مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" فرصة متجددة لاقتصاد سعودي مستدام

يتوقع المنظمون أن تشهد النسخة الثامنة إعلان صفقات تصل إلى 28 مليار دولار

واس
واس
مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار".

مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" فرصة متجددة لاقتصاد سعودي مستدام

يعتمد الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة على بعض القطاعات الرئيسة، انطلاقا من ميزات طبيعية أو جغرافية تتمتع بها الدول، تتفرد من خلالها بصناعات تنافسية محليا وعالميا. إلا أن الثابت أنه لا يمكن بناء اقتصاد متين دون استثمارات تولد قيمة مضافة وموارد مستدامة.

عمد المسؤولون في المملكة العربية السعودية، في مقدمهم ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، إلى رعاية قطاع الاستثمار وجعله من أهم المرتكزات التي يقوم عليها الاقتصاد السعودي، إلى جانب النفط والصناعة والسياحة والزراعة وغيرها.

وقد سخرت كل الإمكانات بهدف جذب الشركات العالمية العابرة القارات إلى المملكة، بما يعود بالنفع على الدولة والأفراد في آنٍ واحد، حيث يوفر الاستثمار الأجنبي آلاف الوظائف التي تساهم في تخفيف العبء المالي على القطاع الحكومي. كما يعد الاستثمار الأجنبي من أهم مصادر الدخل بالعملة الأجنبية بما يضمن استقرار النقد في الدولة.

يتوقع القائمون على المؤتمر أن تشهد هذه النسخة صفقات استثمارية تصل إلى 28 مليار دولار في شتى القطاعات في السعودية ودول العالم

دأبت الرياض، منذ انطلاق "رؤية 2030" الرامية إلى بناء اقتصاد متين ومتنوع يهدف إلى استغلال كل القطاعات على النحو الأمثل، على استضافة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" سنويا، وعلى مدى الأعوام الثمانية المنصرمة، حيث انعقدت النسخة الأولى في عام 2017 أي بعد عام على إطلاق "الرؤية".

وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد كشف في النسخة الثانية من المؤتمر في عام 2018 عن تصوره للمنطقة قائلا، "سنسعى لجعل الشرق الأوسط أوروبا الجديدة"، معلنا بذلك دخول بلاده فصلا جديدا من التنمية والتطوير لمنافسة كبرى اقتصادات العالم.

.أ.ف.ب

وظن البعض، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، أن الرياض يفصلها عن الوصول إلى ذلك الهدف عشرات السنوات، نظرا إلى التجارب السابقة في المنطقة. لكن في غضون أقل من عقد من الزمن، تمكنت السعودية من أن تحتل المراتب الأولى في مجالات عدة، اقتصادية وسياحية وتقنية وغيرها.

"أفق لا متناه... الاستثمار اليوم لصياغة الغد"

ووسط سعي المملكة الحثيث الى تنويع مصادر دخلها بعيدا من قطاع النفط والتحول إلى اقتصاد مستدام، تستضيف العاصمة السعودية الرياض، أكبر حدث استثماري واقتصادي سنوي، هو مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في نسخته الثامنة، الذي ينعقد من 29 إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول تحت شعار "أفق لا متناه... الاستثمار اليوم لصياغة الغد". وسيجمع المؤتمر 600 متحدث من القادة ورواد الأعمال لمناقشة قضايا وأسئلة ملحة حول قطاع الاستثمار في السعودية والعالم، وذلك من خلال عقد أكثر من 200 جلسة حوارية. كما يتوقع القائمون على المؤتمر أن تشهد هذه النسخة صفقات استثمارية تصل إلى 28 مليار دولار في شتى القطاعات في السعودية ودول العالم.   

إطلاق العديد من المبادرات في شتى القطاعات مثل "عبور" و"منارة" وغيرها، مع ما يرافقها من تسهيلات سواء أكان ذلك إعفاءات ضريبية أو قروضا ودعما حكوميا، توفر حافزا للمستثمر للتوسع والدخول إلى الأسواق السعودية

الدكتور أحمد الراجحي، نائب رئيس جمعية الاقتصاد السعودية

وكانت حصيلة الصفقات من النسخ السابقة من "مبادرة المستقبل" قد بلغت نحو 128 مليار دولار، بحسب ما كشفه ريتشارد أتياس، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "مبادرة مستقبل الاستثمار"، قبيل انطلاق فاعليات المؤتمر في شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

مناخ الاستثمار أولا

ويقول الدكتور أحمد الراجحي، نائب رئيس جمعية الاقتصاد السعودية، لـ"المجلة"، "أصبح التوجه العام للحكومة بعد إطلاق الرؤية تحسين مناخ الاستثمار وتحضيره بما يتلاءم مع الاتجاه العالمي، من خلال إنشاء مشاريع ضخمة تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل مدينة "نيوم" وما يصاحبها من أعمال كمدينة "أوكساغون"، فضلا عن باقي المشاريع في البحر الأحمر وباقي المناطق". 

