مبيدات حشرية بديل للنيكوتين في سجائر الغزيين

تعتبر فلسطين من الدول الأكثر استهلاكا للسجائر

أ ف ب
أ ف ب
فلسطيني يلف السجائر في خان يونس في 15 اغسطس

مبيدات حشرية بديل للنيكوتين في سجائر الغزيين

بدأت أسعار التبغ والسجائر في الارتفاع في قطاع غزة، منذ بدء الحرب الإسرائيلية قبل أكثر من عام، وتصاعدت شيئا فشيئا حتى ارتفعت بشكل جنوني بعد سيطرة الجيش على معبر رفح البري والذي يربط القطاع مع مصر، في بداية مايو/أيار الماضي. وكان ارتفاع الأسعار بسبب توقف استيراد التبغ والمعسل وتخوف التجار من نفاد الكميات المخزنة لديهم. إلا أن الأمر لم يتوقف عند ارتفاع الأسعار، بل تعدى الأمر ذلك في عمليات تهريب أنواع من التبغ عن طريق شاحنات البضائع والمساعدات الإغاثية التي عادت للدخول عن طريق معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي رفح، ووصل الأمر إلى حد استخدام أوراق الشجر بعد تنشيفها وتنعيمها، وإضافة بعض المواد السائلة والتي يقال عنها "نيكوتين" ولكن هي في حقيقة الأمر مبيدات حشرية سامة.

ومع ارتفاع الأسعار، وفقدان المواطنين الغزيين لأعمالهم، وتشريدهم ونزوحهم من منازلهم ومناطق سكنهم بسبب العمليات البرية العسكرية الإسرائيلية، وخسارتهم لممتلكاتهم حيث أصبح أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة، والبالغ تعدادهم مليونين و300 ألف نسمة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبحثون عن أعمال بديلة تُدر عليهم دخلا يمكنهم من شراء احتياجاتهم من المواد الغذائية الأساسية بعدما اضطروا إلى النزوح والسكن في خيام ومدارس تحولت إلى مراكز إيواء، وجد الغالبية من الأجيال الشابة ضالتهم في إنشاء "بسطة" صغيرة لبيع التبغ وأصبح غالبيتهم يعملون في صناعة لف السجائر للمدخنين.

وتنتشر بسطات بيع السجائر اللف في مختلف المناطق التي يكتظ بها النازحون. يقول محمد عبد ربه البالغ من العمر 19 عاما، وهو نازح من شمال القطاع إلى وسطه، أنه كان يعمل سابقا في مساعدة قريب له على بيع السجائر هذا قبل الحرب، وبعد النزوح فقد مصدر دخله، قبل أن يعاود العمل في المجال ذاته ولكن بطريقة مختلفة.

ويضيف: "أنا وأبي وإخوتي، كلنا فقدنا مصدر دخلنا، وكان لازم نجد مصدر دخل جديد بعد ما طولت الحرب، وبيوم وأنا ماشي بالسوق، لقيت تجار بيبيعوا كميات كبيرة من التبغ، بقولوا عنه تبغ شامي في منه صناعة غزة وفي صناعة الضفة، وكمان كان في أنواع تانية من التبغ بجودة رديئة، لكن سعرها كتير غالي مقارنة بسعر السجاير المستوردة قبل الحرب".

وتعتبر فلسطين من الدول الأكثر استهلاكا للسجائر، وبحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية، قالت إن 34 في المئة من السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة هم من المدخنين، وفي إحصائية سابقة لهيئة التبغ في وزارة المالية التي تديرها حركة "حماس" في قطاع غزة، والتي كانت مهمتها فرض الضرائب على كل علبة سجائر، قالت إن المدخنين في القطاع يستهلكون أكثر من 25 ألف علبة سجائر يوميا، هذا في الوقت الذي كان يبلغ فيه متوسط سعر علبة السجائر قبل الحرب، قرابة خمسة دولارات بعد فرض الضرائب، فيما ارتفع سعرها مؤخرا لأكثر من 65 دولارا للعلبة الواحدة، وهو ما دفع البائعين لبيعها بالسنتيمتر، والذي تبلغ قيمته أكثر من 7 دولارات.

