيسيين للمصنعين العالميين الكبار للطيران التجاري والمدني، مثل "إيرباص" و"بوينغ"، و"سافران"، و"بومبارديه"، و"سبيريت أوروسيستيم"، و"برات وايتني"، وقالت المجلة "إن المغرب يطمح لزيادة صادراته من أجزاء الطائرات إلى 4 مليارات دولار عام 2025".  

تعتزم "لوكهيد مارتن" "جعل المغرب منصة إقليمية لصيانة طائراتها الحربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وتضمنت الاتفاقية حصول المغرب على أحدث المعدات والتدريب منها

 وتزود المصانع المغربية يوميا مصانع سياتل في شمال غرب الولايات المتحدة وتولوز الفرنسية، قطاع غيار المحركات وهياكل الطائرات "fuselage"، وتجهيزات داخلية أخرى صنعت في المغرب، تجعله احد الفاعلين الرئيسيين في منظومة سلاسل الإنتاج في قطاع الطيران التجاري العالمي. وبلغت صادرات أجزاء الطائرات المدنية 1.6 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري بزيادة 20 في المئة، رغم التعثر الذي يعرفه قطاع تصنيع الطائرات في أميركا وأوروبا.  

"لوكهيد" و"16F"

ووقعت الرباط عقود صيانة لصالح شركة "لوكهيد مارتن" العملاقة التي تصنع طائرات "إف 16" الحربية و"هرقل 130" للشحن والإسناد العسكري. وقالت الشركة الأميركية "إن مصانع شمال الرباط ستتولى صيانة وتحديث الطائرات العسكرية المصدرة نحو المغرب وعدد من الدول العربية والأفريقية، التي ستحصل على هذه الأنواع من الطائرات المتطورة، مثل تونس وليبيا والنيجر وتشاد ومصر".

أ.ب.

 وتعتزم "لوكهيد مارتن" "جعل المغرب منصة إقليمية لصيانة طائراتها الحربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وتضمنت الاتفاقية حصول المغرب على أحدث المعدات والتدريب منها، مما يعزز قدراته على دعم احتياجات القوات الجوية الملكية، وتوسيع قاعدة عملائه لتشمل دولًا أفريقية مجاورة.

يتوقع أن يكون التعاون بين فرنسا والمغرب في مجال الطيران التجاري والعسكري، أحد محاور النقاش مع الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته للرباط في مصالحة تاريخية، بعد خصام دام ثلاث سنوات بين الرباط وباريس

وسيتسلم المغرب عددا من طائرات "F-16" جديدة من طراز "Block 72" و "F16 Viper" بين عامي 2025 و2027، ويخطط لتعزيز أسطوله الحالي بتحديث طراز مقاتلات في الخدمة. ويسمح قانون 10.20 بالتعاون الدولي لهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري وتطوير صناعة جوية محلية قوية. ووافقت الإدارة الأميركية على بيع المغرب 36 طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي "AH-64E"، يتوقع استلامها بحلول عام 2025. ويشمل التعاون في مجال الطيران العسكري عددا من الدول منها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واسبانيا والإمارات العربية المتحدة وتركيا والصين وإسرائيل والبرازيل وغيرها.

توسعة الإنتاج والصيانة من شركات عملاقة

وزاد في الفترة الأخيرة عدد شركات مصنعي أجزاء الطائرات المدنية في المغرب، منها "بيلاتوس" السويسرية التي أنشأت مصنعا في الدار البيضاء "ميدبارك"، لتجميع طائرات C-P12، ووسعت "سافران" الدولية مصانعها لزيادة إنتاج محركات "CFM 56" الذي تزود به طائرات "إيرباص" و"بوينغ"، وأنتجت نحو 33 ألفا من هذه المحركات وصدرت ما قيمته 23,2 مليار يورو عبر فروعها في العالم. وطورت الخطوط الملكية المغربية خدمات الصيانة والإصلاح والتحديث في مطار محمد الخامس الدولي في الدار البيضاء لحساب ناقلات أوروبية وأفريقية عابرة بين القارتين. وتتطلع "المغربية" الى نقل 32 مليون مسافر واقتناء 200 طائرة جديدة في السنوات القليلة المقبلة ارتباطا بتنظيم نهائيات كأس العالم 2030. 

ويتوقع أن يكون موضوع التعاون بين فرنسا والمغرب في مجال الطيران التجاري والعسكري، أحد المواضيع التي سيناقشها الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته للرباط في 29-28 أكتوبر/ تشرين الأول، في مصالحة تاريخية، بعد خصام دام ثلاث سنوات بين الرباط وباريس.