ويرى الراجحي أن إطلاق العديد من المبادرات في شتى القطاعات كمبادرة "عبور" التي أعلنتها وزارة النقل والخدمات اللوجستية في العام المنصرم، وأيضا مبادرة "منارة"، وغيرها من المبادرات وما يرافقها من تسهيلات سواء أكان ذلك إعفاءات ضريبية أو قروضا ودعما حكوميا، توفر حافزا للمستثمر للتوسع والدخول إلى الأسواق السعودية.

عوائد تفوق التوقعات

في عام 2023، بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية 96 مليار ريال (نحو 26 مليار دولار)، متجاوزةً بذلك الهدف المحدد في الاستراتيجيا الوطنية للاستثمار والمتمثل بـ83 مليار ريال (22 مليار دولار)، فيما وصلت نسبة مساهمة القطاع من الناتج المحلي إلى 2,4 في المئة، بحسب أحدث تقرير صادر عن وزارة الاستثمار السعودية.

يعد تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من أهم مقاصد الاستراتيجيا الوطنية للاستثمار، بحيث تهدف لأن تصل مساهمة القطاع إلى 5,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030

ويعد تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من أهم مقاصد الاستراتيجيا الوطنية للاستثمار، بحيث تهدف لأن تصل مساهمة القطاع إلى 5,7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

إجراءات وتشريعات محفزة

ما يميز النسخة الحالية من "مبادرة مستقبل الاستثمار"، أنها تأتي وسط نضوج لافت لقطاع الاستثمار، نظرا لما شهدته السنة الجارية من تحديث للأنظمة والتشريعات، إلى جانب الإنجازات التي حققتها المملكة، مكملة بذلك الخريطة الاستثمارية التي تعتبر بمثابة بوصلة للمستثمرين للأعوام المقبلة. 

واس
ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات السعودي، يلقي كلمة في مؤتمر مبادرة "مستقبل الاستثمار" في الرياض

فقد سجل مطلع السنة الجارية سريان قرار إيقاف تعامل السعودية مع الشركات التي لم تنقل مقرها الإقليمي إلى الرياض، وكان هذا القرار قد صدر قبل نحو أربع سنوات. ووصل عدد الشركات التي اعتمدت المملكة مقرا إقليميا لها إلى نحو 517 شركة، متجاوزا الهدف الذي حددته "رؤية 2030" المتمثل في استقطاب 500 شركة.

إقرأ أيضا: ديناميكية الاقتصاد السعودي تحت المجهر

كما ارتفع عدد التراخيص الاستثمارية المصدرة للشركات بنسبة 49,6 في المئة ليصل عددها إلى 2,728 رخصة خلال الربع الثاني من عام 2024 مقارنةً بالفترة المماثلة من العام المنصرم، وذلك بحسب نشرة "راصد الاقتصاد والاستثمار" الصادة عن وزارة الاستثمار .

حدثت وزارة الاستثمار نظام الاستثمارات الأجنبية في السعودية للمرة الاولى منذ 25 عاما. ويهدف النظام الجديد إلى تعزيز حقوق المستثمرين، وتسهيل الإجراءات، وتوفير بيئة تنافسية عادلة بين الشركات المحلية والأجنبية

وفي أغسطس/آب الماضي، أقدمت وزارة الاستثمار على تحديث نظام الاستثمارات الأجنبية في السعودية للمرة الاولى منذ 25 عاما. ويسعى النظام الجديد إلى تعزيز حقوق المستثمرين من خلال ضمان تسهيل الإجراءات وتخفيف القيود على المستثمر، كما يهدف إلى خلق بيئة تنافسية عادلة بين الشركات المحلية والأجنبية. وسيدخل النظام الجديد حيز التنفيذ ابتداءً من العام المقبل.

فرص واعدة

يشكل قطاع السياحة أهمية كبيرة لدى المستثمرين، لما يعكسه من أمان واستقرار في الدولة، كما أن القطاع لا يهدف اجتذاب السياح فقط، بل أيضا الشركات العالمية، حيث تحرص أن يكون لديها تمثيل في أبرز الوجهات العالمية التي تستضيف سنويا أهم الأحداث العالمية، كما هو سائد في بعض العواصم السياحية العالمية مثل باريس، ولندن، وطوكيو.  

وفي الأعوام القليلة المنصرمة، تمكنت السعودية من التقدم الى المراتب الأولى بين الدول الأسرع نموا في قطاع السياحة في "مجموعة العشرين"، كما دأبت على استضافة أهم الأحداث العالمية في المجالات الرياضية والترفيهية، والاقتصادية، والتقنية. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، بادرت وزارة السياحة إلى إلغاء الرسوم المتعلقة برخص الأنشطة التجارية وإنشاء الفنادق.

وفي السياق نفسه، نجحت الرياض في وقت سابق من السنة في الفوز بتنظيم أكبر معرض في العالم، "إكسبو 2030"، كما تنتظر الفوز بحق استضافة كأس العالم في عام 2034. لا شك أن مشاريع مماثلة، تحتاج إلى بنى تحتية ضخمة واستثمارات توفر آلاف الوظائف، كل ذلك من شأنه أن يجتذب المستثمرين والاستثمارات في السعودية.  

font change

مقالات ذات صلة