وصل الأمر إلى حد استخدام أوراق الشجر بعد تنشيفها وتنعيمها، وإضافة بعض المواد السائلة

عبد ربه، واحد من بائعي السجائر بالسنتيمتر، يوضح أنه يبيع السنتيمتر مع إضافة خليط من التبغ الشامي ملفوفا في سيجارة تبلغ قيمتها تقريبا 13 دولارا، وهو سعر مرتفع جدا على كاهل المدخنين، لكنه يبرر ذلك: "هي المتوفر في السوق، وفي ناس بتاخد شامي بدون ما نضيف عليه أي نوع من السجائر المستوردة، بكون السعر أقل تكلفة".

 

مصادر التبغ

تحدثت "المجلة" مع أحد التجار الذي يعمل في تهريب التبغ والذي رفض ذكر اسمه، وأشار إلى أنه ومعه آخرون جربوا الكثير من الطرق التي كشف غالبيتها الجيش الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم أثناء تفتيش الشاحنات التي تحمل مواد إغاثية غذائية وطبية. وقال: "احنا بنتفق مع شخص في الخارج بدنا كمية من التبغ وبيتم توزيع الكمية وتهريبها إما عبر البيض أو البطيخ أو القرع وفي مرة هربنا التبغ داخل عبوات الطحينة أو داخل معلبات الشاي، وداخل كراتين المواد الطبية، يعني كل مرة كل تاجر بيلاقي طريقة، أوقات بتدخل وننجح في تهريبها ومرات الجيش يمسك الشحنة ويصادرها بكل ما فيها".
ولا يتوقف الأمر على مصادرة الشحنة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، بل الأمر يصل إلى حد منع التاجر صاحب البضائع والمواد الغذائية من الاستيراد لاحقا، حيث ترفض الحكومة الإسرائيلية والجيش، منذ بداية الحرب، السماح لتجار التبغ والمعسل من الاستيراد بشكل قانوني دون إبداء الأسباب. وقبل عدة أسابيع، تعمد الجيش الإسرائيلي إلقاء منشورات من طائرة في سماء غرب مدينة خانيونس وفوق خيام النازحين، تدعوهم إلى الإبلاغ وتقديم المعلومات حول الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، في مقابل الحصول على السجائر، وألصق الجيش مع كل منشور ورقي سيجارة من نوع رويال، وهو ما يدلل على المنع المتعمد واختلاق أزمة لدى مدخني قطاع غزة من قبل إسرائيل.

 أ ف ب
شاب فلسطيني يدخن التبغ في غليون في سوق النصيرات في 12 يوليو

وكمصدر آخر لتوفير التبغ في غزة، لجأ بعض مزارعي وسط القطاع إلى تحويل عملهم من زراعة اللوزيات والفواكه إلى زراعة التبغ، مع العلم أنّ تلك الزراعة لم تكن منتشرة بين المزارعين قبل الحرب. وقال ضياء مريش وهو مزارع، أنه أصبح يزرع في أرضه التبغ بعد ارتفاع أسعاره في الأسواق، واستمرار الحرب، مشيرا إلى أن زراعة التبغ تعتبر من الزراعات غير المكلفة حيث يتم حصاد المنتج بعد قرابة شهرين ولا يحتاج للكثير من الماء، فكلما شح الماء عن أشجار التبغ، زاد من تركيز نكهة التبغ، وهذا ما يساعد المزارعين في ظل شح المياه بسبب قطع الجيش الإسرائيلي إمدادات المياه عن مختلف القطاع منذ بداية الحرب ومنع دخول السولار اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية لاستخراج المياه من الآبار الجوفية.

