العراق... من مستهلك للمخدرات إلى "مصدّر"

تحول العراق، خلال السنوات الخمس الماضية إلى مستهلك رئيس للمخدرات المصنّعة

لينا جرادات
لينا جرادات

العراق... من مستهلك للمخدرات إلى "مصدّر"

جزء من طريقين رئيسين لتهريب المخدرات

تحول العراق خلال السنوات الخمس الماضية إلى مستهلك رئيس للمخدرات الصناعية، مثل "الميثامفيتامين" و"الكبتاغون"، بالإضافة إلى أنه يصدرها إلى دول الخليج وأوروبا.

أهملت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003، ملف المخدرات، بسبب انهيار الوضع الأمني، بعد اندلاع الحروب الأهلية والأزمات السياسية الداخلية، إذ أصبحت المخدرات الطبيعية والصناعية تنتشر، داخل البلاد، قادمة من أفغانستان وإيران وسوريا ولبنان، بسبب المنافذ الحدودية غير الرسمية التي تبلغ 21 معبرا، وتسيطر عليها جماعات مسلحة بالإضافة إلى المخدرات المحلية، إذ إن أبرز أنواع المخدرات انتشارا هي "الميثامفيتامين" المعروفة باسم "الكريستال" وبعدها "الكبتاغون".

وحديثا، أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريرا عن العراق، أكد فيه أن العراق والدول المجاورة سجلوا زيادة حادة في عمليات تهريب واستخدام "الكبتاغون"، خلال السنوات الخمس الماضية، إذ زادت عمليات مصادرته بنسبة 3380 في المئة خلال العام الماضي، بالمقارنة مع عام 2019.

وأشار التقرير إلى أن العراق معرض لأن يصبح محورا متزايد الأهمية بالنسبة لمنظومة تهريب المخدرات عبر الشرق الأوسط والأدنى، لأنه يقع في نقطة تقاطع منظومة عالمية معقدة لتهريب المخدرات عبر جنوب غربي آسيا وأفريقيا وأوروبا، موضحا أن استمرار وعودة نشاط المجموعات المسلحة يشكل تهديدا كبيرا، لأنها تشارك في إنتاج المخدرات وتهريبها.

وأكد أن العراق أصبح مصدرا محتملا لإنتاج "الميثامفيتامين"، وزيادة استهلاكه.

وأوضح تقرير الأمم المتحدة أن العراق أصبح جزءا من الطريقين الرئيسين لتهريب المخدرات، والمعروفين باسم البلقان، الذي ينقل المواد الأفيونية من أفغانستان وباكستان عبر إيران والعراق وتركيا، ومن ثم إلى غرب البلقان لنقلها إلى أسواق أوروبا الغربية، أما الطريق الثاني فهو المعروف باسم "الجنوبي"، لنقل المخدرات الاصطناعية والأفيونية، من جنوب أفغانستان عبر باكستان وإيران والعراق.

وأكد التقرير أن محافظة الأنبار، المتاخمة للحدود السورية والأردنية والسعودية، أصبحت في الثلاث سنوات الأخيرة، مركزا لتهريب المخدرات، إذ يقوم تجار المخدرات بجمع "الكبتاغون" و"الميثامفيتامين"، المنتج في بلدان غرب العراق (سوريا، الأردن، لبنان)، و"الميثامفيتامين" المصنوع في الشرق (إيران)، ومن ثم يعيدون توجيه هذه المواد باتجاه شبه الجزيرة العربية، حيث توجد مجاميع متواطئة مع تجار المخدرات في منفذ "القائم" الحدودي مع سوريا.

وأشار التقرير إلى أن "الميثامفيتامين" و"القنب"، يدخلان العراق عبر الموانئ الجنوبية في البصرة.

خلال العام الماضي، انخفض سعر الكيلوغرام لمادة "الكريستال" في العراق، بسبب الكم الهائل من العرض إذ يصل إلى 8 آلاف دولار، بعد أن كان قبل 5 سنوات بحدود الـ20 ألف دولار، إذ قام عدد من تجار المخدرات، بإنشاء معامل في عدة محافظات، بالاستعانة بالخبرات من إيران وسوريا ولبنان.

خلال النصف الأول من عام 2024، اعتقلت القوات الأمنية 6 آلاف متورط، وضبطت طنا من المخدرات، و9 أطنان من المؤثرات العقلية

وحسب القاضي المختص بالمخدرات، عقيل ناظم، فإن نسبة استهلاك المواد المخدرة ارتفعت إلى 60 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، بعد أن كانت 20 في المئة، مشيرا إلى أنه ليس الكبار فقط هم من يتعاطونها وإنما تحت الـ18 عاما.

