الأصل اللاتيني للكلمة الفرنسية Étonnement هو اللفظ Attonare الذي يدل على من نزلت به صاعقة Tonnerre فأصابه، من هول ما رأى، ذهول يدفعه إلى التراجع وإعادة النظر في العالم من حوله، من خلال هذه الخطوة يدرك حدود معرفته فيسعى لاكتساب معارف جديدة. لذا اعتبرت الدهشة وراء كل معرفة. بل إنّ كبار فلاسفة اليونان رأوا فيها أصل الفلسفة ومصدرها. وهذا يمتد حتى المعاصرين، لا عجب أن يربط غاستون باشلار الدهشة بالصعقة الكهربائية: "من أشكال الدهشة الناتجة من الثقافة النظرية، التي هي مثل الصدمات الكهربائية، ما يقلب العقليات المتقادمة ويرسم تنظيمات عقلانية جديدة للمعرفة... وهكذا، تلتقي الثقافة العلمية، في جميع أشكال تقدمها، بدهشات حقيقية للعقل تأتي باستمرار لتتعارض مع وثوقية العقلانية المكتسبة، التي يتم تصحيحها باستمرار".
الدهشة إذن، هي الانفعال الذي كان اليونان يربطونه بميلاد الفلسفة، فهي التي دفعت الحكماء، على حدّ قول أرسطو، إلى التأمل الفلسفي: "في الواقع، كانت الدهشة هي ما دفع المفكرين الأوائل، كما يحدث اليوم، إلى التأملات الفلسفية. في البداية كانت الصعوبات الأكثر وضوحا هي التي لفتت انتباههم، ثم، شيئا فشيئا، سعوا إلى حل مشكلات أكبر، مثل ظواهر القمر، وظواهر الشمس والنجوم، وأخيرا نشأة الكون".
الدهشة رجّة تدفع إلى طرح الأسئلة أمام ما يواجهه الفكر من غرابة غير متوقعة. أمام الصعوبات تأخذك الدهشة فتعترف بجهلك. "تحررا من هذا الجهل خاض الفلاسفة الأوائل غمار الفلسفة بهدف المعرفة وحدها، وليس من أجل غاية نفعية" كما يؤكد المعلم الأول. وقبله ينقل أفلاطون قول سقراط في محاورة ثياتيتوس: "الشعور بالدهشة هو بالفعل من صفات الشخص الذي يحب المعرفة. وليس هناك نقطة انطلاق أخرى للبحث عن المعرفة سوى هذا الشعور".
تمرين على الدهشة
ستحتفظ العصور الحديثة بهذا الدور للدهشة. نقرأ في كتاب كانط "نقد ملكة الحكم": "الدهشة هي صدمة للعقل تنشأ عن عدم توافق تمثُّل ما، وكذلك القاعدة التي يقدّمها، مع المبادئ التي توجد بالفعل في العقل كأسس، ممّا يبعث الشك والتساؤل: هل أدركنا الأمر جيدا؟ هل كان حكمنا صحيحا؟" ففي قلب الدهشة تكمن فكرة اتخاذ مسافة من العالم، وبالتالي تحرير الإنسان من معتقداته وأحكامه المسبقة.