 

مواد سامة مسرطنة

ولم يتوقف الأمر عند حد ارتفاع أسعار التبغ والسجائر بشكل جنوني، بل تعدى الأمر حد استخدام بائعي التبغ عدة نقاط من المبيدات الحشرية مثل "K300" وغيرها من أنواع المبيدات كبديل عن النيكوتين. وحول ذلك، يقول مواطن- رفض الكشف عن هويته- إنه وبعدما سمع عن استخدام المبيدات الحشرية كبديل عن النيكوتين، أخبر أحد بائعي التبغ بأنه يمتلك عبوة في منزله من عبوات "K300" والتي تستخدم لمكافحة الصراصير، حيث عرض عليه شراءها بمبلغ يتجاوز 700 دولار، في الوقت الذي كانت تباع العبوة قبل الحرب بنحو 8 دولارات فقط.

لجأ بعض مزارعي وسط القطاع إلى تحويل عملهم من زراعة اللوزيات والفواكه إلى زراعة التبغ

وتأكيدا لذلك، قال واحد من بائعي التبغ على بسطة صغيرة، إنهم يستخدمون عدة أنواع كبديل عن النيكوتين، منها الـ"K300" والبنج الطبي ومواد أخرى، وجميعها تستخدم وكأنها نيكوتين سائل حيث يتم وضع نقاط محدودة وخلطها مع التبغ، وهو ما يتسبب في شعور المدخن بنوع من الرضا وكأنّ النيكوتين تغلغل إلى جسده بالفعل.

أ ف ب
سوق مرتجل في رفح في 12 مارس

وحول آثار استخدام مبيدات الحشرات، قال طبيب الأمراض الصدرية في قطاع غزة الدكتور شادي عوض لـ"المجلة"، إنها من أخطر المواد التي يتم استخدامها وتدخل إلى جسد الإنسان، حيث تتسبب في الإضرار بالشُّعب والشعيرات الهوائية في الرئتين، ما ينتج عنه إصابة المدخنين لتلك السجائر المضاف إليها المواد السامة، بأزمات صدرية ناتجة عن تليف الرئتين وتمدد الشعب الهوائية، موضحا أنّ الحرب وما ينتج عنها من استنشاق مواد سامة نتيجة إلقاء القنابل المتفجرة والغبار، كفيل بإصابة المواطنين بأمراض صدرية متلازمة، يضاف لها تأثير سلبي مضاعف على المدخنين.
وأشار عوض، إلى انتشار السموم في الجسم بشكل عام وفي الدم، ما قد يؤدي للإصابة بأمراض أخرى في الدم، منوها إلى أن المدخن لا يشعر في الغالب بتأثير السموم بشكل فوري، بل يحتاج الأمر لشهرين أو ثلاثة أشهر خاصة لدى جيل الشباب الذي يتمتع بصحة جيدة مقارنة بكبار السن.
وقال طبيب الأمراض الصدرية: "الإنسان هنا سيصاب بالأمراض الصدرية في الرئتين ولن يكون بالإمكان علاجها عن طريق المضاد الحيوي أو بعض العلاجات والمسكنات"، هذا إن لم يُصب بأمراض سرطانية ستؤدي لتراجع صحة المدخن الذي لن يتمكن من المشي والحركة، ثم لن يتمكن من التنفس بشكل طبيعي سليم وسيكون بحاجة إلى استخدام التنفس الصناعي، وهو ما يعني الموت البطيء.
وتطرق عوض، إلى الوضع الحالي، حيث تستمر إسرائيل في حربها على قطاع غزة ومنع دخول الأدوية والعلاجات، وانهيار المنظومة الصحية التي أدت إلى تراجع الخدمات الطبية التي قد يحصل عليها المواطنون، بالإضافة إلى سفر قرابة 80 في المئة من الأطباء أصحاب الخبرة للخارج بسبب الحرب وعدم توفر وسائل الحماية لهم ولأسرهم أثناء عملهم داخل المستشفيات التي تعرض معظمها للاقتحام والتدمير، مضيفا: "لو حصل مريض على العلاج اللازم في الوقت المناسب وقبل تفشي الأمراض في الرئتين والدم، على الأغلب سيتجنب الإصابة بالأمراض المزمنة القاتلة".

font change

مقالات ذات صلة