ويتخذ المتاجرون وسائل حديثة، في نقل المخدرات بين المدن، من خلال إخفائها بشكل محكم داخل السيارات، أو نقلها عبر كبار السن أو أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام، أو من خلال النساء، كما يقوم بعض المتاجرين الكبار الذين يعملون في الدولة أو المنتمين للأحزاب الحاكمة، بنقلها بالسيارات الحكومية والحزبية، من أجل تجاوز نقاط التفتيش، وفقا لنائب رئيس البرلمان السابق حاكم الزاملي.

نقل المخدرات خارج العراق

يعتبر العراق محطة لنقل المخدرات باتجاه الكويت والسعودية ودول الخليج الأخرى ودول أوروبا، إذ أكد رئيس محكمة استئناف البصرة القاضي عادل عبد الرزاق، أنه يوجد خط دولي لتهريب المخدرات خارج المنافذ الحدودية، باستخدام الطائرات الشراعية والمسيرة، مشيرا إلى أنه جرى ضبط مليون قرص من مادتي "الكبتاغون" و"لاريكا" باتجاه دولة الكويت.

التقت "المجلة" مع عدد من المختصين في ملف المخدرات، وذكروا أن العراق يقسم إلى 3 مناطق، فالمناطق الجنوبية والوسطى مثل ميسان والبصرة وذي قار وبغداد وديالى، تنتشر فيها مادة "الكريستال" التي يدخل الجزء الأكبر منها عبر إيران وأفغانستان، والجزء الآخر يصنع محليا، وتستهلك النسبة الأكبر محليا، ويعاد تصدير نسبة أخرى باتجاه عدد من الدول. بينما إقليم كردستان ينشط فيه التجار في نقل الهيروين من إيران، باتجاه الإقليم وبعده إلى تركيا ودول أوروبا، فاستهلاك هذه المادة داخل العراق ضعيف بسبب الأسعار الباهظة، أما المنطقة الغربية وتحديدا الأنبار، فتُستورد من خلاله مادة "الكبتاغون" التي تصنع في سوريا ولبنان، ويعاد تصديرها باتجاه الأردن ودول الخليج بالإضافة إلى الاستهلاك المحلي.

أ.ف.ب
خلال عملية تلف نحو ستة أطنان من المخدرات، بعضها كان مخزنا منذ أكثر من عقد من الزمان، في منطقة النهروان ببغداد في 18 ديسمبر 2022

ويعتبر الفساد المالي والإداري، في المؤسسات الحكومية ومنها الأمنية، من العوامل التي تقف وراء انتشار المخدرات، إذ يقوم تجار المخدرات بدفع ملايين الدنانير، مقابل الإفراج عنهم، في مراكز الشرطة، وتحويلهم من تجار إلى متعاطين يفرج عنهم بكفالة مالية، كما أن الضغط السياسي عدّ عاملا في انتشار المخدرات، إذ شهدت البلاد، في عام 2018، اعتقال موظف بجهاز المخابرات، وهو نجل محافظ النجف الأسبق لؤي الياسري، الذي حكم القضاء عليه بالسجن المؤبد، ولكنه خرج من السجن بعفو.

انتبهت الدولة العراقية لمخاطر تفشي المخدرات، إذ قامت في عام 2017، بإنشاء الهيئة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، وإصدار استراتيجية مكافحة المخدرات 2023-2025، كما تقوم القوات الأمنية بعمل نقاط تفتيش عشوائية بشكل يومي، للبحث عن المتعاطين والتجار.

وقال المتحدث باسم المديرية العامة لشؤون المخدرات في وزارة الداخلية، حسين التميمي، لـ"المجلة"، إنه خلال النصف الأول من عام 2024، اعتقلت القوات الأمنية 6 آلاف متورط، وضبطت طنا من المخدرات، و9 أطنان من المؤثرات العقلية.

وأضاف أن العام الماضي شهد ضبط 4 أطنان من المخدرات، و15 طنا من المؤثرات العقلية.

وأشار إلى أن المديرية أبعدت الخطر عن أكثر من 20 مليون شخص، لأن الكميات التي ضبطت تؤشر إلى أن حصة كل شخص غرام واحد.

وأكد التميمي أن العامين الماضيين شهدا افتتاح مصحات ومراكز بهدف إيداع المتعاطين وإعادة دمجهم في المجتمع العراقي.

ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب شجع بعضهم على العمل في تجارة المخدرات، والذين قد تصل أعدادهم إلى أكثر من 100 ألف شخص

ولفت التميمي إلى أن العمليات التي تقوم بها المديرية ساهمت في تقليل العرض من المخدرات، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، إذ وصل غرام "الميثامفيتامين" و"الكريستال" إلى 100 ألف دينار، وحبة "الكبتاغون" من 1000 دينار إلى 10 آلاف دينار.