نجاح تجربة المغرب في صناعة السيارات فتح الشهية الصناعية نحو قطاعات أخرى، مثل صناعة الطائرات بأنواعها، وفي مرحلة لاحقة القطارات الفائقة السرعة، والسفن

رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة المغربي

سوق بقيمة 91 مليار دولار

تعتبر صناعة أجزاء الطائرات وجودتها أحد الرهانات المستقبلية لمصنعي النقل الجوي في العالم، خصوصا بعد الجدال الذي رافق الأعطال التي لحقت بعدد من طائرات "إيرباص" و"بوينغ"، في السنة الأخيرة. وكانت وراء تعطيل سلاسل التوريد وتأخير التسليم. ويصعب على المجموعتين الأميركية والأوروبية حاليا الوفاء بوعد إنتاج 1600 طائرة سنويا حتى عام 2027، مما يجعل بعض الناقلات تتجه نحو الصيانة، لأجل تمديد خدمة الأسطول، تفاديا لأي تأثير على رحلاتها الجوية، في انتظار تسوية إشكالية التأخير.

Morocco world news
الطائرة المسيرة ATLAS ISTAR من إنتاج شركة "أطلس" المغربية للصناعات العسكرية.

ويتوقع أن تبلغ سوق صيانة الطيران التجاري نحو 134 مليار دولار قبل عام 2030، وحققت إيرادات بقيمة 91 مليار دولار في نهاية عام 2024، وفق موقع "ذي إنسايت بارتنرز"  The "Insight Partners". وتشمل صيانة الطائرات مراقبة أجهزة التحكم الالكترونية والتكنولوجية وسلامة المحركات وقمرة القيادة وجسم الطائرة وإصلاح واستبدال القطع التشغيلية، بالإضافة الى تحسين أدائها، مما يضمن بقاء الطائرة في حالة ملاحية جيدة قد تمتد لعقود من الخدمة، وهي صيغة مرنة تعتمدها حتى الناقلات الدولية الكبيرة.

الرهان على الصناعة

وقال وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور لـ"المجلة " إن "نجاح تجربة المغرب في صناعة السيارات فتح الشهية الصناعية نحو قطاعات أخرى، مثل صناعة الطائرات بأنواعها، وفي مرحلة لاحقة القطارات الفائقة السرعة، والسفن التجارية الناقلة للحاويات"، واعتبر "أن الاقتصاد المغربي يتحول تدريجيا إلى اقتصاد يعتمد على الصناعة والتكنولوجيا". وتعتمد عشرات الناقلات الأفريقية على الخدمات المغربية على الأرض في مجال الصيانة  "Repair & Overhau"، بسبب ارتفاع أسعار الطائرات الجديدة، وصعوبة تحصيلها في الآجال.

تحتاج القارة السمراء إلى شراء 1180 طائرة جديدة خلال العشرين سنة المقبلة، لرفع أسطولها إلى 1630 طائرة في أفق 2040

وقالت "إيرباص" إن تكلفة صيانة الأساطيل الجوية الأفريقية جنوب الصحراء ستتضاعف من2.7 مليار دولار عام 2023 إلى 5.5 مليارات خلال السنوات القليلة المقبلة. وتحتاج القارة السمراء إلى شراء 1180 طائرة جديدة خلال العشرين سنة المقبلة، لرفع أسطولها إلى 1630 طائرة في أفق 2040.

Shutterstock
طائرة حربية تابعة للقوات المسلحة المغربية.

لكن توزيع هذه الطائرات قد يكون من نصيب الناقلات الكبرى مثل مصر والمغرب وجنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا ودول أخرى قد تنضم لاحقا. وتحتاج أفريقيا أكثر من أي قارة أخرى إلى صيانة دورية على طائراتها بسبب قدمها، مما سيجعل هذه المهنة واعدة في المستقبل. لكنها احتكارية أيضا لان عددا محدودا من الدول قادر على توفير شروط صناعة الصيانة، التي تتطلب استثمارات وخبرات ومهارات وتجهيزات ومطارات وامتدادات داخل مواقع أخرى عبر العالم.

وتتيح الخبرة المغربية الاستفادة من حاجة أفريقيا إلى صيانة طائراتها المتقادمة، وحاجة الشركات الدولية الكبرى إلى قطاع الغيار والأجزاء الداخلة في تصنيع الطائرات التجارية الحديثة. وهو امتياز لا تحظى به دول كثيرة. وتسمح صناعة الطيران المسّير دون طيار بدخول غمار تجربة جديدة، تشمل كل القطاعات والمجالات، كنوع من التفوق العلمي والتكنولوجي لأغراض مدنية اقتصادية وتنموية أساسا، والتحول إلى بلد رائد في قطاع ظل ضيقا بين الكبار عقودا طويلة من الزمن.

font change

مقالات ذات صلة