من جهة أخرى، قالت المختصة في مكافحة المخدرات، زينب ساطع البيروتي، لـ"المجلة": "يستهدف تجار المخدرات، الفئة الأكبر من المجتمع وهي من 7 أعوام إلى 17 عاما"،  مشيرة إلى أن "الميثامفيتامين" هو الأكثر انتشارا في العراق، لأن تجار المخدرات يحققون عوائد مالية بسبب سرعة إدمان الشخص عليه.

أ.ف.ب
المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن في زيارة لموقع تم العثور عليه لإنتاج الكبتاجون في محافظة حدودية مع السعودية، في 16 يوليو 2023

وتابعت أن انتشار المخدرات يكون بين العائلات التي تعاني من المشاكل، وبين العاطلين عن العمل، مؤكدة أن حبوب "الكبتاغون"، تأتي من سوريا ولبنان، باعتبارهما المصدر الرئيس، وهي مغشوشة. إذ تضاف لها مواد مثل الكبريت والديتول وغيرهما.

وأشارت إلى أن العراق عمل على الحد من انتشار المخدرات، من خلال عقد مؤتمر دولي، بهدف التعاون بين الدول للقضاء على تجار المخدرات، مؤكدة أن العراق اشترط على المواطنين للحصول على رخصة لقيادة السيارات أو السلاح وإكمال الدراسات العليا الخضوع لفحص المخدرات.

وقد لعبت المخدرات دورا كبيرا في تدمير اقتصاد العراق، فالبلاد تعاني ضعف القوى العاملة، وزيادة الاعتماد على الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الجريمة والعنف، وساهمت في زيادة العبء على نظام الرعاية الصحية الدي يعاني كثيرا، إذ إن مراكز معالجة المتعاطين للمخدرات ما زالت قليلة ولا تكفي الطلب.

كما تعتبر المخدرات والمؤثرات العقلية، أحد الموارد الرئيسة، لبعض المجاميع المسلحة، والتي أصبحت تهدد مستقبل البلد بسبب زيادة عدد المتعاطين، حيث قال النائب مصطفى سند إنه عندما قامت الحكومة بمحاولة اعتقال أكبر مورد للمخدرات في البصرة، قامت جهة سياسية تمتلك فصيلا مسلحا بتهريبه.

ووفقا للاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، فإن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب شجع بعضهم على العمل في تجارة المخدرات، والذين قد تصل أعدادهم إلى أكثر من 100 ألف شخص، مشيرا إلى أنه حسب الإحصائيات المعلنة فإن 4 في المئة من المخدرات مزروعة في العراق، بالإضافة إلى أن بعضهم يعمل في صناعة المخدرات والتي تسمى محليا "طبخ الكريستال".

العراق بحاجة إلى إجراء فحوصات عشوائية في الدوائر والطرق العامة وغيرها، لأن الفحوصات المعلن عنها قد لا تظهر النتائج الحقيقية

وقال حنتوش لـ"المجلة" إن التسويق الداخلي للمخدرات، يكون عبر بعض المقاهي والصالونات النسائية والرجالية، داعيا الدولة إلى القضاء على البطالة حيث يقدر عددهم بأكثر من 4 ملايين عاطل عن العمل.

وأكد أن ربحية المخدرات تصل إلى 12 ضعفا من كلفة إنتاجها، وبالتالي هي تحقق عوائد عالية جدا.

وقد قامت الدولة العراقية، بإجراءات لفحص المخدرات لعناصر القوات الأمنية والطلبة الذين يرغبون في إكمال الدراسات العليا، والمواطنين المراجعين لمديرية المرور لنقل ملكية السيارة أو الحصول على ترخيص القيادة وتجديدها.

أ.ف.ب
المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن في زيارة لموقع تم العثور عليه لإنتاج الكبتاجون في محافظة حدودية مع السعودية، في 16 يوليو 2023

وقد انتقد رئيس لجنة الصحة النيابية، ماجد شنكالي، الفحوصات المسبقة عن المخدرات، لأنها لا تكشف المتعاطين، مشيرا إلى أن هناك معلومات تشير إلى أن 13 في المئة من القوات الأمنية، الذين خضعوا لفحص المخدرات، كانوا يتعاطونها، أو يتناولون أدوية فيها بعض المواد المخدرة.

ولفت شنكالي في حديثه لـ"المجلة" إلى أن العراق بحاجة إلى إجراء فحوصات عشوائية في الدوائر والطرق العامة وغيرها، لأن الفحوصات المعلن عنها قد لا تظهر النتائج الحقيقية، لأن أي شخص يتعاطى المخدرات عندما يتوقف عن تناولها لمدة 5 أيام تظهر النتائج سليمة. وشدد على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة في حماية الحدود، ونشر الوعي في المجتمع عن مخاطر المخدرات. وأكد أن المخدرات المصنعة مثل "الكريستال" تدخل العراق من خلال الأردن وسوريا ولبنان، بينما المخدرات الطبيعية مثل الهيروين والحشيشة تأتي من إيران وأفغانستان.

font change

مقالات ذات صلة